"احتمالات الحرب أقرب من احتمالات الهدوء" هل حقاً؟


  • الأحد 16 أبريل ,2023
"احتمالات الحرب أقرب من احتمالات الهدوء" هل حقاً؟
توضيحية

تقديم:

 انفرد موقع "واللا" ومحلله العسكري أمير بوحبوط يوم 12 نيسان/ابريل الجاري بنشر تقرير شعبة الاستخبارات العسكرية الذي يشير الى ترجيح احتمالية الحرب باعتبارها أكثر قابلية من احتمالات ديمومة الهدوء على مختلف الجبهات الاسرائيلية.

الموضوع:

بحسب تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش (أمان)، "فإن التوترات الأمنية لن تزول مع نهاية شهر رمضان، بل ينبغي انتظار رد غير عادي ضد ما اسماه بالتنظيمات الإرهابية، وذلك لصالح تهدئة التوتر حول الحرم القدسي الشريف. تُظهر بيانات "أمان" أيضًا أن الردع الإسرائيلي يتآكل، من بين مسببات أخرى، في أعقاب الابتعاد الامريكي عن الشرق الأوسط".

 في الأيام الأخيرة وفي أخر تقدير محدَّث، فقد حذرت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية المستوى السياسي من أن احتمالات الحرب أقرب من الهدوء. وبحسب التقديرات، "لن تختفي التوترات الأمنية بعد نهاية رمضان، بل ان التوجهات الأمنية قد يؤدي إلى حرب. وفقًا للتقديرات نفسها، يجب الانتظار بشأن رد غير عادي ضد حماس وحزب الله وأذرع إيران في سوريا الى حين تهدئة التوتر الديني المتفجر الذي نشأ حول الحرم القدسي الشريف".

تظهر معطيات شعبة الاستخبارات العسكرية "أن التوترات حول المسجد الأقصى تستحوذ على مختلف الساحات، وتزيد من تأثير التحريض ضد إسرائيل على مواقع التواصل الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، يستشعر أعداء إسرائيل بانسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، والذي تضمن نقل الطائرات الاكثر تطورا من المنطقة واستبدالها بطائرات أقل تطوراً. يؤثر هذا التغيير على الردع الإسرائيلي إلى جانب الانشغال الأمريكي المتزايد بالصين وروسيا.

تقدر "أمان" بأن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي قرر قبل عام الانتقام من أنشطة إسرائيل ضد النظام في طهران. وبحسب التقديرات، فإن الزعيم الإيراني يطالب بالرد على الاغتيالات والهجمات المنسوبة لإسرائيل، "وبالتالي فإن الإيرانيين يبذلون الجهود لنقل الأعمال الإرهابية إلى داخل إسرائيل وعدم الاكتفاء بالعمل على حدود اسرائيل". وفي هذه المرحلة وبحسب نفس التقديرات فإن الإيرانيين "لا ينجحون في مهمتهم، لكنهم يواصلون الضغط من العراق وسوريا ولبنان وغزة وحتى من الضفة الغربية."

تحليل:

هناك منطق في تحليلات شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية، لكن ليس بالضرورة في استنتاجاتها، اذ يؤكد تاريخها ان قراءتها لاحتمالات الحرب والسلام ليس دقيقة بالضرورة، والمثال الأبرز تاريخيا والذي لا يزال موضع جدل صاخب منذ خمسة عقود هو إخفاقها في قراءة القرار المصري والسوري عام 1973 قبيل بدء الحرب. كما انها اعترفت اكثر من مرة بعدم نجاحها في توقع حدوقث الانتفاضتين الاولى والثانية، وباتت تكرر بوتيرة شبه سنوية بأنّ "اهم مؤشر لاحتمالية انتفاضة فلسطينية هو عدم وجود أية مؤشرات".

