“متلازمة ستوكهولم” في حالتنا الفلسطينية


  • السبت 19 فبراير ,2022
“متلازمة ستوكهولم” في حالتنا الفلسطينية

من المفارقات العجيبة التي نعيشها في هذه المرحلة، مرحلة التّردّي السياسي والقيمي الأخلاقي، أنه في الوقت الذي يسجّل فيه العرب الفلسطينيون في الداخل، أصحاب هذه البلاد الأصلانيين الذين يعيشون في وطنهم وعلى أرضهم، انتصارًا تلو الانتصار على مدار سبعة عقود في معركة الانتماء والهوية والحفاظ على الثوابت في أبعادها الإسلامية والعروبية والفلسطينية، أن يكون من بينهم من يدافع عمّن ظلم أهله وأبناء شعبه وأذاقهم ويلات القتل والتهجير الذي ما يزال إلى اليوم يمارس بحقهم التمييز العنصري والاضطهاد الديني والسياسي ويعتدي على أرضهم ومقدساتهم ويحرمهم من حقوقهم الجماعية.

مثل هؤلاء ينطبق فعلا عليهم مصطلح “متلازمة ستوكهولم” الذي أصبح دارجا بناء على عملية سطو فاشلة على بنك في ستوكهولم بالسويد في 1973، وقد تم احتجاز 4 موظفين كرهائن في قبو البنك لمدة 6 أيام، وبعدما حررت الشرطة الرهائن من أيدي الخاطفين، رفضوا الإدلاء بشهادتهم ضدهم في المحكمة، والأغرب أنهم شرعوا في جمع الأموال للدفاع عنهم!! هناك من فسر فكرة التلاعب بعقول الرهائن أو الضحايا أو بالأحرى “غسل أدمغتهم” من خلال السماح لهم بالعيش أو بزيارة الحمام أو توفير الطعام أو الماء لهم.

إذن، هي “متلازمة ستوكهولم” التي أصابت قلة خارجة عن قاعدة الإجماع الوطني في مسيرة شعبنا الفلسطيني من عرب الائتلاف الحكومي الإسرائيلي ومن غيرهم من أولئك الذين استجابت نفسياتهم للتعاطف مع خاطفي وسارقي ومغتصبي أرضهم وحقوقهم ودفاعهم عنهم في كل محفل ومحفل، بسبب بعض الحقوق والامتيازات والميزانيات التي يتفضل بها عليهم السيد الإسرائيلي والتي تعود بالفائدة عليه، والتي أيضًا تصب في المصلحة الفردية على حساب المصلحة الجماعية والوطنية القائمة على التمسّك بالبُعد الفلسطيني والعربي والإسلامي.

“متلازمة ستوكهولم” أدّت إلى السقوط في مستنقع تهويد الوعي ومشاريع التدجين والأسرلة المغلفة بشعارات تحصيل الحقوق المدنيّة و “المساواة” و “دولة لجميع مواطنيها”، و “المشاركة الفعالة في الحياة السياسية الديمقراطية”.. إلى آخر ذلك من هذه الشعارات الرناّنة التي توهمهم بالانخراط في المجتمع الإسرائيلي والمشاركة في القرار السياسي، لكنهم في نظر السيد الإسرائيلي الذي ظلمهم واعتدى عليهم وسلب حقوقهم ليسوا أكثر من “عبيد المنزل” الذين يعتبرون أنفسهم من طبقة لها مكانة- قياسا مع “عبيد الحقل”- ولا وظيفة لهم إلا الترويج للديمقراطية الإسرائيلية الكاذبة وتلميعها في الوقت الذي تتعرض فيه المؤسسة الإسرائيلية لانتقادات لاذعة وبأصوات مرتفعة من عدة جهات حقوقية دولية وصفت إسرائيل بـ “دولة الفصل العنصري” وأدانت فيه ممارسات الاحتلال بحق الفلسطينيين في المناطق التي يسيطر عليها ووصفتها بـ”الفصل العنصري”. بدل أن يستغلوا هذه الانتقادات والأصوات للتأثير على القرار السياسي لصالح نصرة قضية مسيرة شعبنا الفلسطيني وتخفيف الظلم عنهم.

