عن سلوان.. المنظر من شبّاك المقاطعة


  • الثلاثاء 29 يونيو ,2021
عن سلوان.. المنظر من شبّاك المقاطعة
  1.جرّافات الهدم تصطفّ على جانبي شارع البستان، الممتد ما بين بئر أيوب ووصولًا إلى عين الماء في البلد. كان هذا الشارع، على مدى أيام الانتفاضة الأولى، ميدان المواجهات الأشد احتدامًا في القدس. 2. في كلّ يوم كان "الشباب" يقومون بإغلاق المفترق الرئيسي، وكانت دوريات حرس الحدود تنزل من "باب المغاربة" نحو القرية. في تلك الأيام: كان الناس يضجرون من تأخر المواجهة إذا ما تأخر الجيش، فيقومون بإشعال إطارات الكاوتشوك، ليتصاعد الدخان الأسود ويستدعي الاحتلال باسمهم. كانت تلك أيّامًا يتعثر فيها الاحتلال في سلوان، ويحاول تأجيل الاشتباك مع الناس فيها، مع أن القرية (كانت سلوان التي تبعد عن سور القدس الجنوبي بمقدار عرض الشارع الفاصل بينهما، تعدّ حتى ذلك الحين: قرية) تقع في قلب اهتمام "إسرائيل". يضيق ليل الناس فيها بالأصوات الفاجرة التي تمتد حتى ما بعد منتصف الليل، احتفالات الصهاينة في الملاهي المطلّة على وادي الرباب، بمكبرات الصوت. الألعاب النارية التي تتفجّر حينما يشرف الناس على النوم، تحضيرًا لأيام العمل الشاقّة في غربي المدينة.. أصوات الخطابات العبرية والصلوات الآتية من حائط البراق، الذي يقع على مسافة بضعة أمتار عن حدود القرية. هنالك اعتاد جنود لواء جفعاتي في كل سنة على أداء قسم اللواء. إلى أن قرر حازم عسيلة، ابن سرايا الجهاد آنذاك، وابن سلوان دائما، قذف قنابله اليدويّة نحو جمهرة الجنود الذين أطلقوا على فوجهم في ذلك العام اسم "فوج الذئب"، موقعًا ثمانين منهم متخبطين في دمائهم، ما بين قتيل وجريح. أذكر ذلك المساء تمامًا. خرجنا من المنزل على دويّ الانفجارات، لتشتعل على امتداد الشارع الملتفّ حول المدينة المقدسة مصابيح سيارات الإسعاف التي نزّ الدمّ منها على الأسفلت إلى أن وصلت إلى هداسا وشعاري تصيدق، أقرب المشافي إلى موقع العملية. لاحقًا، خلال الانتفاضة، حينما كان حازم عسيلة يحمل على أكتافه مؤبداته، وكان رائد، أخاه الأصغر، يحمل أمامنا في الصفّ على كتفه مجد أخيه العالي، صاعدًا من الحارة الوسطى نحو المدرسة التي تحوّل ملعبها إلى ساحة اشتباك دائم مع دوريات حرس الحدود، وحائط الدير اللصيق بها إلى مساحة لتجريب رسم العلم الفلسطيني. والأراضي الخلاء القريبة إلى مخابئ لعتاد القوات الضاربة، أو إلى مساحات يتم اختطافنا منها، أطفالًا، على يد جنود إسرائيل، لكي نُضرب ونهان، فنخرج مسربلين بالشوك والدم والرضوض، والفخر أيضًا (كانت تلك حالة الانتفاضة الذهنية، آنذاك). 3. في شارع البستان: يرتفع دخان الكاوتشوك، وتشتعل المواجهة، كان الموقع يشبه استادًا رومانيًا ضخمًا لمنازلة وحش اسمه إسرائيل، على جانبيه تتراصّ المنازل، متكئة على أكتاف بعضها، وتخرج من أسطحتها الهتافات، وتحطّ في نوافذها قنابل الغاز والمطّاط، وينضج شيء لا نعرف كنهه بين الأزقّة التي تسيل فيها المجاري، والأطفال، والشعارات الجدارية، والثورة. في وسط هذا الـ "كولوسيوم"، وسط ساحة الاشتباك هذه، ترسم قنابل الغاز في السماء خطوطا بيضاء مقوّسة في النهار، وتحط "باراشوتات" القنابل المضيئة في ليلها على أشجار التين في البستان. الأشجار التي خنقها حاجة من اشتبكوا في كولوسيوم سلوان إلى سقف إسمنتي يؤويهم بعد خروجهم من السجون. 4. مصاب سلوان الأول في تلك الانتفاضة، اسمه محمود عودة. أصيب بطلقة مطاطية طيّرت عينه. شهيد سلوان الأول في تلك الانتفاضة اسمه محمد فطافطة، لحقه في اليوم التالي ربحي الشويكي، ولحقهما ثالث بعد ساعات. مطاردها الأول: اسمه جمال دبّس ولكن سلوان التي خرج من رحمها أبو داوود، مخطط عملية ميونخ، وأبو جمال مراغة، شهيد الحركة الأسيرة الأول في إضراب نفحة عن الطعام، وأبو موسى مراغة، المنشقّ الفذّ الأول الذي خرج عن طوع الهاربين من المعركة في لبنان، لم تتوقف عن ضخّ شبابها ودمها نحو القدس في كل هبّاتها. كان قلب سلوان، حتى هذا الصباح، هو قلب الكولوسيوم المتمرّد، شارع عين سلوان. الشارع الذي تصطف جرافات إسرائيل وشرطتها الآن، في هذه اللحظات بالذات، لهدمه. هذا الشارع – القلب. ميدان الاشتباك الرئيسي في القدس، الذي ابتدأ السرطان فيه بمنزل قديم وشبه متهدم، مبني من حجارة صفراء، واسمه "بيت ميوحاس" قبل عشرين سنة، ستطلق عليه اليوم الرصاصة الأخيرة. 5. في هذه اللحظات تماما، ينتشي عسكر رام الله بينما يفتّشون في جوّالات الفتيات التي قاموا بسرقتها من حقائبهن، ولعلّ قيادتهم السياسية في المقاطعة تتأهب، لكي تستنكر مجزرة الهدم التي ستحصل خلال الساعات القريبة في القرية التي تحولت إلى مخيّم، المخيّم الذي تحوّل إلى حيّ، الحي الذي تحوّل إلى مستوطنة، بعد أن تغسل القيادة، ويغسل العسكر، أيديهم من دم الناس في رام الله، ومن دم نزار بنات. وطبعا سيدوّي في الخلفية صوت ياسر عرفات قائلا "سيصعد شبل من أشبال الثورة، وزهرة من زهراتها على أسوار القدس" من أين سيصعدان؟ من ظهر الدوريات المشتركة بالطبع. 6. في الصورة: "هبوب الريح" أحد مطاردي سلوان، من زمن الانتفاضة، قبل أن تخذله كلاشنات السلطة في رام الله، يزرع قدميه في التلّة المطلة على شارع عين سلوان، وينتظر جرّافات إسرائيل.  
. . .
رابط مختصر



اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة *

مشاركة الخبر