قراءة في الاتفاق السعودي الإيراني: الطريق إلى بكين لا يمر من تل أبيب

الاتفاق


  • الاثنين 13 مارس ,2023
قراءة في الاتفاق السعودي الإيراني: الطريق إلى بكين لا يمر من تل أبيب
توضيحية

ارتكزت السياسة الاسرائيلية الاقليمية على مفهوم الهيمنة والتفوق والاستعلاء، فقد شهدت فترتا حكم شمعون بيرس وبنيامين نتنياهو ترداد دائم لفكرة تحالف “العقل اليهودي والمال العربي”، ثم تبعتها مفاهيم “حماية الانظمة العربية بالتكنولوجيا الاستخباراتية الاسرائيلية” واستراتيجيات السلام الاقتصادي. كان المسعى على الدوام يسير برأسين، واحد للتطبيع ومضاعفة نفوذ اسرائيل والقضاء على أي تحدّ إقليمي مستقبلي، والثاني تغييب متسارع لقضية فلسطين.

شكلت إيران في الرؤية الاسرائيلية فرصة لتعاظم الدور الإقليمي وللتحالف مع دول عربية على أساس اقتصادي – أمني، قائم كما ذكر آنفاً على “العقل اليهودي”، واستراتيجي قائم على مواجهة “العدو المشترك”.

ثمة نهج جديد في تعامل الدول العربية حتى المتصالحة مع اسرائيل، يقوم على تغليب استراتيجيات المصالح على التبعية ، والتي لا تصب بالضرورة في خانة اسرائيل، قد يكون الدافع الى ذلك، الاخفاق في اليمن والغارات الصاروخية على المنشآت الأكثر حيوية في السعودية، ثم انسحاب الإمارات العسكري من المشاركة المباشرة في الحرب وانفتاحها اللاحق على المصالحة مع سوريا ونظام الأسد، والتغيير اللاحق للحرب الأوكرانية على صيرورة العلاقات مع تركيا وايران والصين وروسيا.

لا حلف إقليميًا ولا شريك في ضرب إيران :

سعت إسرائيل مدعومة بوزن الولايات المتحدة المتراجع إلى استراتيجية متعددة الأطراف وقد تحدثت عن تحالف وقيادة اركان اقليمية برعاية الولايات المتحدة سعًا لإعلان حرب على إيران وإسقاط النظام. كما جاءت هذه الاستراتيجية في ظل تآكل التحالف العربي الخليجي في حرب اليمن، وإخفاق إسرائيل في إيجاد حليف عربي يخوض حربها ضد ايران، بل على العكس فتحت الكويت والإمارات منذ عامين تقريبا ، قنوات دبلوماسية واقتصادية وامنية مع طهران.

أبدت القراءات والتقديرات الاسرائيلية أمنياتها علنًا في أن ينتهي حكم الملك سلمان بن عبد العزيز ليحل محله ولي العهد محمد بن سلمان الذي اعتبرته اسرائيل الخاصرة الرخوة في الموقف السعودي وهللت له معتبرة اياه الحليف المستقبلي لها.

كل دراسات الأمن القومي الاسرائيلي تحدثت عن ضرورة اسقاط النظام الاسلامي الايراني، وقد عين نتنياهو الجنرال زمير المتخصص بالشأن الايراني نائبًا لوزير الامن، نظرًا لأولوية هذا الملف. وقد بنى تصوره على اساس الحرب الشاملة غير المعلنة مع طهران وما تعتبره إسرائيل وكلاءها في اليمن ولبنان والعراق وسوريا والسودان واعادة نفوذ إيران الى داخل حدودها الجغرافية.

منذ بداية الحرب في أوكرانيا وأثرها على اقتصادات العالم، ارتأت دول الخليج وبالذات البلدان المصدرة للنفط عدم الرهان على الموقف الامريكي وعدم الانصياع لمحاولات فرض إملاءات والمشاركة في العقوبات على روسيا، بل وذهبت الى تعزيز التعاون مع موسكو في خفض إنتاج النفط والحفاظ على مستوى الأسعار، كما ووثقت علاقاتها التجارية والاقتصادية الهائلة مع الصين، وهذه مصالح حيوية عليا لا تستطيع اسرائيل مهما حاولت تجييرها لصالحها. توازنات القوى الخليجية والاقليمية، اقوى من ان تحددها اسرائيل ورغباتها ولا نظرياتها الاستعلائية في هذا الصدد.

