لقاء نتنياهو – ترامب، الالتقاء والتباين في الملفات المختلفة

كانت القمة الثلاثية في القاهرة - المصرية الفرنسية الأردنية، تعكس الى حد ما مقاربتين نقيضتين لا بد لهما من التعايش معا، احدهما اطراف لقاء القاهرة وبشكل اوسع العرب والاوروبيين والاخر هو التحالف الشعبوي بزعامة ترامب ومن حوله نتنياهو والرئيس المجري اوربان. في اللقاء مع الاعلام، قلل ترامب من شأن اوروبا واتهمها بالتسبب بالأذى للولايات المتحدة واقتصادها واسواقها وللمنتجين الأمريكيين، مشيرا حصريا الى ألمانيا التي تمثل الاقتصاد الاوروبي الاكبر، الا انه تطرق الى محادثاته الرباعية مع الرئيس السيسي والملك عبدلله والرئيس ماكرون المجتمعين في القاهرة حول غزة، ومنع التهجير والاعمار وادارتها. لم يتحدث ترامب عن المقترح المصري الاخير بصدد صفقة بينية قد يقبل بها ويتكوف خلال زيارته للمنطقة في الايام القادمة.
- أكد ترامب ان "أهم ما يريده الاسرائيليون هو عودة المخطوفين"، ثم اضاف بأن حرب غزة ستتوقف "في المستقبل القريب بعد تجاوز العقبات في اتفاق تبادل الأسرى". أشاد بنتنياهو بقوله إنه "يعمل بصورة حثيثة للإفراج عن الأسرى". ثم تحدث عن ضرورة انهاء الحرب قريبا دون تحديد أمد، وفعليا لم ينه المهلة التي اعطاها لنتنياهو بالعودة الى خيار "الضغط العسكري المكثف"، ولم يأبه لحال الفلسطينيين، وتجاهل السؤال بصدد حل الدولتين، لكنه فعليا أوضح بأن المهلة الزمنية امام اسرائيل محدودة بالوقت. هذا ما يستطيع نتنياهو ترجمته بأنه ضوء اخضر لمواصلة تكثيف الحرب على غزة وتهجير اهلها والاسراع في ذلك الى ان يملي عليه ترامب انهاءها.
- الحدث الاكبر اقليميا امام ترامب هو زيارته الشهر القادم الى السعودية ومنها الى قطر والبحرين، وهي الاهم له في سياق سياسته الاقتصادية والتجارية والجمركية، حيث يسعى الى استثمارات هذه البلدان الغنية في الاقتصاد الامريكي. الا ان هذا الحدث له استحقاقات امريكية في قضية غزة وفلسطين.
- الملف الايراني، عكس الفجوة بين مسار ادارة ترامب وتوقعات نتنياهو، وفعليا إغلاق المجال امام امكانية ان رغبة نتنياهو بتوريط الولايات المتحدة في حرب مع ايران، او ان يقوم منفردا بحرب تحت مظلة حربية امريكية. تصريح ترامب المفاجئ بوجود مفاوضات مباشرة مع ايران وانها ستبلغ ذروتها وعلى اعلى المستويات قريبا، وتفضيل الحل الدبلوماسي واتفاق نووي جديد انما تشير الى تفاوت الاولويات مع حكومة نتنياهو، لكن لا يضع حدا للخيار العسكري امريكيا لمنع ايران من امتلاك سلاح نووي الا انه في المقابل لا يضمن لترامب تحقيق هذا الهدف.
- في ملف الرسوم الجمركية مع اسرائيل لم يحصل نتنياهو على ما أراد. بل ان ترامب وقد يكون اول رئيس امريكي يلوح بالمساعدات الامريكية الى اسرائيل بأربعة مليارات دولار سنويا، باعتبارها ليست منحة غير مشروطة وليست مفروغا منها. وإذ ضبط ترامب حدة تصريحه بأن ادارته لا تتعامل بذات المعايير مع الاصدقاء والاعداء، لكنه أحجم عن تقديم وعد بالتراجع عن اجراءاته الجمركية، مما سيكون له اسقاطات جوهرية على الاقتصاد الاسرائيلي.
- في الملف السوري لم تتطابق وجهتا النظر الامريكية والاسرائيلية، فمقابل السعي الاسرائيلي لفرض تقاسم مصالح ونفوذ مع تركيا في سوريا، واعتبار نتنياهو لأردوغان بأنه اختار التوجه العدائي التصعيدي، فقد اشاد ترامب بالرئيس التركي واعتبره صديقا قويا، ووعد نتنياهو بأن يسعى لتفاهمات اسرائيلية تركية.
- الاخطر في تصريحات ترامب بصدد غزة هو كلامه عن غزة بمفهوم التملّك، والعودة الى "الهجرة الطوعية" والى وجود محادثات مع بلدان محتملة لاستيعاب الفلسطينيين، حتى وان تحدث بلهجة أقل حدّة عن مشروع التهجير الاولي الذي طرحه خلال زيارة نتنياهو السابقة، الا ان نتنياهو استبق ذلك عند تسويغه لمشروع الاخلاء "الطوعي" بتأكيده أن هذا هو مشروع ترامب أصلا.
خلاصة:
**. من اللافت ان الفجوة بين ترامب ونتنياهو لم تتقلص رغم التزام ترامب المطلق بدعم اسرائيل كدولة.
**. اوضح اللقاء إخفاق مساعي نتنياهو للظهور بمظهر الرجل القوي الصامد امام الضغوطات الخارجية بما فيها الاتية من الادارة الامريكية.
** الموقف العربي كان حاضرا وكذلك المبادرات والصيغ للدفع نحو العودة لمواصلة صفقة غزة ونحو المرحلة الثانية، ولم يكن اي اعتراض من ترامب عليه حتى وان تحدث نتنياهو عن اطار جديد للصفقة.
** من مخرجات اللقاء ان اسرائيل لا تزال تملك فترة زمنية لمواصلة حرب الابادة والتهجير قبل الاذعان لاستحقاقات الصفقة، وترجمة ذلك ان الثمن الفلسطيني قاس وكارثي.