الانقلاب يبدأ في المعارضة الإسرائيلية


  • الثلاثاء 10 يونيو ,2025
الانقلاب يبدأ في المعارضة الإسرائيلية
غانتس ولابيد

تقديم: بخلاف تعنته السابق أعلن رئيس المعسكر الرسمي بيني غانتس عن قبوله بإجراء انتخابات تمهيدية تشمل رئاسة الحزب. لم يحدد غانتس الموعد مؤكدا انه سيكون في الأشهر القريبة ويشمل فتح باب العضوية للحزب.
وفقا للاستطلاعات فإن حزبي المعسكر الرسمي (غانتس) ويوجد مستقبل (لبيد) يتراجعان جوهريا في شعبية كل منهما وبات الحزبان ضمن الأحزاب الصغيرة وغير الحاسمة في المستقبل السياسي للبلاد.
من المستبعد حتى اللحظة ، أن تتوفر يوم الأربعاء 11 حزيران/يونيو اغلبية برلمانية لإسقاط الحكومة وحل الكنيست، الا ان اجواء الانتخابات بدأت تسيطر على المشهد السياسي الاسرائيلي.

قراءة:

مع الحديث عن الانتخابات للكنيست الاسرائيلي، بدأت محاولات جس نبض اصطفافات جديدة قد تغير الخارطة السياسية القائمة بشكل كبير. فيما تشير الاستطلاعات إلى تراجع قوة كتلة أحزاب الائتلاف الحاكم الى نحو 49 نائبا من أصل 120، مقابل 61 لكتلة المعارضة الحالية ونحو 10 نواب للأحزاب العربية.

يسود الاعتقاد بأن هذه الفجوة بين كتلة المعارضة وكتلة الائتلاف الحالي هي حاسمة بما فيه الكفاية ومفادها نهاية حكم نتنياهو، إلا أن الأمر ليس كذلك. يسعى نتنياهو، والذي يطمح بمواصلة رئاسة الحكومة، الى ضمان كتلة مؤيدة من 50 نائبا وما فوق. إذ يراهن على الذهنية السائدة وحصريا منذ السابع من تشرين/أكتوبر 2023، والحازمة بصدد عدم شرعية أية حكومة إسرائيلية تعتمد على حزب أو أكثر من الاحزاب العربية حتى ولو من باب ما يطلق عليه “الكتلة المانعة” ، اي الدعم من خارج الانضواء في الائتلاف الحاكم. وفقا لهذا الموقف الذي يشهد شبه اجماع صهيوني بما فيه موقف رئيس المعارضة لبيد، فإن حصول كتلة اقصى اليمين على خمسين نائبا، يعني ان المعارضة الحالية لن تملك القدرة على تركيب ائتلاف جديد يدفع نتنياهو الى المعارضة وإنهاء حياته السياسية. بل ان حكومته ستكون حكومة تصريف اعمال حتى وإن جرت انتخابات أخرى في حال انقضاء المهلة الزمنية لتشكيل ائتلاف حاكم. وقد حصل مثل هذا الأمر ما بين السنوات ما بين 2019 و2020. في المقابل يرى نتنياهو أن الفرصة لم تفت بعد، وانه لا تزال احتمالات لتجاوز حزب الصهيونية الدينية (سموتريتش) نسبة الحسم او لخلق اصطفاف حزبي جديد يضمن ذلك، حتى ولو على حساب رئاسة سموتريتش لحزبه، كما أن نتنياهو ينوي اقامة حزب وظيفي يميني الى جانب الليكود يستقطب شخصيات يمينية ذات بعد أمني وعقائدي، وذلك كي يضمن تعويق انزياح اوساط من كتلة اليمين لصالح نفتالي بنيت والذي بات حاليا المنافس الأقوى لـ نتنياهو يتفوق عليه بالملاءمة لرئاسة الحكومة ويضاهي الليكود في عدد النواب.