تُجمع التقديرات الاسرائيلية على اتفاق تطبيع العلاقات الإيرانية السعودية برعاية صينية سيكون له ثمن استراتيجي وابعاد اقليمية وعالمية. فهو يقلص نفوذ اسرائيل اقليميا، وينهي فكرة الحلف العربي الاسرائيلي ضد إيران، وبالذات حين اعتبرت اسرائيل انتقالها الى الدول المنضوية تحت القيادة المركزية الامريكية سنتكوم CENTCOM، كان بمثابة حلف عسكري بغطاء امريكي ملزم ضد إيران ومصالحها الاقليمية. وإن كان للقيادة المركزية وظيفة كبرى في منع تمدد النفوذ الصيني فقد اخفقت هذه المنظومة في تأمين الاستراتيجية الامريكية واشتقاقاتها الاسرائيلية.

لم تخف إسرائيل، في حركة رئيس وزرائها نتنياهو نحو ايطاليا ولاحقا الى ألمانيا وبريطانيا وقبلها الى فرنسا سعيها خلق محور دولي وإقليمي لتسديد ضربة عسكرية على ايران وتدمير مشروعها النووي، والخلاصة التي وصلت اليها، انه حتى اللحظة لم تتوفر القناعة الدولية بإمكانية تنفيذها من دون القوة الامريكية الحاسمة. كما من شأن ازمة النفط والغاز والحبوب في اعقاب الحرب الأوكرانية، أن تجعل اوروبا عاجزة عن القيام بأي عمل حربي ضد إيران، تحسبا من تفاقم ازمة طاقة وتداعياتها الصعبة على شعوب أوروبا. لهذا لم يكن مستغربا مسارعة الاتحاد الاوروبي الترحيب بالاتفاق السعودي الايراني برعاية الصين والنظر اليه كأساس لاستقرار المنطقة وحل الصراعات.

نهاية تفرد إسرائيل النووي:

العلاقات الدبلوماسية السعودية الايرانية من شأنها أن تفتح الباب أمام امتلاك دول المنطقة قدرات نووية، فالسعودية كما تقول المصادر الامريكية كانت تشترط تطبيع العلاقات مع اسرائيل بموافقة واشنطن اقامة مفاعل نووي سعودي لأغراض سلمية. الا أن هذا الموقف يعني ايضا ان السعودية لم تغلق الباب على العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل، لكن لا يبدو انها ستوقع في هذه المرحلة على اتفاق ينسف المبادرة العربية التي تحمل اسمها للتطبيع مع اسرائيل قبل حل قضية فلسطين. بنظرة إسرائيلية، يمكن التيقن من ان السعودية زادت من ادوات المناورة أمام إدارة بادين واسرائيل، وهي تساهم اليوم في قيام نظام عالمي متعدد الأقطاب.

ان سعي السعودية لامتلاك القدرات النووية، يفتح الباب أمام مصر لتقوم بذلك وقد تكون دولا اخرى معنية في شمال أفريقيا والمشرق العربي بامتلاك هذه القدرات. وهذا ما يفقد اسرائيل المدى البعيد فاعلية أهم قوة ردع لديها، وهذا لا يهددها نوويا لكنه يهدد نفوذها الإقليمي الذي من شأنه ان يتراجع لدرجة قد يضع الاتفاقات الإبراهيمية في سياقها وحدودها الدنيا.

تداعيات محتملة ومقلقة إسرائيليًا:

في المقابل لا يمكن استبعاد، في ضوء سيادة لغة المصالح، ان يفضي الاتفاق من بين نتائجه، الى اقامة علاقات دبلوماسية مع اسرائيل. لكن الجديد، ان السياقات القادمة ستكون مختلفة، وإسرائيل لم تعد المظلة الأمنية المنتظرة لحماية الخليج وبديلا عن الولايات المتحدة، ووجودها في المعادلة الإقليمية التي تتشكل، ليس حاسما ولا ضرورة أمنية ، والرياض في إطار رؤيتها الجديدة ، تتطلع الى دور ريادي على الصعيد الإقليمي والدولي ومن موقع القوة والنفوذ الاقتصادي والمالي ، وهي أقدر على حفظ مصالحها الحيوية ودورها بما في ذلك الحفاظ على التوازنات في عالم يتشكل وينتقل من القطبية الواحدة الى التعددية .

