مآلات تهديدات قائد الأركان الاسرائيلي الجديد بعام حرب إضافي

غداة تعيينه رئيسا للأركان وعشية لقاء نتنياهو مع ترامب في البيت الأبيض، صرّح الجنرال أيال زمير بأن العام 2025 هو عام القتال. فيما أعلن رئيس المعارضة لبيد ومن غلاف غزة بأنه على الادارة الامريكية ان تعرف بأنه لا توجد مطبات سياسية تعوّق على نتنياهو انجاز المرحلة الثانية من الصفقة.
وفقا لصحيفتي يسرائيل هيوم وهآرتس، فإن ترامب مصرّ على انجاز الصفقة بكل مراحلها بما فيه انهاء الحرب. وتفيد التقديرات بأن نتنياهو لن يتنكر لالتزامه بالصفقة ولا يملك القدرة على المناورة امام ترامب في هذا الصدد الا إذا غير الاخير موقفه، وفي المقابل، اذا نجح نتنياهو من خلال الكابنيت ادخال شروط الى الاتفاق في المرحلة الثانية “لا تقبل بها حماس” وعندها سيبدو الرفض فلسطينيا. فيما أعرب بن غفير عن امله في ان يعود نتنياهو من واشنطن وفي جعبته قرار بتصفية حماس وليس اقامة دولة فلسطينية.
قراءة:
– لم يحدد زمير جغرافية الحرب، بل أبقاها ضمن الغموض، مما يتيح مجالا للتأويلات بصدد مقصده، فهل يقصد على غزة ام على الضفة الغربية التي اعلنتها الحكومة جبهة حرب، ام لبنان ام إيران؛ فالساحة المستعرة حاليا من قبل الاحتلال هي الضفة الغربية حيث يتسع نطاق العدوان عليها بأساليب تحاكي حروب الدمار الشامل وحصريا في مخيم جنين حيث يتم تفجير متزامن لمربعات سكنية بكاملها، وتهجير لغالبية سكانه بعد تدمير ممنهج للبنية التحتية وجعله غير قابل للحياة. كما يتوعد الجيش بالبقاء في المخيم لفترة غير محدودة.
– هناك من يعزو هذه التصريحات الى الاولويات التي سيضطر زمير بعد تسلمه المنصب الى اجرائها، وفي مقدمتها بناء الجيش وقدراته بما يتناسب مع متطلبات المرحلة والتي تبدو الاكثر تعقيدا منذ حرب 1973. كما يروّج زمير الى عقيدته المختلفة جوهريا عن عقيدة “الجيش الذكي والمقلص عدديا” والتي يعد ايهود باراك وأفيف كوخافي من أبرز رؤساء الاركان الذين ساروا على هديها. يرى زمير ان الصدارة تعود الى الحرب البرية والتي يُدمج سلاح الطيران والاستخبارات فيها.
– في المقابل فإن زمير الذي اشغل منذ كانون ثان/يناير 2023 منصب المدير العام لوزارة الامن وسبق ذلك، مساعدا عسكريا لرئيس الوزراء نتنياهو، ملمّ ايضا في التعاطي مع مواقع اتخاذ القرار والتأثير عليها، وحصريا وزارة المالية التي تقرّ كيفية صرف ميزانيات الجيش. وفي ظل الحكومة الحالية نجح وزير المالية سموتريتش وهو الوزير في وزارة الامن أيضا، في ابتزاز الجيش لصالح سياسته ودفعه للتنازل عن منظومة الادارة المدنية الاحتلالية في الضفة. وإذ يسعى زمير وبمثابرة، وحصريا على ضوء تجربة الحرب على غزة وتداعياتها، الى ان تتخذ الحكومة قرارا استراتيجيا باعتماد مبدأ الانتاج الذاتي الاسرائيلي للذخيرة بكل انواعها وعدم الركون الى التزامات الولايات المتحدة والتي استخدمتها ادارة بايدن السابقة اداةً لضبط قرارات الحكومة وتحديدا قبل اجتياح رفح وتدميرها.
– بناء عليه هناك تقديرات اسرائيلية بأن الغاية من تصريحاته هي سياسية اسرائيلية لضمان زيادة جوهرية في ميزانيات وزارة الامن وفي الانفاق على الجيش، اذ ان الكنيست سوف يقر ميزانية الدولة في نهاية اذار/مارس 2025.