علينا أن لا ننسى أن “متلازمة ستوكهولم” في حالتنا الفلسطينية في الداخل بدأت في مرحلة مبكرة جدًا في مسيرة شعبنا الفلسطيني، ففي عام 1959 كانت الكنيست قد بحثت اقتراحًا لبعض التسهيلات من أجل أن تتخذها الحكومة في إجراءات الحكم العسكري الظالمة المفروضة على العرب الفلسطينيين، غير أن الاقتراح سقط لصالح حكومة بن غريون بسبب بضعة أصوات منها أصوات عضوي الكنيست من عرب الإئتلاف الحكومي في ذلك الوقت جبر معدي وذياب عبيد بدل أن يصوتا من أجل التخفيف والتسهيل على أبناء شعبهم القابعين تحت الحكم العسكري!!

وفي مرحلة التردي السياسي والقيمي الأخلاقي التي نعيشها في أيامنا هذه، لا يوجد أدنى شك أن العنوان البارز لـ “متلازمة ستوكهولم” هي القائمة العربية الموحدة الذراع السياسي للحركة الإسلامية الجنوبية والتي يقف على رأسها د. منصور عباس، فمنذ دخول هذه القائمة الإئتلاف الحكومي الإسرائيلي وهي لا تتوقف في انحدارها السياسي الوطني والانحياز إلى الرواية الصهيونية على حساب التمسك بالثوابت القيّمية والوطنية بأبعادها الإسلامية والعربية والفلسطينية، وآخر هذه التصريحات والأقوال المثيرة للجدل- لا حدود لنهايتها على ما يبدو- رفض د. منصور عباس، وصف إسرائيل بدولة “الفصل العنصري”، وذلك في ردّ على تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية (أمنستي).

نعم، د. منصور عباس وقائمته (الموحدة) هما العنوان البارز لـ “متلازمة ستوكهولم” في هذه المرحلة، على ما يبدو، لكنهم ليسوا الوحيدين في السقوط بمستنقع تهويد الوعي ومشاريع التدجين والأسرلة، وليسوا الوحيدين ممن يقع عليهم وصف “عبيد المنزل” الذين لا وظيفة لهم إلا الترويج لديمقراطية السيد الإسرائيلي الكاذبة وتلميعها والتغطية على جرائمه بحق الأرض والإنسان والمقدسات وعلى وممارسته التميزية العنصرية، فإلى جانب “حقوقيين عرب” انبروا للدفاع المستميت عن السيد الإسرائيلي، فهذا أحد أقطاب “عرب الائتلاف الحكومي” ما يسمى وزير التعاون الإقليمي، عيساوي فريج، العضو في حزب “ميرتس” الصهيوني، يهاجم بشدة منظمة العفو الدولية (أمنستي) ويدافع بشراسة عن السيد الإسرائيلي ويقول: “إسرائيل ليست دولة فصل عنصري”!! وهو أيضا (فريج) قد حذر اليهود من “الخطر الديمغرافي” العربي ومن خطر بناء مدارس عربية في مدينتي نوف-هجليل وكرمئيل وحذر من تكاثر العرب والهجرة إلى “مدن يهودية” قبل فترة ليست ببعيدة!!

في النهاية، لا يسعنا إلا أن نقول إن المصابون بـ “متلازمة ستوكهولم” في حالتنا الفلسطينية ومن يقع عليهم وصف “عبيد المنزل” هم خارجون عن قاعدة الإجماع الوطني في مسيرة شعبنا الفلسطيني وهكذا سيسجلهم التاريخ عندما يطوي صفحاتهم قريبا.

. . .
رابط مختصر



اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة *

مشاركة الخبر