الناصرة، بين حل المجلس البلدي وإقرار لجنة معينة، من ينقذ المدينة؟


  • الجمعة 27 يونيو ,2025
الناصرة، بين حل المجلس البلدي وإقرار لجنة معينة، من ينقذ المدينة؟
بلدية الناصرة

بعد أقل من 24 ساعة من إعلان وزارة الداخلية الصهيونية إقالة رئيس بلدية الناصرة السيد علي سلام وحل المجلس البلدي، عادت الميزانيات للبلد، وها هي شركات جمع القمامة تعمل بشكل حثيث منذ يوم أمس بعد أشهر طويلة من إهمال الوزارة لهذه المكرهة الصحية.  هذا ليس صدفة، إنه إجراء ضمن سياسة أوسع تهدف إلى ترسيخ دونية المستعمَر العاجز الفاسد الفاشل الخ، وسمو المستعمِر القادر النزيه المبدع الخ. هو طريقة منظومة الاستعمار لمحو هوية الإنسان الفلسطيني النصراوي القادر من أذهاننا. نجد ذلك في مقولات انتشرت في الفترة الأخيرة من قبيل: "العرب بقر، اليهودي أحسن، يا ريت يحطوا يهودي، لجنة بديروها يهود تكنوقراط أفضل وبتنضف ورا تقهقر اداراتنا العربية..."

طبعا التوقيت ليس صدفة، كل من يرى السياق يدرك أن اللجنة المعينة وحتى تأخير الاعلان عنها لم يكن عبثا، وترك هذه النفايات المتكدسة منذ شهور والتي أكلت المدينة حتى بدأ الدود وأنواع الذباب والبعوض تنهش بيوتنا وأجسادنا، وجعلت من كل حي مسرحا للخلافات والعنف والجريمة لم تكن عبثية. أشهر طويلة شهدنا خلالها كما متزايدا من المشاكل العويصة والخلافات العنيفة بين أبناء بلدنا على لا شيء، على الزبالة! كل من يرى السياق يفهم أن تكديس الزبالة يهدف الى نزع روح الناس عنهم ونزع فكرة الإنسان القادر من قلب كل نصراوي، وتثبيت الشعور بالدونية تجاه الصهيوني. 

توقيت جمع النفايات مباشرة بعد الإعلان عن إقالة رئيس بلدية الناصرة علي سلام والمجلس البلدي المنتخبين، يذكرني بقصة المرأة التي كانت تشتكي لزوجها ضيق بيتهم المكون من غرفة واحدة يسكنها 7 اشخاص،  وعندما ضاق صدره بشكواها أحضر لها ذات يوم دجاجا ليربيه في البيت وبعد يوم أحضر بقرة وبعدها عنزة وبعدها كلبا وعلى هذا المنوال لأشهر. وعندما ضاقت ذرعا في البيت إلى حد كبير، أخرج الزوج كل الحيوانات ونظف البيت فأعجبت الزوجة بالبيت الواسع ولم تعد تشتكي، بل وصارت تمدح الزوج الذي خلصها من الحيوانات، متناسية أنه هو الذي أحضرها ابتداء ليخرسها. وهكذا، أبقتنا الوزارة عمدا وعنوة نغوص في النفايات أشهرا طويلة، حتى يأتي "الخلاص" على يد الصهيوني المعين فنؤمن أكثر أن الصهيوني مهني، أما العربي فهو غير مؤهل، فاسد، عاجز الخ...  

قبل أن يبدأ المطبلون بالتطبيل والتزمير لقرار الوزارة الصهيونية، وبعدها التسحيج للصهيوني المعين من قبلها لرئاسة بلدية الناصرة، ربما عليهم التريث قليلا والبحث عبر محرك چوچل على أقل تقدير عمن هو يعكوڤ افراتي. ألا يجدر الوقوف عند تاريخه المهني، والسياسي وانتمائه وتوجهاته الايديولوجية لمعرفة كيف سيكون تأثيره على هوية البلد وناسها ومستقبلها؟ 

التفكير في مصلحة البلد، أكبر من فكرة التخلص من رئيس ومجلس فشل في إدارة الخدمات، وعليه لا بد من الإشارة إلى ما يلي: 

- بغض النظر عن أداء السيد علي سلام والمجلس البلدي، يبقون هم من اختارهم أهل الناصرة لإدارة البلد. وفي حال عدم قدرة وأهلية هذا الرئيس والمجلس على العمل بشكل مهني بما يخدم البلد فعلى الوزارة إعادة المنصة إلى أهل البلد عبر انتخابات بلدية جديدة يتم فيها انتخاب رئيس ومجلس بلدي جديد بما يتلاءم مع اختيار الناس وطموحهم وليس عبر تعيين الوزارة لجنة أعضاؤها لا يمتون للبلد بصلة. 

