دروس مستقاة من نفق جلبوع


  • الأحد 19 سبتمبر ,2021
دروس مستقاة من نفق جلبوع
واحد من الدروس المهمّة المستقاة من عمليّة الهروب وتتابعاتها: أننا تعلّمنا بأن الشعب الفلسطيني واحد. هذا درس مهم ننساه كلّما غرقنا في اليأس، ونتذكره كلما لمعت نجمة في ليلنا الطويل.
قبل أقل من أربعة شهور، في اشتباك أيّار، كان دفق الإحساس بوحدة الشعب الفلسطيني يسري في كل أوصال الشعب الممزق، وينسيه عبء سنوات طويلة من حمل الهويات المجتزأة (والدفاع عنها أحيانًا).
لنتذكر، مثلا، أن سفير أوسلو في بيروت، قبل أحداث أيّار، قد أرسل زعرانه (وهم لاجئون انتهت بهم الرحلة إلى لبنان) لكي يقمعوا لاجئين آخرين هاربين من الموت في سوريا. ولنتذكر أن المأجورين، بعد أحداث أيار، قد قاموا بسحل الصبايا والشباب في شوارع الضفة وبيروت إثر اغتيال نزار بنات. إلى أن نفّذ الستّة عملية هروبهم، فأعادوا ترتيب الأوراق والقلوب بما يكفي لكي نستعيد شعورنا بوحدتنا.
كثافة الأحداث وتواترها يجعلاننا ننسى أن كل ما هو على الأرض من أنظمة وحواجز وأسمنت وعصابات مسلحة ومأجورين ونفط ومارينز وطغم وطنية تسعى بشكل حثيث إلى دفعنا لنسيان هذه الحقيقة المهمة: نحن شعب واحد.
ما الذي يهدد أمن "إسرائيل" حقا؟ إطلاق نار في اللد وأم الفحم؟ (النار تطلق في اللدّ منذ أن خُلقت اللد وأم الفحم) : ما يهدد أمن هذه الإسرائيل هو أن اليد التي أطلقت النار تذكرت نسبها. أن ابن غزّة الذي يحوم فوقه ظلّ الموت، يدافع عن ابن اللد وأم الفحم، لتأكيد هذه الحقيقة التي تبدو بدهية، لكنها حقا بحاجة إلى التأكيد عليها دائما.
ما الذي يهدد أمن الإقليم؟ مصادرة منازل في الشيخ جرّاح أم فرح الناس بالظهير الغزّي الذي دخل المعادلة، فقلب المعادلة، ولو إلى حين؟
ما الذي يهدد أمن السلطة بكل ما تمثّله من ترسيخ وقوننة لتمزيق أوصال الشعب الفلسطيني، هذه السلطة القائمة أصلا على التركيز على التباينات بين الفلسطينيين بالارتكاز على صدفة ولادة بعضهم في موضع جغرافي؟
دعونا لا ننسى أن الأبطال الستّة قد دفعونا إلى تعليق أبصارنا وقلوبنا بنجمة في هذه العتمة، وهذا فعل وحدويّ. وأنّهم على مدار أيام تحررهم قد أعادوا إلينا، بعد سعي السلطة المحموم إلى إظهار التباينات التي هي خبز يومها، ولو عبر دم نزار بنات، هذا الفرح بإعادة اكتشاف نسغ يسير في أوصال شظايانا الموزعة على كل جهات الأرض: الوحدة الشعبية قادرة، على أقل تقدير، على زعزعة أمن الإقليم، والدفع بمشاريع التجزئة، التي هي جزء لا يتجزأ من كينونة "إسرائيل" وتمظهراتها في المنطقة، إلى مؤخرات أصحابها.
أول اشتراطات تحررنا، هو إدراكنا لذواتنا، بعد رحلة التمزيق الطويلة التي مرّ بها شعبنا. هذه أولى الخطوات فقط.
بعدها؟ الطريق طويلة، وملآى بالأعداء والخناجر والكيانات المصطنعة، لكننا نحمل في قلوبنا الأسماء التي وحّدتنا، الأسماء التي صارت تشكّل جزءا من هويّتنا. ما يوحّد قلوبنا على إصرار السير على الطريق الملآى بالخناجر هو أسماء نعصرها في قلوبنا ونسمّي أطفالنا بها أو نربّيهم على سيرتها. وكما يتعبّد المؤمن بسرد أسماء الله الحسنى، فإن على الفلسطيني أن يوطّن قلبه على ذكر أسماء الأرض الحسنى، وهذه بعض منها:
ضياء تلاحمة وباسل الأعرج ونزار بنات ومحمود ومحمد عارضة، وتيريز هلسا وأيهم كممجي ومهند الحلبي وفتحي الشقاقي وجورج حبش وزكريا زبيدي ومحمود أبو هنود ويحيى عياش ونضال الربضي وليلى خالد وأسيل عاصلة وياسر أبو قطيش ووديع حداد ودلال المغربي وعصام براهمة وعمر القاسم وأسعد الشوّا ومناضل انفيعات وحمدي التميمي وحمزة أبو الهيجا وجمال أبو سمهدانة، وكل الأسماء التي تلمع في ليلنا، كل العيون التي انطفأت على الطريق.. وكلّ الدم:
دمٌ عالٍ. دمٌ غالٍ. دم غالب. دم فاتح.. دم يقظٌ.. دم عائد.. دمٌ صاعد.. دم ماضٍ. دم صاخب.. دم باقٍ. دمٌ واضح.. دم فاضح.. دم ساخن، دم قادر، دمٌ باسل. دم واثب.. دم مظلوم. دم مشتبك، دمٌ لا يزول، وإن وقف في وجهه كل نفط العالم، وأسوار العالم، وأبراج التجارة، وروابي و"نيوم".
. . .
رابط مختصر



اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة *

مشاركة الخبر