زيارة يائير لابيد إلى الإمارات لم تكن مجرّد محطة دبلوماسية روتينية
مقالات

زيارة يائير لابيد إلى الإمارات في الرابع من تموز 2025 لم تكن مجرّد محطة دبلوماسية روتينية، بل جاءت ضمن هندسةاستعمارية ناعمة هدفها إعادة تثبيت النفوذ الإسرائيلي في المنطقة بغطاء عربي وتنسيق إعلامي محسوب.
أبو ظبي التي تبنّتموقعًا إقليميًا متقدّمًا منذ توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية أصبحت فضاءً لتفاهمات خلف الكواليس مع تل أبيب وامريكا، في لحظةسياسية تتزامن مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة، والهجوم الأمريكي الإسرائيلي على إيران، والتصعيد على الجبهةاللبنانية، واستمرار احتلال الجولان، والتدمير الممنهج لقدرات الجيش السوري، كل ذلك يجري تحت مظلة "الشرق الأوسطالجديد" الذي تصاغ فيه التحالفات الإقليمية وفق منطق الهيمنة الإسرائيلية المدعومة أمريكياً، ويُعاد فيه تدوير الاحتلال ليبدووكأنه إعادة بناء إقليمي وليس استمرارًا للاستعمار.
لابيد لا يحمل مشروعًا جديدًا، بل يُعيد إنتاج النسخة الناعمة من الاستعمار الصهيوني، مستفيدًا من أدوات الإعلام والدبلوماسيةلتسويق أهدافه التوسعية، على غرار شمعون بيرس الذي طرح مفهوم السلام الاقتصادي"كواجهة لإدامة الاحتلال، يتبنّى لابيدسردية التعايش والانفتاح في العلن، بينما في الجوهر يكرّس بقاء الجولان تحت الاحتلال، ويعمل على تفكيك المقاومة في غزة،ويضغط لتحجيم النفوذ الإيراني وحزب الله بالتنسيق مع حكومة لبنانية متماهية مع المشروع الصهيوني وأجندة واشنطن. أسلوبهيختلف عن نتنياهو شكليًا، لكنه لا يقل عنه في التبعية للرؤية الاستعمارية، بل يتفوّق عليه في الترويج لها من خلال خطاب ناعميجذب منابر إعلامية عربية باتت توفّر له منصات مريحة.
خلال لقائه على قناة "سكاي نيوز عربية" مع الإعلامي المصري عماد الدين أديب، قدّم لابيد سردية مخادعة تؤكد أن إسرائيللا تحارب إلا حركة حماس، متجاهلًا الحقائق التي توثّق مقتل وجرح أكثر من 56 ألف مدني في غزة، معظمهم من النساءوالأطفال. كما تجاهل مقتل 600 مدني إيراني في الغارات الأخيرة، محاولًا الفصل بين النظام والشعب بطريقة تخدم الروايةالإسرائيلية دون الاعتراف بالضحايا. دعوته للسلام مع سوريا جاءت مشروطة ببقاء الجولان تحت السيطرة الإسرائيلية، فياستمرار لنفي الحقوق الوطنية للشعوب ومقايضة الأرض بالتفاهمات السياسية. هذه اللغة الناعمة لا تبرر سوى الاستعمار بلغةمقبولة، وتسوّق العنف كضرورة أمنية.
لابيد لا يُمثّل انفتاحًا سياسيًا حقيقيًا، بل امتدادًا لسياسات بيرس الذي سوق لاستعمار الأرض عبر الاقتصاد والدبلوماسية بدلًا من الدبابات فقط، يتحدث بلغة السلام، ويرتدي قفازات من حرير، لكنه يسير بثقة نحو تنفيذ المشروع الاستيطاني ذاته الذي يستهدف كسر إرادة الشعوب ومصادرة حقوقها، إنه تجسيد للاحتلال الذي يتقن تبرير القتل بلغة إعلامية محسوبة، ويستغل المنصات العربية لتطبيع وجه الاحتلال وتقديمه كبديل مقبول، في حين أن الحقيقة تُشير إلى أن السلام في قاموسه هو تعبير جديد عن الهيمنة والاستعمار. وهذا كله يثبت أن لا وجود فعليًا اختلاف بين ما يُسمى يسارًا ويمينًا في السياق الإسرائيلي، فالجميع ينضوي تحت تيارات صهيونية موحّدة في أيديولوجيتها القائمة على الاستعمار والسيطرة الإقليمية، أما مفهوم اليسار الإسرائيلي فقد صيغ بتواطؤ بعض النخب العربية والفلسطينية التي آثرت التعايش مع منظومة الاحتلال على خيار التحرر الحقيقي، مما ساهم في تسويق أوهام السلام والازدهار ضمن حدود الهيمنة الصهيونية الامريكية.