قراءة في “خطة الجنرالات”: إعلان نوايا بالتهجير والحصار أو الإبادة
• العودة الى فكرة الترحيل والوطن البديل في الأردن، وسيطرة مطلقة على شمال القطاع وانشاء قيادة متعاونة في غزة
بمبادرة من الجنرال المتقاعد غيورا ايلاند فقد اعتمد “منتدى الجنرالات والمحاربين في الاحتياط” وثيقة نشرها يوم 4/9/2024 في أعقاب مقتل المحتجزين الاسرائيليين الستة وعدم قدرة الجيش على حسم المعركة مع حماس وإلحاق الهزيمة بها، وثيقة متكاملة تم رفعها للوزراء ولأعضاء الكابنيت الأمني السياسي، سعيا لمناقشتها وإقرارها ولإصدار الأوامر للجيش بتطبيقها ميدانيا ومن دون تردد.
رغما عن الضربات التي تلقتها حماس من العمليات العسكرية الإسرائيلية، إلا أن الحركة لا تزال قادرة على ترميم ذاتها وتجنيد مقاتلين جدد الى صفوفها وقادرة على توفير الوسائل القتالية، كما أنها تسيطر فعليا على توزيع الغذاء للسكان. كما وتعود وتسيطر على كل موقع يخرج منه الجيش. بينما يرى الجنرالات بأن السبيل لمنع حماس من كل ذلك، ولتحطيم قدرات الحركة على اعادة ترميم قدراتها يتطلب واحدا او اكثر من الخطوات الأربع التالية: منع الأموال، تدمير قدرة حماس على تجنيد عناصر جديدة، ضرب الإمدادات والقضاء على الحوافز لمواصلة القتال والحكم. تنطلق الوثيقة من أنه “ما دامت حركة حماس تسيطر على المساعدات الانسانية، فلن يكون بالإمكان القضاء عليها”.
وفقا للجنرال غيورا ايلاند الذي صاغ الوثيقة، فإن كل السكان الغزيين المتبقين في المنطقة شمالا من محور نيتسريم بما فيه غزة المدينة، والبالغ عددهم نحو 300 ألفا بعد تهجير الغالبية العظمى من السكان نحو الجنوب، سوف يتم اصدار الاوامر لهم بالنزوح فورا عن طريق ممرات يوفرها الجيش وتحت حراسته.
وبعد اسبوع من اوامر الاخلاء، يتم فرض الحصار العسكري الذي لا يتيح للذين لم يتركوا اية مقومات للعيش، بل يترك لكل من يبقى باعتبارهم وفقا للوثيقة من عناصر حماس، خيارا واحدا وهو اما الاستسلام او الموت، وفقا للنص.
وفقا للجنرال ايلاند فإن التجويع حتى الموت هو سيد الموقف. اذ يؤكد ان الصفقة الاولى في نوفمبر 2023 تكللت بالنجاح وذلك “لأن اسرائيل أدخلت للقطاع فقط حافلتي مساعدات اثنتين يوميا” ويراهن اصحاب الوثيقة على انه لا يوجد ما تخشاه حماس أكثر من “حكم بديل وجماهير غاضبة [نتيجة للتجويع]”. كما يؤكد ايلاند والذي اشغل في السابق منصب رئيس قسم العمليات وكذلك رئيس مجلس الامن القومي، بأن المقترح “لا ينتهك القانون الدولي كونه يتيح للسكان الخروج” قبل بدء الحصار المطبق.
بينما صرح الجنرال حيزي نحاما رئيس منتدى الجنرالات بأن الخطة هي الوصفة المؤكدة لهزيمة حماس والقضاء عليها، وكان من المفترض ان يتم تطبيقها منذ اشهر، في اشارة الى مشروع وزير الحرب غالنت التجريبي الذي سعى لتطبيقه على حي الزيتون في مدينة غزة قبل نصف عام، ثم أخفق. كما وانتقدت الوثيقة وزير الحرب غالنت وقائد الاركان هليفي في اشارة الى تردد كل منهما “إن من لا يستطيع تطبيق المخطط فهو يخون وظيفته ولن يكون بمقدوره قيادة الجيش والدولة الى الانتصار على حماس”.
قراءة:
• تشكل خطة الجنرالات قوة ضاغطة على الحكومة وحصريا على المجلس الوزاري المقلص للشأن السياسي-الامني (الكابنيت)، ويبدو انها بايحاء من نتنياهو وتتوافق مع رؤيته بالكامل. وتمنحه مصداقية اسرائيلية أمنية في مساعيه لاقصاء قادة الجيش والشاباك ووزير الحرب.
• كان تحفظ الجيش من الخطة التي بادر اليها وزير الحرب غالنت قبل نحو نصف عام بشأن مشروع احتلالي تجريبي في حي الزيتون في مدينة غزة، ودعوة الجيش في حينه الى اعادة النازحين او جزء منهم الى شمال القطاع وذلك تحسبا من ملاحقة قياداته قضائيا ومن قبل محكمة الجنايات الدولية.
• في اعقاب مؤتمره الصحفي يوم 2/ايلول والذي شكل ذروة في كسب التماهي الشعبي معه منذ بداية الحرب، اصدر نتنياهو اوامره لقيادة الجيش، ومتجاهلا صلاحيات وزير الأمن، باتخاذ الاجراءات لتحمل المسؤولية في موضوع توزيع “المساعدات الانسانية” في قطاع غزة. وكانت الحكومة قد اتخذت من قبل قرارا بتعيين جنرال يشرف على توزيع “المساعدات الانسانية”، وهو وظيفة موازية للادارة المدنية الاحتلالية في الضفة الغربية ومنسق اعمال الحكومة فيها. وكان واضحا في تسويغ القرار، السعي الي تحطيم قدرات حماس السلطوية والتحكم بالمساعدات الدولية وتوزيعها وخلق قيادة محلية بديلة “غير معادية لاسرائيل”. يستدل من قرار نتنياهو انه قرّ قراره بصدد استدامة احتلال قطاع غزة مهما كان مصير الصفقة والهدنة.
• تؤكد الوثيقة مجددا بأن اداة السيطرة الاستراتيجية على قطاع غزة تمر من محور نيتسريم (الموازي لوادي غزة) والذي يبتر القطاع شمالا وجنوبا، بخلاف ما يزعمه نتنياهو بصدد الاهمية الوجودية لاسرائيل بالسيطرة على محور صلاح الدين /فيلادلفي على طول الحدود المصرية الفلسطينية في قطاع غزة.
• معنى تطبيق خطة الجنرالات هو استدامة الاحتلال الاسرائيلي المبني على تغيير خارطة التواجد السكاني الفلسطيني في القطاع، كما وتعني السيطرة الاسرائيلية المطلقة على شمال القطاع وتدمير مدينة غزة واستيطان اسرائيلي للمنطقة التي تكون اسرائيل قد ضمتها فعليا.
• خطاب التهجير والضم والاستيطان بات مجاهَرا به وسائدا في السياسة الاسرائيلية، وهو يتكامل مع دعوة وزير خارجية اسرائيل كاتس بتهجير سكان جنين ومخيمها، ليتحول التهجير الى مشروع شامل للفلسطينيين في الضفة الغربية كما في غزة. ووفقا للتوقعات فإن احتمالية انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة تعيد الى المقدمة مشاريع الضم والتهجير وفكرة الوطن البديل في الاردن وفقا لروح الحكومة الحالية. كما ان اعتراض الفلسطينيين في غزة على النزوح خارج الوطن والموقف المصري الحازم في حينه ضد التهدير عن طريق سيناء، قد جمدا المشروع الاحتلالي لكنه لا يزال قائما في الذهنية الاسرائيلية الحاكمة وفي اوساط واسعة من المعارضة ايضا.
• مثل هذا المخطط حتى وان كان يمثل ذهنية متسيّدة في الحالة الاسرائيلية والنوايا من ورائه حقيقية، الا انه لا يعني ان اسرائيل تملك مفاتيح تطبيقه والقدرة على تهجير الفلسطينيين ما دامت ارادة الصمود قوية فهي الحاسمة الى حد كبير.
للخلاصة:
• خطة الجنرالات بتهجير من بقوا في شمال القطاع والحصار القاتل حتى الموت هو استكمال الحرب على غزة بذهنية اكثر إبادية ومع سبق الاصرار.
• من الجدير ان تتابع الدبلوماسية الفلسطينية والعربية هذه الوثيقة وان ترفع دعوى امام محكمة الجنايات الدولية تطالب بملاحقة المشرفين عليها ومن وراءهم. ومن الأهمية رفعها امام محكمة العدل الدولية التي تنظر في حرب الابادة ونوايا الابادة.
• شعب فلسطين هو صاحب القول الفصل في تقرير مصيره وفي صموده ورفض اي تهجير او اقتلاع مهما كان جبروت الاحتلال ومخططاته.