اجتماع العقبة الخماسي: محرقة حوارة بداية مرحلة متقدمة وليس نهاية مشهد

نابلس


  • الأربعاء 1 مارس ,2023
اجتماع العقبة الخماسي: محرقة حوارة بداية مرحلة متقدمة وليس نهاية مشهد
حوارة جنوب نابلس

تقديم : بناء على التصريحات الاردنية والامريكية والبيان المشترك إثر انتهاء اجتماع العقبة ، يبدو أن إسرائيل التزمت بعدم مناقشة البناء الجديد في المستوطنات وذلك لأربعة أشهر، وعدم قوننة بؤر استيطانية لمدة ستة أشهر. 

وفي المقابل، من المفهوم أن الفلسطينيين لن يتخذوا إجراءات ضد إسرائيل في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وذكرت النقطة الأولى من البيان الرسمي “أن الجانبين (الفلسطيني والإسرائيلي) أكدا التزامهما بجميع الاتفاقيات السابقة المعقودة بينهما، وبالعمل على تحقيق سلام عادل ودائم”، وأنهما “أعادا التأكيد على ضرورة الالتزام بخفض التصعيد على الأرض ومنع المزيد من العنف”.

مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان قال إنه “يرحب” بالالتزامات التي قطعها الجانبان، مضيفًا أن هناك حاجة إلى مزيد من العمل في الأشهر المقبلة “لبناء مستقبل مستقر ومزدهر للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء”. واتفق الأطراف الخمسة المشاركون في الاجتماع على اللقاء لإجراء مزيد من المباحثات في مدينة شرم الشيخ المصرية الشهر المقبل.

المفاجئ كان تصريح رئيس الوفد الاسرائيلي ورئيس مجلس الامن القومي تساحي هنغبي بعد انتهاء اعمال الاجتماع الذي قال صراحة، أنه لن يطرأ أي تغيير على قرار المجلس الوزاري المصغر بشرعنة عشر بؤر استيطانية، وأضاف “لن يكون أي تجميد في البناء [المستوطنات] ولا أي تغيير في الوضع القائم في جبل الهيكل، كما لن تكون أية تقييدات على عمل الجيش”.

في حين صرح الوزير المسؤول عن الادارة المدنية الاحتلالية بتسلئيل سموتريتش: “لا علم لي بتاتا عما تحدثوا به او لم يتحدّثوا في الاردن. لن يكون تجميد [للاستيطان] ولا ليوم واحد”.

خلال انعقاد اجتماع العقبة قام شاب فلسطيني بتنفيذ عملية إطلاق نار وقتل مستوطنين اثنين على حاجز حوارة جنوب نابلس. وعلى الفور بدأت النداءات للحشد السريع للقيام بحرق حوارة وإبادتها.

قراءة:

قد تكون مخرجات اجتماع العقبة قد أزيلت مؤقتًا من جدول الأعمال الإسرائيلي بعد محرقة حوارة، إلا أنه هناك استفاقة من الصعب تحديد مداها ولا استدامتها من قبل المؤسسة الامنية الإسرائيلية التي باتت أكثر قناعة بضرورة إطفاء الحريق الذي أشعلته المليشيات الارهابية المنظمة في حوارة ومعظم الضفة والذي اعتبره افي أرئيلي رئيس الدائرة اليهودية في الشاباك سابقا “لم نشهد اعمال كهذه منذ 1929 في المانيا” وواصل “ما يحدث في حوارة سيدفع نحو أعمال انتقام ”.

في حين عبر بيني غانتس عن قلقه غير المسبوق في افتتاح جلسة “الكتلة الرسمية” التي يتزعمها في الكنيست بقوله: “إنني قلق جدًا من كوننا مقبلين على كارثة أمنية” وأضاف “المتهمون بالإرهاب [في إشارة الى بن غفير وسموتريتش] يجلسون على مقاعد الحكومة، في حين بعض أطرافها يزوّدون الإرهاب بالمواد المشتعلة”. .. يجلس في الحكومة فوضويون يشعلون الأرض نارًا، ويقف مقابلهم الصامتون المترهبنون التابعون لنتنياهو من أمثال غالانت وديختر و.. ليس هذا من طباعكم، أَسمِعوا صوتكم”

تحدثت وسائل الاعلام الاسرائيلية عن الصراعات داخل قيادة الجيش وحصريا بين رئاسة الأركان وبين قائد المنطقة الوسطي يهودا فوكس وقائد كتيبة “يهودا والسامرة” آفي بلوت، وذلك باتهامهما بعدم اتخاذ الإجراءات ساعات قبل وقوع محرقة حوارة وأية خطوات مانعة او استباقية تحول دون تنفيذ مخطط ميليشيات المستوطنين الذين تنادوا على الملأ لتنفيذ الانتقام وحرق البلدة كما ورد في مجموعة “كول هغبعوت” (صوت التلال [التابع للتنظيم الارهابي “فتيان التلال”]، وقد تعالت أصوات تطالب بإقالة الضابطين الكبيرين وهو امر نادر الحدوث، بينما عزا البعض حالة البلبلة في قيادة الجيش هي نتاج أيضًا لصراع الصلاحيات بين وزير الأمن والوزير في وزارة الامن. في حين اعتبر الجيش ان محرقة حوارة عطلت على قوات الجيش عملية البحث وراء منفذ العملية الفلسطيني.

من يحكم المشهد السياسي:

هناك تقديرات بأن حجم وطبيعة رد الفعل على العملية التي قُتل فيها مستوطنان قد تأثرا بعاملين فيهما من المستجدات: الأول، هو التوقيت مع اجتماع العقبة الأمني السياسي الإقليمي الدولي. والثاني، هو وجود غلاة المستوطنين في الحكم ويتحكمون بالسياسات والمنظومات التي تدير الاحتلال في الضفة الغربية والقدس وهي فرصة قد لا تتكرر وفقاً لهم، بينما يسعون إلى تثبيتها. أو كما عبّر الإعلامي شالوم يروشالمي:”هذه ليست حكومة نتنياهو السادسة وإنما حكومة سموتريتش-بن غفير الأولى”، وهذا ما يفسّر تصريح سموتريتش غير الآبه لما جرى في العقبة، وبأنه يصنع الوقائع على الأرض، وبأنه صاحب القرار والقول الفصل في الحكومة.

كما يبدو فإن أكثر المتضررين سياسيًا من محرقة حوارة هو نتنياهو نفسه، الذي بات ضعفه أمام ضغوطات سموتريتش وبن غفير صارخاُ، وبدأ الاعلام يبث بأنه رهينة هذين الوزيرين المتحكّمين بكل نقاط التماس مع الفلسطينيين. لكن الحكومة “حكومة اليمين الصافي” لم تحصد أي انجاز أمني لحد الان، بل في كل عملية نفذها فتى في القدس أو شاب في مفترق حوارة (خارج البلدة) باتت الحكومة تحصد الإخفاق، وباتت تبدو أضعف. يسعى بن غفير وقادة حزبه بالمحاججة بأن “جميع الحكومات السابقة قد قامت باحتواء الإرهاب، بينما المطلوب قطع يد الإرهاب إذا لم يمنعها رئيسها من ذلك”، إلا أن هذه المحاججة تستند إلى الميليشيات الارهابية الاستيطانية التي تعوّض عن تقصير الحكومة إذا لم تقم بدورها.

محرقة حوارة عمليًا هي رد على نتنياهو ومعه الشاباك ومجلس الأمن القومي الذين شاركوا في اجتماع العقبة والمعنيين بنتائجها. قد تعزز من دور سموتريتش بينما قد تمس في وضعية بن غفير كونه وزير الأمن القومي المخفق والذي يسعى جمهوره إلى تحقيق أهداف سياسته بقدراتهم الذاتية لا بقدرة الشرطة وحرس الحدود اللذين يتحكم بهما وزير الأمن القومي.

استراتيجياً من شأن محرقة حوارة ان تعزز موقف الشاباك بقيادة رونين بار ومجلس الامن القومي بقيادة تساحي هنغبي في السعي الى إبقاء اجهزة الادارة المدنية المعنية بالعلاقات مع الفلسطينيين تحت مسؤولية نتنياهو وهنا يندرج ما تداولته وسائل الإعلام عن مشاركة كل من الجنرال غسان عليان ومدير عام وزارة الخارجية رونين ليفي (معوز) وهو من مهندسي اتفاقات ابراهام في مراحلها التمهيدية السرية، وهذا تأكيد على اهتمام الادارة الامريكية والمؤسسة الامنية الاسرائيلية بالإبقاء على هذه المنظومة وعلى تعزيز دور السلطة الفلسطينية. كونها إذا تعززت قدراتها فإنها ستشكل حلًا أمنيًا لإسرائيل من خلال ضبط العمليات الفلسطينية دونما اضطرار إسرائيل إلى اتخاذ خطوات سياسية استراتيجية ودونما تحميلها مسؤولية عن استمرار عنف الاحتلال.

بالنسبة للشاباك ومجلس الأمن القومي وعمليًا موقف المؤسسة الامنية يتمثل في ضرورة الحفاظ على مخرجات اجتماع العقبة. وهو بالنسبة لهم حجر اساس من وجهة النظر الامنية نحو استقرار الوضع ولو مرحليًا. وقد اتفق على متابعة أعمال مخرجات العقبة باجتماع آخر في شرم الشيخ.

” بوغروم ” لنشر الرعب:

الاتفاق على امتناع إسرائيلي عن إقرار توسيع المستوطنات أو قوننة البؤر في الاشهر الاربعة القادمة، لا يتطرق الى العشرة الاف وحدة استيطانية التي تم اقرارها الاسبوع الفائت ولا قوننة البؤر الاستيطانية التسع، يجعل الحكومة الاسرائيلية تدار بصوتين وبرأسين، الصوت الأمني التقليدي وصوت الصهيونية الدينية. وهذا ما يؤشر الى ازدياد منسوب العنف في الشارع الاسرائيلي، وقد يكون مؤشرا لمواجهات عنيفة خلال مظاهرات المعارضة الاسرائيلية.

هناك قناعات لدى مختلف الأطراف بأن ما كان قبل محرقة حوارة يختلف عما بعدها؛ تيار الصهيونية الدينية يشعر بأنه انتصر وهو يفرض جدول أعمال الدولة ويرد بطريقته على اجتماع العقبة الاقليمي الدولي؛ ويعبر اقطابه عن ارتياحهم مما حصل من محرقة وعملية ابادة في البلدة. لدرجة اأن تسفي فوغل الجنرال السابق ورئيس لجنة الأمن القومي عن حزب عوتسما يهوديت اعتبر أن انفلات الإرهاب الاستيطاني قد أتاح للجيش فرصة لا تعوّض في فرض السطوة. “إن مردود الردع الذي تحقق في الامس في أعقاب ما تطلقون عليه “بوغروم” لم تحققه إسرائيل منذ السور الواقي في يهودا والسامرة” “إنني أنظر بعين الرضى بدرجة عالية جدا، ففي حوارة أدركوا أنه يوجد ميزان رعب لا يستطيع الجيش تحقيقه [بقواه الذاتية] وأنا اريد للجيش تحقيقه” ثم انه امتدح حرق البلدة وتدفيع الثمن كي يعتبر معظم الفلسطينيين وكي يعتبر رئيس الحكومة نتنياهو.

هناك صحوة في الموقف في المؤسستين الأمنية والسياسية وانتقادات قيادة الأركان إلى المنطقة الوسطى و(كتيبة السامرة) لكن قد يكون بعد فوات الأوان، بل ونظرا لانضباط الجيش فإن الصراع بين الأركان وقيادة منطقة معينة هو غير مسبوق وبعود إلى نفوذ الصهيونية الدينية في الجيش. مصدر هذه الصحوة هو الخوف من تسييس الجيش أو تحزيبه أو إساءة استخدامه لأغراض حزبية حسب اعتباراتهم، وهذا يؤدي الى اتساع حلقة رفض الخدمة خاصة بين جنود الاحتياط اصحاب التجربة العالية.

نفوذ الصهيونية الدينية في الجيش ليس ابن هذه اللحظة وإنما شهد هذا المنحى سوابق عدة، أشهرها قضية الجندي اليئور عزاريا ومن ثم في مرحلة لاحقة تصريحات قائد كتيبة شمال الضفة “الجيش والمستوطنون وحدة واحدة”، إلا أنه يعود ايضا للمتغيرات الديمغرافية في المجتمع الاسرائيلي وتزايد متسارع لأعداد المستوطنين ودافعيتهم للخدمة في الجيش في الوحدات القتالية كما ويعود الى نسبة التكاثر العالية للغاية وهم أصحاب العقيدة التوراتية وأرض إسرائيل الكاملة. ما لا تستطع الصهيونية الدينية إنجازه من خلال الحكومة تستطيع من خلال ميليشياتها، وهي بنيتها الإرهابية الناجزة من جانبي الخط الأخضر.

خطة التطهير العرقي :

من الأهمية بمكان تسليط الأوضاع إلى القرى والبلدات والتجمعات الفلسطينية النائية وبالذات في الأغوار والخان الأحمر (عرب الجهالين) ومسافر يطا وضواحي القدس المرشحة للتطهير العرقي واستغلال الصهيونية الدينية والمستوطنين للظرف بهدف تنفيذ ما يمكن تنفيذه. ينبغي إلا تغيب عن الأذهان العقيدة الإسرائيلية التي اعتمدتها العصابات الصهيونية عام 1948 في مجزرة دير ياسين والتي اختارتها لسهولة تنفيذها في هذه البلدة، ثمّ الترويج للمجزرة وتهويلها بهدف بث الرعب وترهيب الفلسطينيين في كل مكان ودفعهم لترك بيوتهم وبلداتهم. إن الاستفراد الإرهابي الذي تقوم به حاليًا عصابات الاحتلال وبحمايته في حوارة والبلدات الفلسطينية النائية عن المراكز السكانية وقبل ذلك في مسافر يطا، هو مسعى لإبادة هذه البلدات، وهو مسعى بدم بارد لترهيب كل شعب فلسطين حسبما تقتضي ذهنية منظومة التطهير العرقي. أعمال الابادة ليست هي الهدف بل الوسيلة لنيله، وبالذات مشروع الضم وحاجته الى مناطق واسعة خالية من الوجود الفلسطيني.

الخلاصة:

الدروس المستفادة لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من محرقة حوارة، فيها تأكيد على ضرورة السير في مسار اجتماع العقبة، وهي اعتراف بعدم قدرة إسرائيل استراتيجياً إعادة حكم الفلسطينيين بنفسها.

لكن يظهر هنا وفي الميدان تقاسم وظيفي بين الحكومة الفاشية وبين الميليشيات الإرهابية.

على الرغم موقف المؤسسة الامنية فإن من يحسم جدول أعمال الإسرائيليين ويقرر اليوم موضوع الاحتلال وقضية فلسطين هو الصهيونية الدينية بأحزابها ووزرائها. وإن كانت المعارضة الاسرائيلية في احتجاجاتها قد حيّدت قضية فلسطين بالكامل بما في ذلك الاحتلال والعنصرية، إلا أن من شأن محرقة حوارة أن تعيد المسألة إلى جدول أعمال الاحتجاجات، ليس رغبة منهم وإنما لان نيران الفاشية الدموية من شأنها أن تطالهم.

ما حدث في حوارة هو بداية مرحلة متقدمة وليس نهاية مشهد. تزداد قناعات المؤسسة الأمنية بضرورة الالتزام بمخرجات اجتماع العقبة، إلا أن الحقائق على الأرض تقول غير ذلك. أما الحسم فهو غير واضح المعالم.

بعد محرقة حوارة لا مكان لاعتماد القيادة الفلسطينية ولا النظامين المصري والأردني على الالتزامات الاسرائيلية في محادثات العقبة فهي التزامات غير موثوقة، وعليه فإن مواصلة المساعي امام مجلس الامن لاتخاذ قرار ملزم لإسرائيل والمطالبة بالحماية الدولية هي أمور لا تحتمل التأجيل، بل يجب أن تكون عنوانًا رئيسيًا للتحرك السياسي والدبلوماسي.

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر