ما تبعات إعلان مصر عزمها الانضمام لدعوى جنوب أفريقيا ضد "إسرائيل"؟

أكد محللون سياسيون على أن قرار مصر الانضمام إلى دعوى جنوب أفريقيا ضد "إسرائيل" في محكمة العدل الدولية تحولًا في السياسة المصرية وذلك على خلفية اجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلي لرفح والسيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدودي مع مصر.
والأحد 12 من أيار/مايو 2024 أعلنت الخارجية المصرية عن في بيان صادر عن وزارة الخارجية عن، "اعتزامها التدخل رسمياً لدعم الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية للنظر في انتهاكات إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في قطاع غزة".
أسباب اتخاذ مصر هذه الخطوة؟
ويقول المحاضر في العلوم السياسية د.سليم بريك للجرمق إن، "مصر مستاءة منذ البداية من الطريقة التي قامت فيها إسرائيل بالعملية في غزة، ففي البداية كان هناك تصريحات لوزير الخارجية المصرية والأردني، ولكن بضغوط أمريكية تم إسكات هؤلاء السياسيين وفي الفترة الأخيرة لم نعد نسمع تصريحات مؤيدة للفلسطينيين من الدول العربية".
ويتابع للجرمق، "مع دخول إسرائيل لرفح وتهديدها بالعمل على الجانب الفلسطيني من الحدود مع مصر، أقلق هذا الأمر مصر، التي كانت في الماضي قلقة من نزوح فلسطينيين من غزة إلى سيناء وعلى ما يبدو أنه كان هناك مخطط إسرائيلي أمريكي لتهجير قسم من الغزيين إلى سيناء حتى أنهم اقترحوا على مصر محو ديونها كافة ولكن مصر رفضت، ولكن اجتياح رفح كان القشة التي قصمت ظهر البعير، ورأت مصر أن ذلك مبالغ به".
ويضيف بريك، "القضية الثانية التي دفعت مصر لاتخاذ هذه الخطوة هي سياسة الحكومة الإسرائيلية الفاشلة التي أضرت بعلاقة إسرائيل مع جميع الدولة حتى الولايات المتحدة الأمريكية، فهناك علاقة متأزمة بين إسرائيل والولايات المتحدة على خلفية اجتياح رفح، كما أن هذا الانضمام من مصر تغيُّر جذري في السياسة المصرية تجاه إسرائيل".
ويردف بريك للجرمق، "مصر واحدة من الوسطاء في مفاوضات صفقة تبادل الأسرى، وهذا التصعيد بينها وبين إسرائيل دليل على فشل حكومي إسرائيلي وعدة قدرة للتخطيط للمدى البعيد".
ومن جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي أمير مخول، "أعتقد أن السبب وراء اتخاذ مصر هذه الخطوة هو التصرفات الإسرائيلية وهي السبب الأساسي، فإسرائيل حاولت التلاعب كثيرًا بالصفقة والمفاوضات التي قادتها مصر مع قطر والولايات المتحدة الأمريكية بجهود عربية، ومصر بذلت عمليًا جهود كبيرة في إحقاقها من منطلق أمن قومي مصري لأن هناك محاذير لدخول واجتياح إسرائيل لرفح ومحور فيلاديفيا وبكل ما يتعلق بقضية التهجير من رفح".
ويتابع للجرمق، "مصر تدرك هذه الأمور جيدًا، وفي الآونة الأخيرة حاولت إسرائيل رمي الكرة في ملغب الوسطاء، وبالذات الملعب المصري بإعلانها عن إخفاق المحادثات، وتعطيلها ومنعها من التحول لصفقة، ولذلك وجدت مصر أن كل المساعي الدبلوماسية الناعمة مع إسرائيل في السر والعلن فشلت في ثني إسرائيل عن توجهها العدواني".