ان دقة تشخيص التحديات وقراءة الصورة الآنية لا توصلا بالضرورة الى التنبّؤ بالحرب. بل قد تكون حتى تناقضات بين الامرين. لا شك في وجود نوايا اسرائيلية وقرارات استراتيجية باستعادة الردع المتآكل لكن الحرب ليست ضمانة، واذ تشير معظم التقديرات الاسرائيلية الى تآكل الردع بسبب الازمة الاسرائيلية الداخلية والصراع بين الائتلاف الحاكم والمؤسسة الأمنية ومخاطر تفكك المنظومات الأمنية وتراجع مقومات الأمن القومي، إلا ان شعبة "أمان" تشير الى عامل اخر وهو الانسحاب الامريكي من المنطقة وتغيّر اولويات الولايات المتحدة نحو مواجهة النفوذ الصيني، وكذلك انشغالها في الحرب في اوكرانيا وتورطها فيها في مواجهة روسيا.

لم يقرأ تقرير أمان التحولات الاقليمية الهائلة نتاج تراجع النفوذ الامريكي ومعه الاسرائيلي ونزوع البلدان العربية ملاءمة نفسها الى التحولات الجوهرية في النظام العالمي، والى حل الصراعات والقبول بالدور الصيني الايجابي وهو ما وجد تعبيرا عنه في بدء تطبيع العلاقات السعودية الايرانية وأثرها المتوقع على تذليل الصراعات في اليمن ولبنان والعراق وسوريا، وكذلك في استعادة علاقات الانظمة العربية مع النظام السوري. كما أن الادارة الامريكية لا تزال تفتش عن أفق للتفاهمات مع إيران وليس الحرب معها في منطقة تسعى الولايات المتحدة للخروج منها باعتبارها ليست الأولوية العليا راهناً على الأقل.

حسب القراءات العربية والصينية فإن هذه التحوّلات تقود المنطقة الى الاستقرار وحلّ الصراعات وليس الى الحرب، والاستثمار بمقدرات المنطقة الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية. 

حسب القراءات الاسرائيلية فإن حكومة نتنياهو الحالية قد أدخلت الدولة في حالة أزمة عميقة من الحصار الداخلي وانحسار دورها الاقليمي وتراجع وزنها الاستراتيجي وحصريا بعد تآكل قوة الردع، وليس بالأمر المفروغ منه ان تقود الى حرب غير محسوبة، وعمليا باتت الاوضاع لا تتيح أية حرب محسوبة النتائج. 

هناك تخوفات امريكية من مساعٍ اسرائيلية لتوريط الولايات المتحدة في المنطقة، وإعاقة التوجه بانسحابها منها، الا ان الادارة الامريكية تظهر عدم الثقة بالحكومة الاسرائيلية الحالية، وتعتبر ان ضم اسرائيل الى القيادة الوسطي (سنتكوم)، فيه استفادة للقيادة الامريكية لكن فيه ايضا قوة ضبط امريكية لمساعي اسرائيل العسكرية إقليميا.

في تقرير "أمان" اعتراف ضمني بأن استراتيجية إدارة الصراع وعدم حلّه وتجاوز قضية فلسطين بدأت تستنفد ذاتها ولا ضمان لأي مردود منها، بل بدأت معالم الطريق المسدود في هذا الصدد واضحة للمؤسسة الأمنية.

الخلاصة:

توفرت للجانب العربي فرصة تاريخية لممارسة ضغوط لمحاصرة نهج العدوانية الاسرائيلية وحكومة نتنياهو الصهيونية الدينية حتى إسقاطها. فقد تراكمت أوراق لعب ومتغيرات إقليمية ودولية مواتية جديرة بالاستخدام ومرشحة للتطوير.

تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية ليست قضاء وقدراً، بل أن التحولات العربية والاقليمية التي ذكرناها اضافة الى أزمة اسرائيل والتي لن توفر لها الحرب مخرجا، وكذلك تراجع النفوذ الامريكي في المنطقة هي عوامل بإمكان حسن استخدامها منع الحرب واحتماليتها.

هذه المرحلة مؤاتيه لإعادة موضوع فلسطين بكل قوة وفرضه عربيا كموضوع يتطلب حلا جذريا لا إطفاء لهيب الحرائق التي تشعلها حكومة نتنياهو سموتريتش بن غفير.

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر