بين رفض الدولة الفلسطينية واستمرار الدور الأمني للسلطة: "فوضى استراتيجية" ترسم عناوين جديدة للصراع


  • الخميس 29 يونيو ,2023
بين رفض الدولة الفلسطينية واستمرار الدور الأمني للسلطة: "فوضى استراتيجية" ترسم عناوين جديدة للصراع
ترمسعيا

تقديم:

في بيان مشترك، حازم ونادر لرؤساء الجيش والشرطة والشاباك في 24 حزيران/يونيو، اعتبر “الاعتداءات على الفلسطينيين الأبرياء هي ارهاب قومي [يهودي] ، وسيتم مواجهة المشاغبين" . تعبير غير مسبوق عن ضائقة المؤسسة الأمنية الاسرائيلية التي تجد نفسها امام محاولات استبعاد من وزراء في الحكومة وهم الأكثر أثرا في الحكومة وجمهور المستوطنين وتجاه ما يحصل في الضفة الغربية.

تحليل:

أعلن جيش الاحتلال، بان قواته تستعد لعملية عسكرية واسعة النطاق تحفّظ على تفاصيلها في مناطق شمال الضفة الغربية المحتلة. في المقابل تتهم مصادر عليا في المؤسسة الامنية الحكومة بأنها تقوم "بالتخريب على الجهود لمواجهة عنف المستوطنين"، وبأن المستوى السياسي يرفض تعزيز قوات الامن في الضفة، ولا يتيح اخلاء البؤر الاستيطانية ولا يساند قوات الامن، وتبدي قيادات المستوطنين تخوفا من مواجهة التنظيمات الإرهابية، فهؤلاء "ليسوا قلّة بل يتسع نفوذهم ويتحولون الى التيار المركزي". فقد باتت عصابات "فتيان التلال" الارهابية فعليا هي من يحدد جدول الاعمال الامني الاسرائيلي وهي من يفرض الحقائق على الارض المحتلة، وتقوم بأعمال ابادة وحرق ضد الفلسطينيين وتحظى بدعم وزاري غير مسبوق، يقوم بتحييد صوت المؤسسة الامنية وغير مكترث بأية ضغوطات سياسية داخلية ام دولية.

وفقا لتقديرات معهد دراسات الامن القومي الإسرائيلي INSS فإن "الصراع الاسرائيلي الفلسطيني يغيّر شكله" ومحدودية أثر "العمليات المحكمة التي تقوم بها المنظومة الأمنية وبوتيرة عالية" للحيلولة دون نشوء بنية مقاومة مسلحة في هذه المنطقة.

وبحسب تقديرات المعهد، فإن المؤسسة الأمنية الاسرائيلية تبثّ رسالة مفادها بأن الواقع مختلف عن العام 2002 حين اجتاح جيش الاحتلال المدن الفلسطينية، "ولا يبرر حملات عسكرية كما حدث في الماضي"، أي أنه "ليس بوسع الخيار العسكري حل الصراع، وأنه ينبغي ايجاد مسارات فعل اخرى".

هذه الامور يؤكدها الفلسطينيون وهم يتابعون التطورات، بل أنهم يرون التوتر بين المستويين ويخشون من تراجع نفوذ المؤسسة الأمنية الاسرائيلية، التي يتم التعامل معها على أنها تدرك أفضل من الاخرين [المستوى السياسي] تعقيدات الصراع، ضمن مسار اتخاذ القرارات الاسرائيلية."

التقييمات الامنية الإسرائيلية تؤشر على الدوام الى معطى جوهري وهو الانقسام السياسي الفلسطيني العميق، ويبنى عليه تفسير تعاظم الغضب الشعبي في شمال الضفة الغربية تجاه السلطة الفلسطينية، “مدعوما من المعارضة الفلسطينية، حماس والجهاد، الذين يتفاخرون من بعيد بعمليات هذه التنظيمات ويمجدونها. وذلك في سياق استراتيجية جديدة بنقل المواجهة من غزة الى الضفة."

تتبلور قناعة فلسطينية بأن وزراء بارزين في حكومة اسرائيل دخلوا في مرحلة السعي لحسم الصراع وليس إدارته. بينما بات التجاهل الاسرائيلي الرسمي للسلطة الفلسطينية جلياً وفظاً كما لم يكن يوما، بل ان الوزراء اصحاب النهج المذكور يعززون ضعفها ويسعون للقضاء على راهنيتها. وتشير التقديرات الى اتساع قناعة الفلسطينيين بأن المخطط الاسرائيلي النهائي هو طردهم ب “نكبة جديدة"، وعليه فهم لا يملكون غير تطوير استراتيجية الصمود والحماية الشعبية.

المسعى الاسرائيلي الحكومي لإضعاف أثر الجيش والشاباك في القرار السياسي، هو اعلان كتلة مركزية في الحكومة بأنها تريد هدم منظومة التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية ضمن سعيها لتقويض السلطة بالكامل، ويتضح ان نتنياهو رغم تصريحاته المعارضة لكنه ينصاع لهذه الضغوطات غير المكترثة بالموقف الفلسطيني او العربي او الدولي.

اعلان نتنياهو هذا الاسبوع بأنه لا يوجد مخطط اسرائيلي لتقويض السلطة الفلسطينية هو تأكيد على أن الموضوع مطروح على جدول اعمال وزراء في حكومته، بينما يؤكد نتنياهو انه معنى بتدعيمها اقتصاديا، ويعلن بالمقابل ان حكومته "تتخذ كل الخطوات لتقويض امكانية قيام دولة فلسطينية" وعمليا نسف مشروع (م ت ف) والسلطة الفلسطينية. وعليه فإن المسعى الاسرائيلي الرسمي هو خلق حالة "فوضى استراتيجية" تتيح التعامل مع الصراع على انه بين مجموعتين عرقيتين وليس مسألة استعمار استيطاني احلالي.

خلاصة:

خلال عمر حكومة نتنياهو، بات تيار الصهيونية الدينية هو الاقوى والاكثر أثرا، يسعى لتمرير مشروعه الكبير " دولة يهودية بين البحر والنهر " بأسرع وتيرة ممكنة. ولهذا يصبح احتمال عدوان واسع في شمال الضفة الغربية خطرا ماثلا وواقعيا.

إضعاف مستوى اعتماد الحكومة على تقديرات المؤسسة الأمنية ليس هدفاً بحد ذاته، بل استهداف مباشر للشعب وللسلطة الفلسطينية ومعها التنسيق الأمني، ذلك وفقا لتسويغات اقطاب الصهيونية الدينية وأقصى الليكود. وهم المعنيون بالانقلاب القضائي داخليا لاستبعاد اية معوقات اجرائية كانت ام جوهرية لتنفيذ أهدافهم.

اسرائيل تتعثر في أزماتها ولا مخارج منها في المدى المنظور. استراتيجية ادارة الصراع قد استنفدت أغراضها اسرائيليا بحسب تقديرات الجيش وهناك قناعة بأن الخيار العسكري والأمني وحده لا يستطيع توفير أكثر من حلول مؤقتة.

استراتيجية حسم الصراع بكل ما تحمله من مخاطر هي دليل ازمة اسرائيلية وهي فرصة فلسطينية لتعزيز استراتيجية النضال من أجل انهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية.

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر