وثائق تكشف عن قلق سبّبته "إسرائيل" في أوروبا قبل 49 عامًا بعد محاولتها اغتيال قائد فلسطيني

كشفت وثائق بريطانية عن أزمة تفجرت بين "إسرائيل" والنرويج في عام 1973 بعد قيام جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" في 21 من تموز من ذات العام بارتكاب عملاء الجهاز خطأ في أوروبا باغتيال نادل مغربي يعمل في مطعم ظنًا منهم أنه الناشط الفلسطيني حسن سلامة أحد أبرز قيادات منظمة "أيلول الأسود" الفلسطينية.
ووصفت الوثائق عملية الاغتيال بالفضيحة التي فجرت أزمة مكتومة بين النرويج و"إسرائيل"، وأثارت انزعاجًا بالغًا في أوروبا من "عمليات الانتقام الإرهابية" الإسرائيلية من النشطاء العرب والفلسطينيين في دول القارة.
وبحسب الوثائق، فإن فرقة اغتيالات إسرائيلية قتلت شابًا مغربيًا يدُعى أحمد بوشيخي وهو نادل يعمل في مطعم في بلدة ليلهامر النرويجية الصغيرة، ظنًا منها أنه الناشط الفلسطيني حسن سلامة، أحد أبرز قيادات منظمة "أيلول الأسود" الفلسطينية.
وهذه الفرقة تشكلت لتنفيذ سلسلة من عمليات استخباراتية أطلق عليها "غضب الرب"، وأقرّتها في حينه رئيسة وزراء إسرائيل "غولدا مائير"، حيث استهدفت العمليات تصفية العرب والفلسطينيين خاصة من منظمة أيلول الأسود التي قتلت 11 رياضيًا إسرائيليًا في دورة الألعاب الصيفية في مدينة ميوينخ الألمانية في أوائل شهر سبتمبر/أيلول عام 1972، وكان سلامة ـالذي وصفته أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بالأمير الأحمر، هو العقل المدبر للعملية التي هزت العالم.
وبحسب الوثائق فإن العملية الفاشلة في "وليهامر" بظلال قاتمة على العلاقات الجيدة بين إسرائيل والنرويج، حيث تقول الوثائق إن أعضاء فرقة الاغتيالات الإسرائيلية اعتقلوا، لكن اثنين منهم اختبأا في شقة مسؤول أمن السفارة الإسرائيلية في العاصمة النرويجية أوسلو، ودخلت الشرطة النرويجية الشقة وقبضت عليهما، ثم طردت الحكومة لاحقاً المسؤول الأمني بالسفارة من النرويج.
ووفقًا للوثائق فإن "إسرائيل" احتجت قانونيًا ودبلومسيًا، بأن لم يكن يحق للشرطة النرويجية دخول الشقة لأن صاحبها يتمتع بحصانة دبلوماسية، وهو ما رفضته النرويج بحسب الوثائق، حيث قالت إن قانونها الوطني لا يسمح بـ "إساءة استغلال" صاحبها للحصانة الدبلوماسية.
وبحسب الوثائق، فإن المحكمة العليا الترويجية قضت لاحقًا بأنه ليس من حق الدبلوماسي إساءة استغلال الحصانة في خرق القانون النرويجي، وقضت باستمرار احتجاز العميلين الإسرائيليين، اللذين اعتقلا من شقة الدبلوماسي الإسرائيلي.
وقالت الوثائق إنه رغم محاولات إسرائيل بعد فشل العملية إبعاد الشبهة عنها إلا أن الإدارة العامة للشؤون القانونية في الخارجية النرويجية أبلغت السفير البريطاني حينها باعتراف إسرائيل للنرويجيين بأنها وراء العملية.
وبحسب الوثائق، فقد أبلغ القائم بأعمال رئيس الإدارة السفير البريطاني بأن الإسرائيليين "دافعوا بالقول بأن إقدامهم على عمل من هذا النوع له ما يبرره"، إلا أنه وصف هذا الدفاع بأنه "غير مقبول على الإطلاق لدى النرويجيين".
ووفقًا للوثائق، فقد أشار المسؤول النرويجي نفسه بأن السلطات النرويجية مقتنعة بأن العملية خطط لها رسميًا، وأنها على علم بأن بعض المشاركين فيها هم بالتأكيد موظفون إسرائيليون رسميون.
وقالت الوثائق، إن صحفًا بريطانية نشرت في حينه تقارير تم الترويج لها إعلاميًا في النرويج عن أنالذي نفذ عملية ليلهامر هي فرقة إعدام غير رسمية اسمها "غضب الرب" اخترقها عملاء إسرائيليون رسميون.