– في مراجعة لما يسمى بعقيدة زمير التي بلورها ما بين السنوات 2008 بالشأن الفلسطيني و2022 بالشأن الايراني والاقليمي، فإنه يسعى الى قيادة الجيش ليكون ا هجوميا وفتاكا من جهة، ومن الناحية الاخرى تطبيق عقيدته التي اعتمدها الجيش والقائلة بضرورة تصفية قيادات التنظيمات الفلسطينية من اجل حسم المعركة. ووفقا له فإنه يعتبر ان العناصر الميدانية التي تقوم بالعمليات ليست بالضرورة ايديولوجية بينما القادة هم العقائديون الا انهم “لا يدفعوا الثمن بل العناصر”، بناء عليه فإن ردعهم يكون من خلال تدفيعهم الثمن باستهدافهم شخصيا اينما كانوا. ثم ان استهدافهم وفقا له، يهدد بنية تنظيماتهم وحتى تقويضها. في هذا الصدد فإن اعلان عام 2025 عاما للحرب، قد يكون على هذا النمط في حال حسم ترامب الموقف بإنهاء الحرب على غزة.
– في الشأن الايراني، فقد تم تطبيق العقيدة القائلة بتفكيك “طوق النار” ووحدة الساحات، وذلك مع حزب الله ، الذي ارادها حرب اسناد واسرائيل ارادتها حرب تقويض. ثم ان سقوط النظام السوري والحالة التي نتجت عنه شكلت ضربة محورية كبيرة الاثر للاستراتيجية الايرانية ولكل مفهوم الحرب متعددة الجبهات؛ وباتت ايران اكثر انكشافا وفقا لتقديرات الجيش الاسرائيلي. هذه العقيدة التي اعتمدها الجيش وأستعد لها نحو عقدين من الزمن، تتطابق مع عقيدة زمير.
– اذا وصلت واشنطن الى اتفاق نووي جديد مع ايران واستبعد الحل العسكري، تبقى ادارة الحرب اسرائيليا على خيارها من خلال عمليات يقوم بها “الموساد”للتخريب على المشروع النووي الايراني والصاروخي وصناعة المسيّرات. وفقا للورقة الاستراتيجية التي أعدها زمير لصالح معهد واشنطن عام 2022، فإنه وبعد تفكيك الاستراتيجية الايرانية “الحرب بالوكالة”، فمن الوارد ان يخطط الجيش الى مهاجمة إيران عسكريا في اراضيها.
– تبقى الجبهة الاكثر اشتعالا خلال مراحل الصفقة في غزة، هي الضفة الغربية والتي تم تضمينها من قبل الحكومة في “جبهات الحرب” ويتم استهدافها وحصريا شمالها والمخيمات على نمط التطهير العرقي والدمار الشامل. وهو يتماشى مع فكرة الضم، بعد ان أعلن سموتريتش بصفته الوزير في وزارة الامن، واستنادا الى الخطوط العريضة للحكومة، ان العام 2025 هو عام الضم. وهذا يندرج ضمن الهدف البعيد المدى الاول لنتنياهو وهو منع قيام دولة فلسطينية. ثم ان التقديرات الاسرائيلية تتوقع ان تنفجر الاوضاع في الضفة في حال لم يكن تحرك دولي او إملاء امريكي وهذا الاخير مستبعد. مما يعني ان الحرب على الضفة الغربية ليست شأنا آنيا فحسب بل تنحو نحو الاستدامة والتوسع.
– في حال تجدد الحرب على غزة وهو احتمال قائم وخطير رغم استبعاده وفقا للمعطيات الحالية، فإن اعتبار العام 2025 عاما للحرب حسب زمير يقود الى السعي لترحيل الفلسطينيين وتهجيرهم جماعيا، بعد “شرعنته” من قبل ترامب وبإطار “انساني” بهدف تسهيل عملية الاعمار.
الخلاصة:
** تحتمل تصريحات رئيس الاركان الاسرائيلي الجديد زمير تأويلات متعددة، وجميعها عدوانية رغم الضبابية التي اسبغها على جغرافية الحرب وفي اية جبهة او جبهات.
** تدلل تصريحاته على ان الجيش بات منصاعا أكثر لروح المستوى السياسي الاكثر يمينية.
** لا يزال الشعب الفلسطيني يواجه تحديات وجودية وكارثية بغض النظر من يقود الجيش والسياسة في اسرائيل في المدى المنظور. كما ان المطالبة الفلسطينية الرسمية بتدخل دولي لوقف العدوان على الضفة تصب في الاتجاه الصحيح.
** ترجح التقديرات بأن مفتاح الحرب او انهائها موجود في واشنطن وليس في تل ابيب