حاليا، تبدو دول الخليج بصفتها اقتصادات ناشئة سباقة في قراءة معالم المرحلة الانتقالية في منظومة النظام الدولي، وهي تحاول التموضع في اطر تحفظ مصالحها، مقابل كل الأطراف الدولية المتصارعة على النفوذ والهيمنة. لا تبتعد مصر عن هذه الرؤية، عندما قررت الانسحاب من اتفاقية القمح والحبوب الدولية واللجوء الى القمح الروسي والتحرر من قيود العقوبات الدولية. فالقاهرة تنتهج منذ سنوات مبدأ التوازن في علاقاتها الدولية وتعدد مصادر التسليح.

تتخوف إسرائيل أن يؤدي اتفاق بكين إلى إيجاد حل للحرب في اليمن، فقد شكلت تلك الحرب بالنسبة لها فرصة لتعزيز نفوذها في منطقة باب المندب والبحر الأحمر وبحر العرب، ويعطل سعيها لإقامة قواعد عسكرية واستخباراتية في تلك المنطقة.

ومن التداعيات أيضا، تخوف إسرائيلي من اتفاق طائف جديد في لبنان، يكون طرفاه السعودية وايران، يضمن استقرار النظام والاقتصاد .فالانهيار والفوضى في لبنان ظل مصلحة إسرائيلية دائمة ، آمنت نفوذها واختراقاتها.

الأزمة الإسرائيلية الداخلية عميقة لدرجة باتت بمثابة دوّامة تغرق معها، السياسات والانجازات الاستراتيجية وفقاً لاعتبارات المؤسسة الصهيونية الحاكمة. يدلل على ذلك، الاتهامات المتبادلة بين لبيد وبينيت من جهة وبين نتنياهو من جهة اخرى حول المسؤولية عن هذا اخفاق استراتيجي في قراءة احتمال لقاء بين الرياض وطهران والذي اعتبرته التقديرات الإسرائيلية بمثابة زلزال سياسي له اسقاطات محلية واقليمية ودولية.

الخلاصات:

عودة العلاقات الايرانية السعودية والتي انقطعت في العام 2016 هي دليل آخر على نهاية مرحلة “الطريق إلى واشنطن تمر عبر تل أبيب” ولا الرهان على رضى واشنطن وتل ابيب هو ما يصون أمن واستقرار المنطقة، بل يقوّضه.

لكن “اتفاق بكين ” حتى يضمن النجاح والبناء عليه، يتطلب موقف عربيا يعيد النظر في الاستراتيجيات العربية تجاه القوى المؤثرة إقليميا ودوليا بالاستناد الى اقدار الجغرافيا والتاريخ الطويل المشترك كوسيلة لحل الخلافات بالطرق السلمية. فالمصالح القومية العربية تتطلب إعادة النظر والتقييم لوضع إسرائيل في المعادلات الإقليمية وتحجيم نفوذها الذي يتناقض مع المصالح الحيوية والسياقات التاريخية والثقافية للمنطقة.

فلسطينيا، يشكل الاتفاق فرصة ذهبية، ويفتح آفاقا جديدة للنضال من اجل الحقوق المشروعة، فالقوى المتطرفة التي تقود إسرائيل اليوم، دخلت في ازمة كبرى ليس داخلية وحسب وإنما في مكانتها الدولية والإقليمية أيضا. فالتغيرات الجارية في مبنى وهيكل النظام الدولي، يستدعي الاستجابة لهذا التحول والانخراط النشط في التشكل الإقليمي الذي ينشأ، والذي قد يحمل في طياته آليات جديدة لحصار التوسعية والتطرف والعنصرية الإسرائيلية.

 

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر