استقلالية الموقف أم تبعية المشروع

العُقدة في اللجنة: حين تتحوّل "الوحدة الوطنية" إلى غطاء لحكم حزبي ضيّق
لا تنفصل أزمة لجنة المتابعة العليا عن أزمة التمثيل السياسي الأوسع للفلسطينيين في الداخل. فبينما كان يُفترض بهذه اللجنة أن تكون إطارًا وطنيًا جامعًا، إذا بها تتحوّل تدريجيًا إلى أداة إدارية لتجديد صلاحية المشروع الحزبي المُهيمن. وهي ليست مجرّد انزلاقة، بل نتيجة مباشرة لعقود من التمثيل الافتراضي، حيث تُدار المؤسسات الوطنية بمنطق "الكراسي"، ويُختزل العمل السياسي في توزيع الحصص على موائد فارغة من الناس.
الرئيس الحالي للجنة، المنتمي إلى الحزب الشيوعي وقائمة الجبهة، لم يُخفِ لحظة واحدة موقعه التنظيمي، بل وظّف اللجنة لخدمة خط حزبه، لا لبناء توافق وطني بين مشاريع وتيارات مختلفة. من التعيينات، إلى التصريحات، إلى صياغة البيانات، كل شيء بات يُفصّل على مقاس تنظيمه. وأصبح الحديث عن اللجنة كجسم جامع أقرب إلى الخيال.
نحن، الناس، وأقصدك بذلك عزيزي القارئ ببروبورطسيا كاملة – لسنا مجرد أصوات في صناديق. نحن أبناء مجتمع حقيقي، يعاني من جرائم منظمة، وتفكك اجتماعي، واستهداف سياسي. والسياسيون الذين يُفترض أن يخدمونا، باتوا يلهون في الزوايا المخصصة لذلك، بأدوات معجونة ومصطلحات فارغة.
إن أفعالهم - أو بالأحرى، تقاعسهم المستمر – تساهم في تشكيل وعينا القومي وهويتنا الجماعية. وإذا استمر هذا النهج، فإننا لا نتحوّل فقط إلى عبيد للمنظومة، بل إلى عبيدٍ لعبيدها.
ومن هنا، فإن الدعوة إلى رئيس مستقل وغير حزبي للجنة ليست ترفًا ولا نزوة نُخبوية، بل ضرورة سياسية وأخلاقية. لأن استمرار اللجنة كذراع لأجندة حزبية واحدة يعني استمرارها كجسم منزوع التأثير. رئيس مستقل يعني قيادة لا تنبع من "بطاقة عضوية"، بل من شرعية ميدانية، من شوارعنا، من معاركنا اليومية، من أولادنا الذين يُقتلون، ومن معتقلينا الذين يُتركون وحيدين.
والمطلوب ليس "حياديًا" رماديًا، بل تغييرٌ واضح، ينحاز إلى المصلحة العامة، لا إلى التسويات الفوقية. لا يخاف من تسمية الجريمة باسمها، ولا من الدخول تحدٍّ سياسي حقيقي مع المنظومة الإسرائيلية، ولا من تفجير التواطؤ المحلي باسم "الإجماع الوطني".
القيادة المبدئية ليست شعارًا، إنها عقد اجتماعي. وغيابها هو مصدر فشلنا السياسي وتفككنا الاجتماعي. ونحن لسنا على هامش التاريخ. نحن من يدفع الثمن، مرة بعد أخرى، بينما يُدار المشهد من فوق، كما لو كنا مجرد مشاهدين.
المعركة على رئاسة اللجنة اليوم هي معركة على المعنى. إمّا أن نستعيده، أو ندفن آخر وهم بأننا نملك ما يُسمى "إطارًا وطنيًا جامعًا".
وإن أردنا التباين بوضوح، فلننظر أمامنا: معطوبون يهددون بتفكيكنا، مقابل من لا يزال يجرؤ على المحاولة.
هل نبقى متفرّجين؟
أم نكسر اللعبة ونفرض قواعدنا؟