إلا أن المسؤول القانوني النرويجي دحض تمامًا هذه التقارير وعبر عن اعتقاده بأنها معلومات تضليلية من قبل الإسرائيليين.
وقالت الوثائق إنه بعد محاكمة جنائية، أدانت المحكمة العليا النرويجية خمسة إسرائيليين بتهمة المشاركة في العملية وصدرت أحكام بسجنهم، غير أنهم قضوا جزءًا منها فقط ثم صدر عفو عنهم.
وتكشف الوثائق أن هذه الحلقة الفاشلة من سلسلة عمليات "غضب الرب"، أثارت قلقًا بالغًا في أوروبا، خاصة في إيطاليا وفرنسا وبريطانيا.
وبحسب الوثائق فإنه بعد أيام من العملية، أبلغ القائمان بالأعمال الإيطالي والفرنسي نظيريهما البريطاني في إسرائيل "بالقلق الذي يساور حكومتيهما بسبب الطريقة التي يستخدم بهما رجال حرب العصابات الإسرائيليون والعرب أراضي الدولتين في حربهما السرية المتبادلة".
وفيما يتعلق بإسرائيل، فإن الاعتراض الإيطالي الأساسي كان هو "عدم حرص" استخباراتها في تنفيذ العمليات التي تستهدف العرب في إيطاليا وأوروبا.
كما كشفت التقارير عن أن القائم بالأعمال البريطاني قدم أيضًا احتجاجًا غير رسمي إلى الخارجية الإسرائيلية حول الأمر.
ووفق تقرير للقائم بالأعمال البريطاني، فإن نظيره الإيطالي قدم احتجاجا غير رسمي إلى الخارجية الإسرائيلية.
وتقول الوثائق إن "إسرائيل" ردت على هذه الاحتجاجات بأنها ترى نفسها مدفوعة لان تنفذ القانون بنفسها دفاعًا عن النفس بعد أن رأت تساهل الحكومات الأوروبية بدرجة كبيرة في تعاملها مع رجال حرب العصابات العرب الذين تعتقلهم.
وبعد سنوات، وبعدما بدا أن عاصفة فضيحة ليلهامر قد هدأت، كتب السفير البريطاني لدى أوسلو إلى حكومته يؤكد وجود "أزمة في العلاقات بين إسرائيل والنرويج".
وتبع ذلك برقية من السفير البريطاني لدى تل أبيب تقول إنه "من الواضح أن القضية مصدر حرج كبير للحكومة" الإسرائيلية.
وقالت الوثائق إن إسرائيل ظلت تتملص من المسؤولية عن قتل الشاب المغربي، حتى اضطرت حكومتها بقيادة شمعون بيريز بعد 23 عامًا إلى دفع تعويضات تجاوزت قيمتها ربع مليون دولار أمريكي لأسرة بوشيخي عن قتل عائلها خطأ، في إطار تسوية أُبرمت في شهر فبراير/شباط 1996.
ووفقًا للوثائق، فقد كانت تلك أول قضية من نوعها تتحمل إسرائيل المسؤولية عنها، رغم أنها لم تعتذر مباشرة عن تنفيذها.
وأعادت النرويج فتح القضية في عام 1990، وفي عام 1998، أصدرت مذكرة عالمية لاعتقال مايك هراري الذي كان يُعتقد بأنه قائد فرقة الاغتيال، لكن السلطات النرويجية أغلقت الملف في العام التالي قائلة إنه سيكون من المستحيل الحصول على حكم بإدانته.
وبحسب الوثائق، ففي شهر مارس/آذار عام 2000، انتهى التحقيق، الذي أجرته لجنة وطنية نرويجية، استمر عامين وخَلص إلى أن عملية ليلهامر "كانت انتهاكًا لسيادة النرويج، وقضية خاصة بكل ما تحمله الكلمة من معنى".
وبرأ التحقيق الشرطة النرويجية من شبهة التآمر مع الإسرائيليين في تنفيذ العملية الفاشلة.
وقال تقرير اللجنة إن تسعة تقريبًا من الذين شاركوا في العملية قد هربوا من النرويج، ومن بينهم هراري قائد فريق الاغتيال.
وكشفت الوثائق أن النرويج لم تفعل الكثير للقبض على المشتبه بهم لاحقًا، إذ قال التقرير"من الواضح أن السلطات النرويجية كانت تتعرض لضغوط".