أحداث مفصلية يجدر الالتفات لها في مناقشة "اتفاقات أوسلو"

1. الانسحاب الأليم للثورة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات من لبنان إلى تونس عام 1982 بعد مواجهة بطولية ميدانياً لكن خاسرة استراتيجياً مع دولة الاحتلال الاسرائيلي في حرب لبنان الاولى 1982، وما تلاها من ويلات أقساها مجزرة صبرا وشاتيلا والاقتتال الفلسطيني الداخلي بدفع عربي.
2. الانقلاب الهائل في النظام العالمي بانهيار الاتحاد السوفييتي وتحول العالم الى نظام القطب الواحد بقيادة مطلقة للولايات المتحدة الداعمة بشكل مطلق لاسرائيل.
3. تحولات في النظام العربي من نظام ادعى أنه حاضن للثورة الفلسطينية الى نظام يستهدف استقلاليتها ونهجها وقياداتها، مع بعض الاستثناءات.
4. رغم الواقع الدولي الصعب الا ان م ت ف قد نجحت في العام 1988 ولاحقا في تحقيق إنجازات كبيرة في إعلان الاستقلال وفي كسب التأييد الدولي الواسع والاعتراف رغم التحول في النظام العالمي، وقد استخدمت انجازاتها سعيا للتأثير في المفاوضات الخاضعة لتوازن القوى الصارخ لصالح اسرائيل، لايجاد اطار لحل سياسي واعد للفلسطينيين.
5. الانتفاضة الأولى وانتقال مركز الفعل الفلسطيني المؤثر إلى فلسطين المحتلة على حساب حركة التحرر الوطني المتواجدة قسرا في الشتات، وفي المقابل أثر هذه الانتفاضة على دولة الاحتلال وجعل الاحتلال مكلفا سياسيًا واستراتيجيًا لأصحابه، وانزال الليكود بقيادة شامير من الحكم لصالح حكومة بقيادة رابين.
تحوّلات في المسار:
6. شكّلت الاتفاقات ادارة للصراع في مرحلة من الردة عالميا وعربيا وحتى فلسطينيا رغم الإنجاز العظيم للانتفاضة الأولى والانجازات الدبلوماسية التي حققتها منظمة التحرير الفلسطينية. وهي الى حد كبير دارت فلسطينيا في مساحة ادارة الاخفاق العام او ادارة الصراع ضمن فجوة هائلة في ميزان القوى مع اسرائيل.
7. لا يمكن الجزم بأن اغتيال رابين 1995 هو ما أوقف اتفاقات اوسلو اسرائيلياً، بل أن اغتياله هو تعبير عن توازنات القوى الحقيقية وعن فقدانه الشرعية في نظر كتلة اليمين القومية والدينية على السواء، كما وشكل تأكيدا بأن اسرائيل لا يمكن ان تتقدم نحو سلام عادل ما لم يكن مفروضا عليها فلسطينيا ودوليا، مع أن العامل الدولي لا يتحرك إلا على قدر النضال الفلسطيني على الأرض. حقيقة هي ان شمعون بيرس والذي يعتبر مهندس اتفاقات أوسلو والذي استلم الحكم بعد الاغتيال عدل عن التقدم في الاتفاقات وفقا لمراحلها، بل شكل أول المتراجعين عنها. الحقيقة هي انه لا يوجد اي شريك اسرائيلي مركزي لحل عادل ولو بأدنى الحدود. ويجدر أن تبقى ماثلة تصريحات شمعون بيرس قبيل التوقيع على الاتفاقات وفي نقاشه البرلماني مع الليكود بتأكيده أن م ت ف في أضعف وضعية في تاريخها، وهي فرصة اسرائيلية لابتزازها في الموقف، وفقا لبيرس.
8. لم ينتج العمل السياسي الفلسطيني الفصائلي والحزبي ولا النخب المختلفة بدائل حقيقية لمسار أوسلو ليقوم بتطبيقها وتحويلها إلى مشروع سياسي فلسطين. بل ان مجمل العمل الفصائلي لم يتجاوز سقف أوسلو أو انضوى تحته في مراحل مختلفة. في حين ان النخب الثقافية والاكاديمية قد انتجت تصورات واجتهادات لم تجد طريقها الى الشعب ولم ترافقها بنية سياسية جماهيرية تحملها وتسير بها نحو التأثير السياسي. كما ان الاجتهادات الداعية الى حل السلطة غير واقعية وليست مشروعا سياسيا، وليست مطلب الفلسطينيين في مناطق نفوذ السلطة الفلسطينية.
9. الانقسام الفلسطيني عزز ورسّخ من أثر اتفاقات أوسلو كما تريدها اسرائيل، ومكّن دولة الاحتلال من تحويلها إلى هندسة استراتيجية لتجزئة فلسطين وشعبها، وحتى إلى تجزئة الرؤية التوافقية التحررية وإحلال استراتيجيات متضاربة بدلا من التكامل.
10. الخروج فلسطينيا من شِباك أوسلو لا يبدأ بالتخلص من الاتفاقات وبإعلان إلغائها الذي لا معنى فعليا له، بل يبدأ بالتخلص مع العلاقات الفلسطينية التناحرية الداخلية ومن مجمل الحالة الفلسطينية وأولها تجاوز حالة الانقسام واعادة الاعتبار للعلاقة بالشعب وخلق حالة نهضوية ثورية، فالثوابت الفلسطينية لا زالت راهنيتها قائمة.