- ماذا سيفعل رئيس بلدية صهيوني معين من قبل المنظومة التي تسعى إلى إبادتنا جميعا في بلدنا؟ أي قيم سيعمل بحسبها؟ كيف سيرسم هوية البلد؟ البلدية ليست منظومة خدمات فحسب، هي مساحتنا للحفاظ على هويتنا الفلسطينية، على تاريخنا، على لغتنا، على تراثنا، على حراكنا السياسي. 

- على من يطمح للحلول محل الرئيس المُقال أن يتعلم عدم التسحيج للقادم الصهيوني،  فأهل الناصرة يستحقون أن يحددوا بأنفسهم من يرأس البلدية وأي مجلس يديرها ويكون من أبناء البلد حتما.

- على الأحزاب والمجلس البلدي المنتخب وكل الناس أن يحاربوا من أجل أن تكون صلاحية اللجنة المعينة لا تتعدى ال 100 يوم، حتى تنظيم واجراء انتخابات محلية لاختيار مجلس جديد. أي دعوة لقبول لجنة معينة لفترة طويلة ودون انتخابات، هي دعوة بائسة، سيئة، ذليلة ولا ترقى لعظمة مسؤولياتهم التي انتخبهم الناس لأجلها. 

- إن حل المجلس البلدي وفرض لجنة معينة  في الناصرة هو خطوة من قبل المنظومة اذا نجحت، فسنراها تفرضها بكل سهولة ولأتفه الاسباب في بلداتنا العربية الفلسطينية الأخرى. فلا يظنن أحد منكم أن الناصرة ستكون آخر ضحايا السكوت والاستسلام. الناصرة هي العينة التي ستتم دراستها للسيطرة على العمل البلدي في معظم البلدان العربية. 

- حتى العام 2004، تم إقرار 37 لجنة معينة 81% منها كانت في بلدات صهيونية، ومنذ العام 2004 حتى اليوم أُقرت 26 لجنة معينة،  69% منها في بلدات عربية فلسطينية. في إشارة واضحة إلى أن هذه الاستراتيجية باتت تستخدمها منظومة الاستعمار كأداة تحكّّم في القضايا الداخلية للبلدات العربية، مصادِرة بهذا حق أهالي المدينة في اختيار رئيس ومجلس بلدي نصراوي فلسطيني عربي من أهل البلد، يشبههم في كل شيء ويحمل همومهم كهَم شخصي ووطني وإنساني. 

- الناصرة لا تفتقر إلى من هم جديرون بقيادة البلد. الناصرة مليئة بأصحاب الكفاءات المهنية والانتماء الوطني والحب لهذا البلد الذي يستحق أن يبقى درة التاج في الانتماء الفلسطيني وفي كل خدمة يقدمها لأبنائه. 

- لقد سعت منظومة الاستعمار في العمل البلدي دوما على فصل الجزء الخدماتي للبلديات عن الثقافي والوطني والاجتماعي والاقتصادي، والمؤسف أن جميع الأحزاب مشت في هذا التلم الذي رسمته لها المنظومة، فأصبحت البلديات مساحة خدماتية صرفة، منزوعة الروح وأصبح الناس يصوتون بحسب مصالحهم الشخصية، لا انطلاقا من مصلحة البلد واهله جميعا. على الأحزاب اجتراح برامج عمل شاملة، تبني الإنسان من جميع الجوانب ولا تكتفي بجمع النفايات وتنظيم أمور الصرف الصحي.

- على الأحزاب، كل الاحزاب العربية وكل المهتمين بالشأن العام، المحاربة على ألا تتعدى صلاحية هذه اللجنة إجراء انتخابات محلية جديدة ليتسنى لأهل الناصرة، أن يختاروا بأنفسهم من يمثلونهم في رئاسة ومجلس البلدية. وبعدها على كل الأحزاب محاسبة نفسها بصدق لأنها تغفو لمدة خمس سنوات كل مرة وتعود بعدها لتعرض على أهل البلد وجوها لم تعمل الا في محيطها الضيق، بلا برنامج عمل حقيقي ومدروس قادر على النهوض في المدينة ثقافيا واجتماعيا ووطنيا واقتصاديا. فلا نلومن الناس على خياراتها عندما تكون كل الخيارات المتاحة أقل من الحد الأدنى. 

الناصرة أمانة بين أيدينا، أمانة لأبنائنا وللأجيال القادمة. المطلوب الآن أن نحفظ حقنا في انتخاب مجلس بلدي مهني فلسطيني القلب والهوية والبرامج والغاية. الناصرة ليست مساحة جغرافية فحسب، هي بلدنا الذي نحب، هي تاريخنا وطفولتنا وشبابنا ومستقبلنا، هي فلسطيننا الصغيرة، نحميها برمش العين، ونقاوم لأجلها كل مخططات صهر الوعي التي تحاك لنا ولأبنائنا عبر التحكم بتفاصيل حياتنا اليومية.

 

. . .
رابط مختصر


رلى مزاوي

اختصاصية نفسية وناشطة سياسية


مشاركة الخبر