ويقول للجرمق، "هناك سبب مهم أيضًا أن مصر اقتنعت بأن إدارة بايدن عاجزة عن ثني إسرائيل عن سياستها ليس لعدم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية وإنما لعدم وجود إرادة حقيقية لدى بايدن وإدارته لفرض شروطها على إسرائيل، وأيضًا محاولات الإدارة الأمريكية الفاشلة في إسقاط حكومة نتنياهو".
ويردف، "مصر رأت أنها بحاجة لاتخاذ خطوات فعلية ناجحة وهذا لا يتعارض مع الموقف المصري الأولي أن جنوب أفريقيا دولة ليست عربية ولا إسلامية ولا حتى أوروبية وإنما جنوب أفريقية لها رمزيتها وموقعها عالميًا، والآن مصر أنهت فترة الدبلوماسية الناعمة مع إسرائيل واتجهت إلى الوسيلة الوحيدة التي يمكن الرد فيها على إسرائيل وهي الضغوطات الدولية وهذا لا يسري فقط على قضية الصفقة وإنما لحل قضية فلسطين كلها، فدون فرض واقع جديد على إسرائيل لن يتم حل القضية، فالحلول لن تأتي من داخل إسرائيل، في ظل حكومة أقوى مما كانت عليه في بداية الحرب، ولن تأتي الحلول من الضغط الأمريكي لأن الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تعيد القضية الفلسطينية بكل مركباتها إلى مفهوم المفاوضات الثنائية مع إسرائيل والتي تعني أن ميزان القوى يرجح بشكل ساحق لصالح إسرائيل لأنها ستكون تحت رعاية أمريكية وليست أممية".
ويتابع، "مصر تضررت من الحرب أيضًا بتضرر قناة السويس وانخفاض المردود المالي لها كما هناك محاولات لخلق بدائل لقناة السويس، والمشاكل في البحر الأحمر واستهدافات الحوثيين، فكل ذلك أدى لتراجع الاقتصاد المصري، فمصر دفعت ثمن كبير منذ بدء الحرب ولذلك رأت أنه يجب انتهاج سياسة جديدة توحد فيها الموقف العربية وهذا أيضا جديد في السياسة المصرية في سعيها لأخذ دور القيادة وتوحيد الموقف العربي والسير به إلى الأمام والسعي لموقف عربي ضاغط للتجاوب مع بعض أصوات الاتحاد الأوروبي لحل القضية الفلسطينية".
ويقول للجرمق، "توجه مصر للمحكمة الدولية عامل مهم وإسرائيل دخلت بعد هذه الخطوة بقلق من الموقف المصري الذي لم تتوقعه بهذه المرحلة ولذلك الإعلام الإسرائيلي أفرد مساحات واسعة لهذا الأمر باعتبار أن اتفاق السلام مع مصر هو أحد أهم الأسس الاستراتيجية لثبات إسرائيل في المنطقة والآن أصبح هذا الاتفاق موضع حديث ونقاش واعتراض".
وبدوره، يقول المحلل السياسي فايز عباس، "يبدو أن مصر خُدعت من قبل إسرائيل بكل ما يتعلق بقضية اجتياح رفح خاصة احتلال معبر رفع، فإسرائيل تدعي أنها نسقت مع مصر ولكن على ما يبدو أن هذا الكلام غير دقيق، فبعد احتلال معبر رفع ورفع العلم الإسرائيلي كان هناك تنديد مصري بهذه العملية وبرفع العلم تحديدًا".
ويتابع للجرمق، "إسرائيل اتهمت مصر بأنها تمنع المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح مع العلم أن إسرائيل أبلغت واشنطن أن المعبر لن يفتح على الأقل في هذه المرحلة أي بعد احتلاله بفترة زمنية وهذا التوتر دفع مصر إلى الانضمام لدعوى جنوب أفريقيا والمطالبة بإصدار أوامر من المحكمة الدولية لوقف الحرب وخاصة في رفح".
