ناجون ومعتقلون وذوو شهداء يرون للجرمق شهادتهم عن مجزرة شفاعمرو


  • الثلاثاء 3 أغسطس ,2021
ناجون ومعتقلون وذوو شهداء يرون للجرمق شهادتهم عن مجزرة شفاعمرو

قبل 16 عامًا، وبالتحديد في 4.8.2005  فتح الجندي الإسرائيلي نتان زادة النار على فلسطينيين في حافلة نقل الركاب من حيفا إلى شفاعمرو، واستُشهد على إثرها 4 شهداء، أحدهم سائق الحافلة ميشيل بحوث والشقيقتين دينا وهزار تركي والشهيد نادر حايك، وشيعهم أهالي المدينة بجنازات مهيبة جابت شوارع شفاعمرو وحضرها الآلاف من الفلسطينيين من المدن والقرى المجاورة.

ولم يخرج الجندي نتان زادة من مدينة شفاعمرو بعد ارتكابه المجزرة سوى قتيلًا، وعلى إثرها اعتقلت القوات الإسرائيلية آنذاك 7 شبانٍ من شفاعمرو واتهمتهم بقتل الجندي الإسرائيلي إلا أنّ أحدهم لم يعترف بمسؤوليته عن القتل.

مشوار الحلوى تحوّل لشهادة

"خرجتا لإحضار حلوى للعائلة ولم تعودا" هذه كلمات شقيقة الشهيدتين دينا وهزار تركي التي تعود عبر الجرمق إلى عام 2005 تحديدًا، يوم الخميس 4.8، وتقول، "ذهبت دينا وهزار في ذلك اليوم للتسوق في مدينة حيفا، على أن تعودا في توقيت الحافلة ما قبل الساعة الخامسة..لكنّ يبدو أنهما استمتعا بوقتهن وبالتالي اختارتا العودة في الحافلة المشؤومة لكسب بعض الوقت".

وتتابع تركي أن والدتها هاتفت شقيقتيها قبل نزولها من الحافلة، لإخبار هزار أنها نجحت في امتحان الثانوية العامة وأنها تستطيع دراسة التخصص الذي تريد، مضيفةً أنه وبعد هذا الاتصال قررت دينا وهزار استكمال طريقهما الحافلة إلى محطة أخرى لشراء الحلوى فرحًا بالنجاح".

وتضيف تركي، "كانت نية شقيقاتي تقديم الحلوى للعائلة..لكن القدر خبأ لهما نهايةً أخرى"، وتقول تركي إنه كان من المفترض أن تنزل شقيقاتها من الحافلة في محطة سابقة للمحطة المشؤومة.

وتتابع شقيقة الشهيدتين بعد أن حبست دموعها أن شقيقتها دينا تحدثت قبل الحادثة بدقائق مع إحدى صديقاتها التي أخبرتهم لاحقًا أن الاتصال في ذلك الوقت انقطع مع دينا فجأة بعد أن صرخت في نهايته، "عم بقتلونا..عم بقتلونا".

وتُشير تركي إلى أن الأخبار حول الحادثة كانت متضاربة في البداية، وتوالت الاتصالات الهاتفية وتوافدت الحشود إلى منزل العائلة، متابعةً أن شخصيات لم تراها العائلة وصلت للمنزل..لكن لا أخبار واضحة.

البحث عن الشهداء 

وتقول تركي إنها وأمها لم تستطيعا الانتظار بعد أن تواردت الاتصالات للسؤال عن الشقيقتين دينا وهزار، فخرجتا إلى الشوارع وسيارات الإسعاف في مكان الحادثة للبحث عن دينا وهزار والتبيّن إن تصاوبتا في الحادثة أم لا.

وتتابع للجرمق، "عندما كنت اقترب من سيارات الإسعاف، يُبعدني الرجال والنسوة المتواجدون، ويقولوا لي لا تنظري هنا هذه السيارة تحمل ابننا..لا تنظري هنا هذه السيارة فيها مصابٌ لنا.."

وتضيف أنه وبعد مدة عادت العائلة للمنزل، في حين توجه والد الشهيدتين ووالدتمها للبحث في المستشفيات وتقول إنهم تلقوا أسوء معاملة من قبل أمن المستشفى، في حين توجه الوالد لمحطة الشرطة، وحين وصل أغلقت الشرطة البوابات وقالت له، "من يريد إيجاد أبنائه يبحث عنهم بين الجثث".

وتضيف أن العائلة عادت للمنزل لتنتظر الخبر، إلى أن جاء عبر الاتصالات الهاتفية الخبر الأخير،"دينا وهزار استشهدتا".

وختمت تركي حديثها عن شقيقتيها الشهيدتين، "هذا الثمن إلي بندفعه..بفكروا إنهم هيك بأثروا علينا..بس إحنا هون..ولا إشي بأثر علينا".

الجندي..خطط لأيام ونفّذ مجزرته في الحافلة

ويروي ابن سائق الحافلة الشهيد ميشيل بحوث، مارون بحوث للجرمق عمّا رآه وسمعه من والده قبل يوم الحادثة عندما كان يبلغ من العمر 15 عامًا، ويقول إن الجندي وصل إلى شفاعمر قبل يوم من الحادثة بحجة أن النعاس غلبه في الحافلة إلى أن قطع كامل المحطات حتى وصل لأخرها وهي شفاعمرو.

ويتابع بحوث أنه من غير المنطقي وصول جندي إسرائيلي إلى المدينة فمحطات نزولهم سابقة، مشيرًا إلى أن اتضح لاحقًا بأن الجندي الإسرائيلي نتان زادة كان يرصد مسار الحافلة ليعلم متى ينزل آخر جندي منها.

ويضيف أنه بحسب شهادات من كانوا في الحافلة أن والده أراد سؤال الجندي عن سبب قدومه هذا اليوم أيضًا وجلوسه في الحافلة حتى محطتها الأخيرة في شفاعمرو، متابًعا، "لم ينتهِ السؤال حتى فتح الجندي النار على الركاب وقتل البعض منهم ذلك اليوم".

ويصف مارون بحوث شعوره الطفولي آنذاك عندما رفض كل من يأتي إلى منزل العائلة إخباره بأن والده استشهد، وكانوا يكتفون فقط بطمأنته بأن عودة والده ميشيل قريبة، ويقول، "كانوا يصرّون على إخباري أن والدي قد أصيب لكنه سيعود..إلّا أن نظراتهم كانت كافية لأعلم أن والدي لن يعود".

وكان خروج السائق ميشيل بحوث إلى العمل في ذلك اليوم محض صدفة، ففي اللحظات الأخيرة طلب منه زميله العمل في مكانه، بعد أن كان في عطلة لحضور حفل زفاف ابنة أخيه.

محاكمة الضحية

بعد عام من ارتكاب المجزرة على يد الجندي الإسرائيلي نتان زادة، اعتقلت القوات الإسرائيلية 7 شبانٍ من مدينة شفاعمرو بتهمة قتل الجندي في المدينة، واستمرت محاكمات الشبان لحوالي 9 سنوات حُكم عليهم فيها ما بين أشهر إلى 3 سنوات بعد محاولات من النيابة العامة الإسرائيلية إلصاق التهمة لهم، لكن لم يعترف أحدهم بالتهم.

ويقول جميل صفوري أحد المعتقلين الذين خرجوا من الأسر  بعد اعتقالهم ومحاكمتهم على خلفية قتل الجندي زادة للجرمق إن اعتقاله جرى عام 2006 بعد سنة كاملة من المجزرة الأمر الذي جعله يستبعد الظن أن حادثة قتل الجندي هي سبب الاعتقال.

ويتابع صفوري للجرمق، "كانت تلك الفترة تسريبات حول أن المخابرات الإسرائيلية تُحقق في مقتل زادة لكنها أخبار غير واضحة".

ويتابع صفوري أن عملية اعتقاله جرت الساعة 2 فجرًا بعد اقتحام قوة كبيرة من حرس الحدود والمخابرات الإسرائيلية لمنزله، وقاموا باعتقاله دون توضيح الأسباب، مشيرًا إلى أن الاعتقال كان واضح لمن شاهده أن القضية كبيرة.

ويلفت صفوري إلى أن المخابرات الإسرائيلية كانت حريصة على تصوير كامل عملية الاعتقال حتى الوصول إلى مركز التحقيق، مشيرًا إلى أنه تم توقيفه لمدة 25 يومًا في مركز التحقيق اتبعت فيها المخابرات الإسرائيلية الاساليب كافة لإجباره على الاعتراف بتهمة القتل.

ويقول صفوري إن المحققين كانوا يتبعون أسلوب أن أحد المعتقلين اعترف على الآخرين ولا داعي للإنكار، مشيرًا إلى أنهم أحضروا صورًا وأسماء لشبان في إشارة إلى أنهم اعترفوا وذكروا اسمه في التحقيق.

ويضيف أن أسلوبًا آخر قامت به المخابرات وهي إحضار بعض الأشخاص إلى زنزانة التحقيق للحديث عن الحادثة وتبادل الآراء حول قتل الجندي زادة..وأن قتله كان ضروريًا أم لا لدفعه إلى التعبير عن رأيه وقول ما في خاطره.

ويُشير إلى أنه بعد انتهاء فترة التحقيق أطلقت القوات الإسرائيلية سراح الشبان على يظلوا في الحبس المنزلي نتيجة عدم ثبوت التهمة عليهم، مؤكدًا على أن المحاكمات استمرت لمدة 9 سنوات بعد ذلك.

وعانى الشبان الذين تم اعتقالهم فيما بعد بالمحاكمات إذ قضوا حوالي 4 سنوات كاملة بين أروقة المحاكم على مدار أيام الأسبوع، إلى أن عرضت النيابة الإسرائيلية عليهم الاعتراف بالتهمة مقابل تخفيف العقوبة لكن الشبان رفضوا.

ويقول صفوري، "النيابة الإسرائيلية تريد إغلاق الملف وإلصاق التهمة لأي أحد..لكننا لم نعترف"، مشيرًا إلى أن المحكمة عام 2013 حكمت على الشبان بالسجن لفترات مختلفة تتراوح ما بين أشهر حتى 3 سنوات.

يوم المجزرة الشفاعمرية..مشهدٌ قاسي

يروي الصحفي زياد شليوط للجرمق مشهد ما بعد الحادثة عندما وصل إلى الحافلة، ويقول، "رأيت بعض الناس يحاولون الصعود على ظهر الحافلة من شدة الخوف والصدمة"، مشيرًا إلى أنه سمع بخبر إطلاق النار داخل الحافلة وهو في منزله الذي يبعد أمتارًا فقط عن مكان الحادثة.

ويقول إنه ما إن وصل حتى رآى الآلاف متجمهرين أمام الحافلة، وحالة من الذهول مطبقة على وجوه أهالي مدينة، حالة من الخوف والفزغ ينتاب الأهالي، خوفًا من أن يكون أحد ركاب الحافلة من الأقارب أو الأصدقاء أو العائلة.

ويلفت إلى أنه بعد مدة بدأت تتضح تفاصيل الحادثة رويدًا رويدًا، حتى تبيّن أن الاعتداء من قبل جندي إسرائيلي ترّصد للحافلة منذ أيام.

. . .
رابط مختصر



اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة *

مشاركة الخبر