مع استمرار الحرب الإسرائيلية الإيرانية هل تتوقف الحرب على غزة؟!

انزاح الراي العام العالمي عن فلسطين وغزة، وحتى الراي العام العربي بما فيه الفلسطيني الى حد ما، وهو ما يشكل لحظة مفصلية بالنسبة لنتنياهو. فالرأي العام الاسرائيلي بطبيعة الحال غير مكترث لما يحدث من كارثة للغزيين ولا للضفة الغربية، بل انزاح الاهتمام الجوهري بمحورية السابع من اكتوبر 2023 والاخفاق الأكبر في تاريخ اسرائيل والذي حدث تحت حكومة نتنياهو. يرى نتنياهو بأن حرب حزيران 2025 ضد ايران، شكلت “غسل العار” السياسي لإخفاق السابع من أكتوبر، وبأنه يضع بصماته على التاريخ ويتوقع من ترامب ان يلحق به لإتمام المهمة.
في المعطيات الداخلية:
– في ظل مسار الحرب مع إيران على وقع الانجازات الاسرائيلية الكبرى بما فيها استمرار سيطرة سلاح الجو الاسرائيلي شبه التامة على الاجواء الايرانية، والقدرة على ادارة وتنفيذ العمليات من عمق الاراضي الايرانية وفي معظم جغرافيتها، فإن نتنياهو في وضعه الأمثل ليس فقط منذ الحرب على غزة بل في تاريخه السياسي ويحظى “بشرعية” دولية غربية. فهو يقود حربا منتصرة وفقا للتطورات لغاية الان ويحظى بإجماع قومي صهيوني كامل وبمعارضة موالية له ومتجندة الى جانبه، دونما حتى التساؤل عن اهداف الحرب وجدواها.
– في خطابه امام الجمعية العامة للأمم المتحدة 27/9/2021، ناشد رئيس الوزراء الاسبق نفتالي بنيت دول العالم بأن ينضموا الى اسرائيل في حربها الواقعة لا محالة مع إيران، وقد شدد بينيت، والطامح للعودة لرئاسة الحكومة في الانتخابات التالية، بأن ايران أضعف مما تبدو، ومؤكدا ان اسقاط النظام قابل للتحقيق، داعيا الى اسناد اسرائيل في هذه المهمة.
– الخطة لخلخلة واسقاط النظام الايراني ليست وليدة اللحظة الان، بل اهم مشروع حربي اسرائيلي يجري التخطيط العملياتي له جديا منذ عقدين من الزمن. جاء خطاب بينيت بخلاف خطاب نتنياهو المتكرر منذ العام 1996 والقائم على تحذير العالم من قوة إيران ومن الخطر الوجودي الذي تشكله فعليا على اسرائيل.
– يدرك نتنياهو راهنا ما قاله بينيت قبل أربع سنوات، لكن اختيار اللحظة لشن حرب على النظام الايراني يجعله يكسب كل الرهانات. فقد حققت له الضربة الافتتاحية الساحقة للحرب وضعا باتت فيه الحرب غير متكافئة؛ ومع تصريح ترامب 17/6 بقوله “اننا نسيطر سيطرة مطبقة” على المجال الجوي الايراني يجعل ميزان القوى يميل بشكل مطلق لصالح التحالف الامريكي الاسرائيلي البريطاني، المدعوم من الغرب وبإجماع اسرائيلي قومي صهيوني.
– فعليا ما يطلبه ترامب من إيران هو الانصياع لشروط الاستسلام القائمة على التسليم إما بالمشروع النووي وإما بالنظام الذي كما هو متوقع سيتمسك بوجوده وبقرار عقلاني. فيما الشد الاسرائيلي الى تحويل هذا الحالة الى خيار الوقت الضائع إيرانيا، اذ لا خيار الا اسقاط النظام. بينما نتنياهو قادر على التعايش مع شروط المفاوضات الامريكية الجديدة والتي فيها استسلام ايراني بصدد المشروع النووي والصاروخي.
– تبدو هذه اللحظة التاريخية مؤاتية تماما لنتنياهو، للتخلص من اخفاق السابع من اكتوبر 2023 ومن اسقاطاته وحصريا من احتمالية لجنة تحقيق رسمية كان من المتوقع ان تطيح به؛ ثم لا خوف لدى نتنياهو من اجراء انتخابات بل قد يرى باللحظة الحالية مناسبة لإجراء انتخابات وضمان مواصلة حكمه.
– لهذا الغرض يحتاج نتنياهو الى انهاء الحرب على غزة، بعد ان كرر مقولته بأن انتخابات في زمن الحرب تعني الهزيمة وهدية لحماس وللإرهاب وفقا له. بناء عليه بدأ تصدر تصريحات من وزراء ومسؤولين كبار يؤكدون نضوج الظرف لإنهاء حرب غزة.
– وفقا للتقديرات فإن نتنياهو معني بأن تدور الانتخابات على رافعة الانتصار على إيران وبعيدا عن غزة. ومن المتوقع ان يديرها بناء على انجازاته الكبرى عسكريا بدءا بوضع غزة الحالي وليس اخفاق عام 2023، وبالوضع في لبنان والانتصار على حزب الله واعتبار اهم إنجازاته بأنها وفقا له “القضاء على محور المقاومة ” باغتيال امين عام حزب الله حسن نصر الله، وهو ما مهد لسقوط نظام الاسد والوصول الى “راس الاخطبوط” اي إيران.
– في حال بقي الوضع على هذه الصورة سوف يتباهى نتنياهو بمؤشرات لاستعادة الاقتصاد الاسرائيلي لعافيته وارتفاع قيمة الشيكل مقابل الدولار بعد الحرب على إيران، رغم الاثمان الهائلة للحرب واثقالها على الاقتصاد والمجتمع في اسرائيل. كل هذا يتوقف على إمكانية تحول الحرب مع إيران الى حرب استنزاف طويلة الامد تتآكل فيها الانجازات الاسرائيلية.
– بهذه الاولويات والقضايا المحورية يصبح ملف الاسرى والمحتجزين عبئا على نتنياهو وكذلك استمرار الحرب على غزة والتي لا تحظى بالإجماع والتي تعتبر حربا سياسية بامتياز وفقا لاستطلاعات الراي العام الاسرائيلي.
– في المقابل فإن الصيغة الامريكية الراهنة هي توفير التزام امريكي ببذل الجهود الجدية لتحويل وقف إطلاق النار في حال الصفقة الى وضع مستدام اي انهاء الحرب. وفقا لمستشار الامن القومي الاسرائيلي تساحي هنغبي 17/6 فإن موافقة حماس ستؤدي الى ابرام الصفقة. فيما ان المصادر الاسرائيلية وتقديرات الوسطاء تؤكد وجود مفاوضات حتى ولو كانت بعيدة عن الاضواء، كما تؤكد التقديرات الاسرائيلية بأن حماس ضعفت بشكل جوهري عسكريا وسلطويا، بل ان تكثيف الحرب على غزة منذ اذار/مارس جعل ورقة الاسرى والمحتجزين تتآكل.
– من الوارد ان ترى حكومة نتنياهو بوقف الحرب على غزة مصلحة اسرائيلية تعزز من المساعي لوقف التحولات الدولية لصالح الدولة الفلسطينية، بينما الحرب مع إيران تعود الاصطفافات العربية لصالح اسرائيل بشكل كامل وتُخرج اسرائيل من العزلة السياسية التي ادخلتها بها حربها على غزة وعلى الشعب الفلسطيني.
الخلاصة:
** لا يزال من غير المؤكد إذا كانت التلميحات الاسرائيلية الايجابية باحتمالية الصفقة ووقف الحرب هل هي مناورة ام مقدمة فعلية لوقف الحرب.
** تزايد الضغط الشعبي والإعلامي لإنجاز الصفقة، فاستطلاعات الرأي أظهرت أن الحرب على غزة لا تحظى بشعبية كبيرة في الداخل على عكس الحرب مع إيران، وربما يسعى نتنياهو إلى خفض هذه الضغوط من خلال إنهاء الحرب في غزة والتركيز على الحرب مع إيران.
** تصريحات وزراء ومسؤولين كبار بصدد استنفاد حالة الحرب على غزة، توحي ببداية تحول في الراي العام اليميني نحو انهاء الحرب.
** الحرب على غزة لم تسفر عن نتائج حاسمة. وهو وضع مُحرج بالنسبة لنتنياهو، والتقارير الإسرائيلية تُشير إلى ضعف حماس عسكريًا وسياسيًا، وهو ما قد يدفع الى انجاز الصفقة التي تقدم بها ويتكوف للوسطاء.