مناورات نتنياهو لوقف الانهيار:

حاليا تبدو احتمالات تجاوز حكومة نتنياهو لحجب الثقة معقولة رغم أن كل الاحتمالات واردة. لقد نجح نتنياهو ومعه رئيس حزب شاس الحريدي اليهود من أصول مغاربية وشرقية بإحداث تصدع في كتلة الأحزاب الحريدية، سواء التوتر بين توجه المرجعيات الدينية وبين الكتلة البرلمانية، أم بين حزب شاس وحزب يهود التوراة، المركب من حزبين حريديين من اليهود الاشكناز (من أصول شرق أوروبية) وهما حزب ديغل (علَم) التوراة وحزب أغودات يسرائيل، وهذا الأخير ممثل حاليا بثلاثة مقاعد في الكنيست وتنبيء له الاستطلاعات مضاعفة قوته إلى سبعة نظرا لموقفه الصارم من رفض تجنيد الحريديم للجيش ورفض فرض أية عقوبات على من يتم استدعاؤه ويرفض الامتثال للخدمة. فيما أن هذا التيار يقف في خط المواجهة مع تيار الصهيونية الدينية الذي يشكل تهديدا سياسيا وجوديا عليه، كما أنه يتعارض معه في مسألة “الحرب المفتوحة والابدية”، كما يتعارض معه بصدد عقيدة “فداء الأسرى” ودعمه لصفقة تبادل شاملة. بالاضافة الى ذلك فإن تيار اغودات يسرائيل يشهد تحولا نحو عدم الرهان على التحالف مع الليكود والذي بدأ منذ العام 1977 فيما يعرف بالانقلاب الكبير وتحول الليكود الى الحزب الحاكم وتراجع حزب العمل.
في حال لم ينجح مشروع قانون حجب الثقة عن الكنيست، فإن أجواء الانتخابات بدأت تسيطر، ويبدو من المحتمل ان يتم التوافق قريبا على موعد لانتخابات الكنيست يريده نتنياهو حسب تقديراته ليكون الأفضل لليكود. كل ذلك اذا لم يقرر نتنياهو المغامرة في تأجيل إجراء الانتخابات لما بعد 2026 بذريعة الحرب. يشهد على ذلك الخطاب اليميني الذي يتعامل مع الانتخابات في زمن الحرب باعتبارها خطوة غير شرعية أو كما وصفها سموتريتش تعني “التخلي عن الانتصار” في غزة والحرب متعددة الجبهات.

ارتفاع شعبية حزب الديمقراطيين على حساب معسكر الوسط:

ارتفعت بشكل ملحوظ شعبية حزب الديمقراطيين برئاسة الجنرال يائير غولان. يشكل الحزب دمجا بين حزبي العمل وكتلته من أربعة نواب، وحزب ميرتس الذي أخفق في الانتخابات السابقة ولم يتجاوز نسبة الحسم. تصل حاليا وفقا للاستطلاعات باحتمال الفوز بنحو 14 مقعدا والمنحى هو الارتفاع. تعزو معظم التحليلات الاسرائيلية هذا الارتفاع الى شخصية رئيس الحزب، وجرأته على تحدي الإجماع السائد ومساعيه لطرح بديل سياسي أمني لنتنياهو بما فيها بالشأن الفلسطيني، وعدم الانضواء تحت شعارات رفض الانقلاب القضائي والدفاع عن النزعات الليبرالية الصهيونية.

يكشف ارتفاع شعبية حزب الديمقراطيين حجم التقهقر في حزبي المعارضة الأساسيين بقيادة كل من غانتس ولبيد. يبدو أن لبيد هو الخاسر الاكبر اذ يتحول حزبه الى حد ما الى حزب هامشي وليس حزبا ينافس على السلطة. بل ترى الخبيرة الإعلامية ايريس لعئيل في هارتس 8/حزيران بأن لبيد قد أنهى مسيرته السياسية، وكذلك الامر بالنسبة الى غانتس. تعزو الاعلامية هذا التحول الى انضواء كل منهما تحت شعار نتنياهو الفارغ من المضمون “معا ننتصر”، بالإضافة إلى “الإسناد الذي قدماه لنتنياهو في إدارته للحكم وللحرب، مقابل القناعة بأنها حرب تدميرية ومعدومة الأهداف”، كما تتهم لبيد بأن عداءه للمتدينين الحريديم معارضته الشرسة للانقلاب القضائي والتي سبقت الحرب، إنما هي هروب من جدول الأعمال الحقيقي، في اشارة منها الى رفضه لشعارات تحمل صور اطفال غزة وضد الاحتلال. الا ان تزايد قوة يائير غولان تثبت وفقا لها العكس، بأنه فقط من خلال مشروع سياسي بديل ممكن تغيير حكومة نتنياهو.