ويضيف، "ردود الفعل الإسرائيلية على الخطوة المصرية كانت غاضبة جدًا، وقال أحد المسؤولين إن العلاقات المصرية الإسرائيلية تدهورت بشكل غير مسبوق وهذا يعني أن هناك أمور تحدث خلف الكواليس دفعت مصر لاتخاذ مثل هذه الخطوة تجاه إسرائيل ولكن الشيء المهم أيضًا أن مصر لم تطلب من السفير الإسرائيلي المغادرة ولم تعيد السفير المصري إلى القاهرة وهذا يدل على أن مصر لا تريد كسر كافة الاتصالات مع إسرائيل".
أثر خطوة مصر على اتفاق السلام
ويضيف المحاضر في العلوم السياسية د.سليم بريك للجرمق، "لن يكون لانضمام مصر لدعوى جنوب أفريقيا أثر سلبي على اتفاق السلام، فالراعية لهذا الاتفاق هي الولايات المتحدة الأمريكية، ومصر مستفيدة منه، فتحصل مقابله على 2 ونصف مليون دولار سنويا من الولايات المتحدة، وبالتالي تصر على التمسك به، كما أنه بموجب الاتفاق كان هناك تعاون بين إسرائيل ومصر سابقا ضد منظمات إرهابية كداعش في سيناء".
ويتابع، "التصعيد من الحكومة الإسرائيلية وتصرفاتها غير العقلانية هي التي أدت لتأزم العلاقات مع مصر وهذا مقلق للحكومة الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق باليوم التالي للحرب، بإسرائيل تعتقد أنه سيكون لمصر دور بشكل أو بآخر على اليوم التالي بعد الحرب، ولكن يبدو أن مصر الآن سحب البساط من تحت أرجل الإسرائيليين في هذا الأمر أيضًا".
وفي السياق، يقول المحلل السياسي فايز عباس، "لا أعتقد أن خطوة مصر ستؤثر على اتفاق السلام مع إسرائيل، لأنها تعتبر أن عملية السلام ملزمة لها ولن تلغيها ولكن ستتوجه بالقنوات الرسمية إلى إسرائيل لمطالبتها بوقف الاجتياح المستمر لرفح وستستخدم كل الطرق والوسائل المتبعة دبلوماسيا".
تأثير الخطوة على مفاوضات صفقة التبادل
ويقول د.سليم بريك للجرمق، "هناك وسيطين في صفقة التبادل، القطري تهاجمه إسرائيل بشكل مستمر ورأينا ذلك بإغلاق قناة الجزيرة وأرادت من خلال ذلك إهانة قطر ودورها كوسيط وبقيت مصر، حيث ادعت إسرائيل أن علاقتها معها إيجابية ولكن يتضح أن الحكومة الإسرائيلية تقول أمور غير موجودة على أرض الواقع".
وفي المقابل، يقول المحلل السياسي أمير مخول للجرمق، "أعتقد أن خطوة مصر ستعزز الصفقة لأن الصفقة لا تسير ليس بسبب نوع الوساطة لا القطرية ولا المصرية وإنما بسبب موقف إسرائيل الأساسي الرافض للصفقة، إسرائيل كما تدعي أن الفلسطينيين لا يفهمون إلا بلغة القوة هي لا تفهم أيضا إلا بلغة القوة، ولذلك اتجهت مصر لاتخاذ مثل هذه الخطوة، فهي ورقة جديدة تحملها مصر في تعاملاتها مع إسرائيل ورافعة قوة للدور المصري والعربي في الضغط على إسرائيل أن الأمور لا يمكن أن تترك ولا يمكن توخي الحل الأمريكي ولا الحلول التي قد تأتي من داخل إسرائيل ولا المتغيرات في السياسة الداخلية الإسرائيلية لأنها لا تبشر بأية بشائر".
ويتابع للجرمق، "في هذا المفهوم انتهجت مصر بشكل مدروس الاستراتيجية التي يمكن أن تؤثر أكثر حتى تنصاع إسرائيل للصفقة التي لم ترفضها ولكنها تريدها بعد الخروج من رفح، ولكن يبدو أنها ستخرج من رفح بوضع استراتيجي أصعب وستضطر للقبول بالصفقة بشروط أصعب".
ومن جهته، يقول المحلل السياسي فايز عباس للجرمق، "لا أعتقد أن لقرار مصر دور في المفاوضات المتعلقة بصفقة التبادل، فمصر تريد أن يتم التوصل لاتفاق لإعادة المحتجزين الإسرائيليين مقابل أسرى فلسطينيين ووقف لإطلاق النار حتى لو مؤقت، وباعتقادي أن مصر ستواصل وساطتها بين إسرائيل وحماس لأنها ترى بذلك مصلحة مصرية وليس فقط إسرائيلية فلسطينية".
هل لخطوة مصر أثر على قرارات المحكمة الدولية؟
وبدوره، يقول المحلل السياسي أمير مخول للجرمق، "من الصعب أن نرى أثر مباشر لخطوة مصر على قرارات المحكمة الدولية، ولكن المحكمة الدولية لا تستطيع أن تتهرب من مسؤوليتها برفض اجتياح رفح أو عدم احتلالها بشكل واسع، وقد يكون لخطوة مصر أثر معنوي وأن تضغط على المحكمة لأخذ قرارات، ولكن هذه الخطوة هي تحول كبير في الموقف المصري من الدبلوماسية الناعمة ومن الوسائل الدبلوماسية الثنائية إلى استغلال مستوى متعدد الأطراف سواء في المحكمة الدولية ومجلس الأمن وهذا تحول مهم".
ويقول للجرمق، "كما أن انضمامها للدعوى مع جنوب أفريقيا مهم معنويا وقضائيا لأن لمصر وزن في هذا الشأن".
وفي المقابل، يقول المحاضر في العلوم السياسية سليم بريك، "الانضمام لدعوى جنوب أفريقيا يضيف ثقل للادعاء ضد إسرائيل، فلو ظلت جنوب أفريقيا وحدها في الادعاء، تستطيع إسرائيل الادعاء أنها دولة بعيدة وليس لها علاقة بما يحدث وغيرها من الادعاءات وربما كانت المحكمة سترى أن إسرائيل مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية ومن دول أوروبية بينما جنوب أفريقيا ليست مدعومة من هذه الدول، ولكن مع انضمام مصر والتي هي مجاورة لإسرائيل وجارة للفلسطينيين في غزة ولها علاقات تاريخية معهم هذا سيؤدي لزيادة ثقل الادعاء ضد إسرائيل، ربما ليس في المحاكمة نفسها ولكن في تبعات المحاكمة وتبعات ذلك على مكانة إسرائيل في العالم".
وبدوره، يقول فايز عباس، "هناك تخوف لدى إسرائيل من الخطوة المصرية، ولهذا تعمل ليل نهار لأجل منع إصدار أوامر لوقف إطلاق النار ولكن من الصعب تكهن آثر خطوة مصر على قرارات المحكمة الدولية".
ويتابع للجرمق، "إسرائيل تستنجد بالدول الصديقة لها، فكان عدد من أعضاء الكونغرس الأمريكي هددوا المحكمة الدولية والمدعي العام كريم خان بعدم إصدار أوامر اعتقال احترازية والآن يجري الضغط لمنع إصدار أوامر لوقف إطلاق النار".
ويستدرك قائلًا، "القضاة في المحكمة الدولية مستقلون ولا يأبهون بالتهديدات إن كانت أمريكية أو غير أمريكية لأن هناك قضاة كانوا قد أعلنوا بشكل واضح أنه يجب إصدار أوامر لإسرائيل بوقف إطلاق النار، فالمحكمة الدولية الآن في امتحان غاية في الأهمية وسنرى إن كانت فعلا محكمة مستقلة لمنع جرائم الحرب والإبادة الجماعية".