المواجهة بين إسرائيل وإيران.. من خرج منها منتصرًا؟
خاص- الجرمق

في الساعات الأخيرة التي سبقت دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران و"إسرائيل" حيّز التنفيذ، استهدفت إيران مدينة بئر السبع بصاروخ مباشر أدى إلى مقتل 6 إسرائيليين وإصابة آخرين، بينهم حالات وُصفت بالخطيرة، بحسب ما أفادت به مصادر الإسعاف الإسرائيلية. وقد جاء هذا القصف ضمن اللحظات الختامية للتصعيد العسكري، قبل أن يُعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسميًا عن دخول اتفاق وقف إطلاق النار الشامل حيّز التنفيذ عند الساعة السابعة من صباح الثلاثاء. ووفقًا لترامب، فإن الهدنة ستستمر مبدئيًا لمدة 12 ساعة، على أن تُعتبر الحرب منتهية رسميًا بعد ذلك.
ويعتبر الخبير في الشأن الإسرائيلي والعسكري، فادي نحاس، أن ما تشهده المنطقة ليس حالة من الانتصارات بقدر ما هو تجسيد لصراع دولي مركب، يتجاوز كونه حربًا بين إسرائيل وإيران، ليشمل قوى كبرى ومصالح اقتصادية واستراتيجية عالمية، على رأسها الولايات المتحدة وروسيا ودول أخرى.
ويؤكد نحاس في حديثٍ مع الجرمق أن الولايات المتحدة، وتحديدًا الرئيس دونالد ترامب، هو من يضبط إيقاع هذه المعركة، وأن الضربات التي وُجّهت مؤخرًا لإيران كانت ذات طابع رمزي أكثر منها عمليات حسم عسكري، في إشارة إلى أن "المفاعل النووي في فوردو كان على الأرجح قد أُخلي قبل الضربة"، وأن الرسائل كانت سياسية بامتياز.
ويشير نحاس إلى أن إيران تكبدت إخفاقات واضحة، خاصة على صعيد الاستخبارات، وسلسلة الاغتيالات التي طالت قادتها العسكريين، فضلًا عن عجز دفاعاتها الجوية عن التصدي للغارات الإسرائيلية، وهو ما يعكس نقاط ضعف خطيرة في قدرتها على حماية منشآتها الحيوية. ورغم ذلك، شدد على أن الضربات الإسرائيلية لم تُحدث تغييرًا استراتيجيًا كبيرًا داخل إيران، مضيفًا: "هذه دولة كبيرة، لا يمكن سحقها بضربة جوية واحدة".
ويرى أن نتنياهو سيحاول استثمار المشهد دعائيًا، لإظهار نفسه كمن حقق انتصارًا في عمق إيران، إلا أن المعادلة على الأرض غير محسومة، وسيكون المستقبل هو الفاصل الحقيقي، خاصة إذا نجحت إيران خلال عام أو عامين في إعادة بناء بنيتها النووية.
يحذر نحاس من أن الضربات الإيرانية العنيفة في عمق إسرائيل أربكت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، ودفعها لطلب تدخل أمريكي مباشر، لأن إسرائيل ببساطة غير قادرة على تحمل حرب استنزاف طويلة، لا من الناحية العسكرية ولا المجتمعية.
ويوضح أن "الحرب دخلت الآن في مرحلة اللعب الدولي والإقليمي، وأدوار الولايات المتحدة وروسيا والصين ستكون مركزية في تحديد اتجاهات التصعيد أو التهدئة"، لافتًا إلى أن الضربات الجوية الإسرائيلية تم تنفيذ جزء كبير منها عبر المجال الجوي السوري، في ظل غياب أي ردع حقيقي للطيران الإسرائيلي في المنطقة.
وحول أهداف الضربات، أشار نحاس إلى أن الولايات المتحدة استفادت اقتصاديًا من هذه المواجهة، سواء عبر تراجع أسعار النفط، أو من خلال الترويج لقدراتها العسكرية والسلاح الأمريكي المستخدم في الهجوم على إيران، ما يمهّد لموجة جديدة من صفقات السلاح، لا سيما مع دول الخليج.
كما يرى أن الضربة الإيرانية لقاعدة العديد الأمريكية في قطر تؤكد على أهمية السيطرة الأمريكية على وتيرة التصعيد، مشددًا على أن "الضربة كانت رمزية، لكنها تحمل دلالات استراتيجية".
وفي ختام حديثه، شدد نحاس على أن المواجهة لم تنتهِ بعد، لكن لا أحد في إسرائيل أو أمريكا يسعى إلى تجدد الحرب الآن، "إلا إذا أثبتت إيران لاحقًا أن منشآتها لم تتضرر، وأعادت تفعيل مشروعها النووي بوتيرة أسرع مما هو متوقع".
من جهته يقول القيادي والخبير السياسي عمرو واكد في حديث خاص لـ الجرمق إن توصيف ما جرى بين إيران و"إسرائيل" خلال الأيام الماضية لا يمكن فصله عن السياق الأوسع الممتد منذ 7 أكتوبر، مشيرًا إلى أن "الحرب لم تنتهِ بعد، وما تزال المجازر والجرائم في قطاع غزة مستمرة".
وأضاف واكد: "الحديث عن انتصار في هذه المرحلة يبدو سابقًا لأوانه، لا سيما وأن بعض وزراء حكومة نتنياهو عبّروا صراحة عن أن الهدف من إنهاء المواجهة مع إيران هو التفرغ لغزة، بل أن وزير المالية قال بشكل واضح: يجب أن نمسح غزة"، مؤكدًا أن هذا الخطاب يكشف النوايا الحقيقية من وراء الخطوات العسكرية الأخيرة.
واعتبر واكد أن البعد الأخلاقي للصراع يبقى حاضرًا بقوة، قائلًا: "نحن نعوّل على إرادة شعبنا وصموده، وليس على ميزان القوة العسكرية"، مضيفًا أن "الثبات الشعبي والموقف الأخلاقي المقاوم هو ما يصنع التحول الحقيقي في مسارات التاريخ".