أزمة حزب غانتس مع صعود نجم بينيت :

موافقة غانتس على إجراء انتخابات تمهيدية ولاول مرة في حزبه هو قرار اضطراري وذلك نظرا لاحتمالية انسحاب أعضاء مركزيين من حزبه والانضمام الى حزب بقيادة نفتالي بينيت. ثم إن احتمال تنافس رئيس الأركان السابق غادي ايزنكوت على رئاسة الحزب، يمكن أن تعيد الحيوية الى هذا الحزب. إذ يحظى ايزنكوت بشعبية واسعة أكثر من غانتس، ومن خارج الأوساط التقليدية التي تؤيد حزب المعسكر الرسمي. إلا أنه يأتي بمشروع لتوحيد المعارضة وحصريا المركز السياسي بما فيه مع لبيد حتى ولو كان التحالف برئاسة لبيد، مع التنويه بأن معظم الاستطلاعات تمنح ايزنكوت شعبية أوسع من لبيد وكذلك صدقية سياسية وكونه مقبولا على تيارات استبعدها لبيد وحصريا المتدينين الحريديم.
يبقى المتغير الأكثر أثرا لغاية الآن هو دخول نفتالي بينيت المعترك السياسي سعيا لرئاسة الحكومة، وهو المقبول أمريكيا من باب العودة إلى “إدارة الصراع وتقليصه” بدلا من الحرب المفتوحة والحسم، وهو الذي يشق الى حد ما كتلة مصوتي اليمين بشكل يكفي لاستبعاد نتنياهو وحلفائه عن السلطة بتوفير غالبية بنحو 65 عضو كنيست مقابل 45 للائتلاف الحاكم حاليا، وهي أغلبية ثابتة وحاسمة وفقا للاستطلاعات على مدار أسابيع.

مخارج أزمة تشكيل قائمة عربية موحدة:

تشكل الأحزاب العربية كتلة ثابتة ايضا بعشرة مقاعد، بينما هذا التقدير في الاستطلاعات مبنى على الخارطة السياسية العربية كما خاضت انتخابات 2022 والانقسامات التي رافقتها وأدت إلى إهدار نحو مائتي ألف صوت. حاليا المسعى المبني على مبادرات حوارية بين الأحزاب هو إعادة تشكيل القائمة المشتركة لكل الأحزاب العربية وتوسيعها من خلال انضمام اجتهادات وأحزاب جديدة. هناك خلاف جوهري حول إذا ما كانت قائمة انتخابية سياسية ملزمة بمشروع سياسي مشترك وبموقف موحد من اي ائتلاف حاكم، أم قائمة انتخابية فنية يشكل كل حزب من مركباتها كتلته من ضمن المنتخبين للكنيست، ويحدد سياساته بشكل مستقل عن الآخرين. الاحتمال الاخر هو التوافق على قائمتين تتعاونان في السعي لرفع نسبة التصويت وتعقدان اتفاق فائض اصوات لضمان أوسع تمثيل. في حال قائمة مشتركة واسعة من المحتمل ان تحصل على ما بين 15-17 مقعدا في الكنيست، مما يجعلها كتلة مؤثرة على السياسات وعلى الاصطفافات والقاسم المشترك فيما بينها هو إسقاط حكومة نتنياهو سموتريتش بن غفير وإدخال المساعدات الانسانية وقف الحرب على غزة والاعمار والتصدي لمنظومة الجريمة والدفع نحو إنهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطينية، كذلك السعي للتخلص من تداعيات الحرب القمعية المدمرة على وجود المجتمع العربي الفلسطيني مواطني إسرائيل. ان هذه القوة وبقدر ما تهدد بقاء اقصى اليمين في الحكم ستشهد مساع لنزع شرعيتها وشطب قوائمها وحظر مؤسساتها.

للخلاصة:
• سواء سقطت حكومة نتنياهو في الأيام المقبلة ام تجاوزت مشروع قانون نزع الثقة، الا ان اجواء الانتخابات الاسرائيلية باتت تتصدر جدول الأعمال السياسي.
• فرص التغيير السياسي قائمة، إلا أنها بعيدة عن أن تكون محسومة.
• احتمالية اسقاط حكومة نتنياهو وحلفائه واردة بقدر ما يتم إجراء تغييرات جوهرية في المعارضة الاسرائيلية على مستوى الشخوص والبرامج والنهج.
• تثبت تجربة المعارضة وتقهقرها، بأن الطريق لإسقاط حكومة نتنياهو يمر من خلال توفير بديل سياسي للحكومة وحصريا في مسألة وقف الحرب على غزة والضم الزاحف في الضفة ووقف العنصرية وسياسات التطهير العرقي في الداخل الفلسطيني.
• لا تتوفر احتمالات تغيير جوهرية اسرائيليا، بل ان البدائل الأكثر ترجيحا هي في حكومة يمين وسط صهيوني، وكل توقع أكثر من ذلك يندرج في الوهم السياسي.

 

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر