نتنياهو: عين على الفلسطينيين وعين على الائتلاف

بغالبية 66 نائبا وبمعارضة 52 أقر الكنيست يوم 25/3/2025 الموازنة الاسرائيلية للعام 2025. في خطابه امام الكنيست في اليوم التالي، اكد نتنياهو: “لم يتوقف الامر عند حقيقة ان الحكومة لم تسقط بالأمس، بل إن الائتلاف الحاكم اليوم أكثر استقرارا وقوة مما كان عليه في بداية الحرب. وهو يعبر عن إرادة الشعب. الشعب يريد إسرائيل قوية. الشعب يريد إسرائيل المنتصرة”. وفي رده على فرضية المعارضة بأن الدمقراطية في خطر قال: “ليست الدمقراطية في خطر، بل ان من يواجه الخطر هو سلطة الموظفين والدولة العميقة” متوعدا بمواصلة تجاوز ما تبقى من عقبات امام حكومته وحصريا تعيين رئيس جديد لجهاز الامن العام الشاباك ومواصلة اجراءات اقالة المستشارة القانونية للحكومة.
اضاف نتنياهو مدافعا عن اصراره على العودة الى الحرب المكثفة على غزة بأنه “كلما أصرت حماس على رفضها إطلاق سراح رهائننا، سنزيد من قوة الضغط التي نستخدمها. أقول لحماس – هذا يشمل الاستيلاء على الأراضي، وهذا يشمل خطوات أخرى لن أفصلها هنا”.
قراءة:
• يدرك نتنياهو ان تجاهل الصيغة المصرية غير مبرر إسرائيليا، إذ ان عودة خمسة أسرى كدفعة اولى تليها دفعات، هو في مقدمة الاهداف المعلنة للحرب الاسرائيلية. ثم انها صيغة عملانية وقابلة للتحقيق سعيا للعودة الى مسار الصفقة واطارها باتجاه الولوج في المرحلة الثانية منها وهذا ما يسعى لتجنبه. يسرِع نتنياهو وأركان الجيش مساعيهم لخلق واقع جديد على الارض الغزية على نحو توسيع مناطق السيطرة الاحتلالية الاسرائيلية وتضييق مناطق التواجد السكاني الفلسطيني بدفعهم الى داخل القطاع وحصرهم داخل المنطقة العازلة الالتفافية على القطاع.
• في ظل الحملة الفتاكة المكثفة على غزة يسعى نتنياهو لاستكمال مسيرة تغيير هوية الدولة ومنظوماتها وحصريا الامنية والقضائية، مما يتيح له تطبيق مخططاته النابعة من رؤيته وعقيدته دونما معوقات قانونية او اجرائية او امنية ومعظمها مخططات على الساحة الفلسطينية وحصريا على الضفة الغربية.
– في المخططات تجاه الضفة الغربية يتكامل نهج نتنياهو مع الدور الوظيفي الذي حدده لكل من سموتريتش وبن غفير، اذ ان جوهر مسعى رئيس الحكومة هو منع قيام دولة فلسطينية، وتوسيع حدود اسرائيل الامنية الاستيطانية – وهي مترابطة وفقا لذهنيته – لتشمل ضم مناطق شاسعة في الضفة دون الاعلان عنه رسميا، مما يحول دون احتمالية تشكل اية كيانية فلسطينية ؛ ويشمل ذلك السيطرة على شمال الضفة والاغوار ومنطقة جبال الخليل لتشكل جميعها بمثابة “منطقة عازلة” احتلالية، تدفع السكان الفلسطينيين كما في غزة الى داخل حدود هذه المناطق العازلة.
• مع التغيير الجوهري في هوية الجيش من عقيدة الصهيونية الدولانية الى عقيدة الصهيونية الدينية، يصبح الجيش في خدمة المستوطنين ووظيفته حمايتهم وحماية اعتداءاتهم. نظرا لتعثر المشروع الاستيطاني في استقطاب اوساط اسرائيلية من داخل الخط الاخضر للاستيطان في الضفة انتقلت استراتيجية الاستيطان الى المستوطنات الرعوية القائمة على اقل عدد من المستوطنين وأحيانا افرادا يُمنحون مناطق شاسعة لرعاية قطعان الماشية الممنوحة لهم او التي نهبوها من الفلسطينيين في المناطق المصنفة ج مثل مسافر يطا والاغوار نموذجا.
• في المقابل فإن وظيفة بن غفير محصورة أكثر في القدس وتغيير الوضع القائم في الحرم والاقصى بفرض الصلاة اليهودية وحصريا الاستيطانية فيه بخلاف موقف الحرديم ومرجعياتهم الدينية. فيما يصرح نتنياهو بشكل منهجي بأن الوضع القائم على حاله، الا انه يمنح بن غفير حرية العمل لتغييره جوهريا، هذا ناهيك عن انتهاكات الاخير الفظيعة لحقوق الاسرى الفلسطينيين واتاحة المجال لمنظومات الجريمة في استباحة الأمن والأمان بين فلسطينيي48 مواطني اسرائيل مرفقا ذلك بالملاحقات السياسية ونزع الشرعية المتواصل.
• فعليا، لا يمكن الفصل بين مساعي نتنياهو للإبقاء على حكمه وبين التصعيد تجاه الفلسطينيين، اذ يشكل هذا المركب الاخير بالإضافة الى اغداق الميزانيات على الاحزاب الحريدية، الاساس لتماسك ائتلافه وتعززه كما لم يكن يوما منذ السابع من تشرين/اكتوبر 2023، فيما ان ضعف المعارضة البرلمانية بات من اهم مسببات حفاظ نتنياهو على حكمه، مما يدفع الى اتساع دائرة الاصوات التي تطالب غانتس ولبيد بالتنحي عن قيادة المعارضة.
• مقابل خواء المعارضة المركزية من مشروع سياسي بديل لنتنياهو، يواصل الاخير نهج تقويض “الدولة العميقة” و”استبداد الموظفين” في اشارة منه الى رأسي الهرم في خطة استهدافاته الحالية وهما رئيس الشاباك رونين بار الذي يتهمه اقطاب الائتلاف بالخيانة نظرا لخلافه مع نتنياهو ويهاجمه بن غفير جسديا، والمستشارة القانونية للحكومة غالي بهراف ميارا التي يتهمها الائتلاف بأنها المعوقة لتنفيذ سياساته. يضاف الى ذلك الاعتماد على ليفين وزير القضاء الموالي له بإحداث تغيير جوهري دستوري في تركيبة لجنة تعيين القضاة لصالح فرض غالبية مطلقة للائتلاف الحاكم، مما يعني تطبيق النموذج الذي نجح في الشرطة والجيش وتعيين قيادات على اساس مبدأ الولاء للوزراء وليس للقانون، ليصبح تعيين القضاة على اساس الولاء الشخصي والسياسي قبل القانوني.
• وفقا للمعطيات وتوازنات القوى السياسية الاسرائيلية الداخلية فإن الغلبة تبدو لصالح السلطة التنفيذية اي حكومة نتنياهو، ولا يزال يحظى بمساحات مناورة واسعة بعد ان تجاوز عتبة الموازنة للعام 2025، وباتت امكانية تثبيت ائتلافه حتى موعد انتهاء دورة الكنيست الحالي في العام 2026 وقد ينجح في اطالة امد حكمه بذريعة الطوارئ وأن حالة الحرب المعلنة لا زالت قائمة منذ 2023.
• من غير المستبعد ان يقوم نتنياهو وائتلافه المتماسك فعليا بإعلان انتخابات مبكرة خلال العام الجاري 2025، اذ ان خطوة من هذا القبيل تتيح له منع توافق المعارضة ومنع تشتت اليمين، وبالأساس لا تتيح لرئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت العودة للحياة السياسية وتشكيل حزب انتخابي يميني عقائدي من شأنه ان يحدث انقساما حقيقيا في كتلة مصوتي اليمين لكن ضد نتنياهو، وسعيا لتصدر بينيت للحكومة القادمة، فيما ان نتنياهو يبدو معنيا ببقاء كل من غانتس ولبيد في قيادة المعارضة لكونه يدرك انهما لا يشكلان تحديا حقيقيا لاستمرار حكمه.
• فيما يرى نتنياهو ان التغييرات الدستورية التي يجريها ستتيح شطب الاحزاب العربية او جزء منها مما يعزز غالبية يمينية في الكنيست.
للخلاصة:
** يبدو ان احتمالات بقاء نتنياهو وائتلافه في الحكم في اية انتخابات في العام الجاري او العام 2026 لا تزال قوية بشكل لافت. الا إذا حصل تشتت في كتلة الجمهور اليميني.
** في حال اضطر نتنياهو لقبول الصيغة المصرية للصفقة في غزة، قد تشهد الضفة الغربية تصعيدا احتلاليا يرافقه ضم مناطق فعليا حتى وان لم يعلن عنه رسميا.
** تصبح اهداف وغايات اليمين الحاكم من وراء التغييرات الدستورية واستهداف الدولة العميقة، اكثر وضوحا وهي تغيير هوية الدولة ومؤسساتها بروح اليمين العقائدي بما فيه الصهيونية الدينية والكهانية؛
**. هذا التحول، بتوحيد اليمين العقائدي على اساس التصعيد الاحتلالي الاستيطاني في الضفة الغربية يستهدف شعب فلسطين وتصفية قضيته ومقومات حقوقه بالكامل.