هل بات الشتات يحمي اليهود أكثر من “دولة اليهود”؟

منذ السابع من


  • الاثنين 19 أغسطس ,2024
هل بات الشتات يحمي اليهود أكثر من “دولة اليهود”؟
توضيحية

منذ السابع من أكتوبر يكثر الحديث اسرائيليا عن موجة من الهجرة إلى الخارج، وحصريا الهجرة المستدامة التي تبدو ثابتة ومعظمها من جيل الشباب المتقدم. من مميزات هذه الهجرة واستدامتها هو إغلاق المصالح الاقتصادية ونقلها إلى الخارج في حال أمكن ذلك، وهذا دليل لظاهرة نقل الكثيرين مراكز حياتهم الى بلدان اخرى. بتقديري كما أن واقع ان ملايين الاسرائيليين يملكون جوازات سفر أجنبية إضافة إلى الإسرائيلي فهي تجعل الانتقال اكثر منالية.
من شأن الجنسية المزدوجة أن تضلل بعض الشيء بصدد المعطيات، إذ من الصعوبة بمكان تحديد الغاية من مغادرة البلاد هل هي هجرة دائمة أم هجرة مستدامة ام مغادرة مؤقتة. بينما يتناول الاعلام بشكل تقديري معطيات تقول بنحو نصف مليون اسرائيلي قد غادروا البلاد في العام الاخير بشكل مستدام. كما أن اخضاع اسرائيل للمساءلة دوليا وقضائيا يجعلها في مصاف الدول المنبوذة والخاضعة لفرض العقوبات والمقاطعة التي تطال ايضا مؤسساتها المدنية الثقافية والبحثية والاكاديمية والمالية التي جيّرت منظوماتها في خدمة حرب الابادة والملاحقات السياسية العنصرية، وانعكاس ذلك على التعاون وعلى الاستثمارات الاجنبية. كما ان استدامة امد الحرب على غزة واحتمالية اتساع نطاقها يلقي بأثره البالغ على الاسواق العالمية المضطربة بدورها ويؤدي االى تهاوي اسواق المال العالمية ايضا، مما يضاعف الازمة المالية والاقتصادية الاسرائيلية.
وفقا لدائرة الاحصاء المركزية في تقريرها لشهر اغسطس الجاري فقد شهد النصف الثاني العام 2023 اي بعد السابع من اكتوبر تراجعا بنسبة 20% من التوجهات لفتح ملفات ضريبية لمصالح اقتصادية جديدة، يضاف الى اغلاق مصالح الاسرائيليين الذي يهاجرون للخارج. بيد ان الزيادة في معدل إغلاق ملفات المصالح الاقتصادية هي الأعلى في صناعات التكنولوجيا الفائقة (12٪) – وهو استمرار للمنحى الذي بدأ حتى قبل الحرب وتسارع خلالها. يضاف اليه ظاهرة هجرة الاطباء المقدرة بالمئات في العام الاخير والناتجة عن الشعور ايضا بفقدان الرابط والعقد الاجتماعي وعن الشعور بانهم ضمن القطاعات “غير المرغوب بها”.
الشعور العام اسرائيليا ان الحرب على غزة متواصلة ولن تتوقف في المدى المنظور، وهو متوافق مع المخططات الحكومية السياسية والعسكرية القائمة. بل ان اتساع نطاق الحرب نحو حرب اقليمية طويلة الامد ومتعددة الجبهات بات امرا واقعا حتى وان كان دون سقف الحرب الشاملة. كما ان التقديرات تشير الى ان الاسقاطات الاقتصادية والمالية وانعكاسها على مستوى المعيشة لم تبلغ مداها بعد، بل ان معظم التنبؤات سلبية بما فيها من قبل شركات التصنيف الائتماني ومن بنك اسرائيل. كما انها تأتي ضمن وضعية المجهول واللا-يقين بصدد القادم، اذ لا يوجد اي تصور اسرائيلي مستقبلي معتمد، بينما حالة التصدع الداخلي ومنحاه الصدامي يتعمقان.
بعد عشرة اشهر من السابع من اكتوبر 2023 ومن الحرب، لا يزال الاسرائيليون يعيشون ازدواجة ذهنية الهزيمة وذهنية الانتقام، وهناك من يتساءل كيف ان ثلثي المجتمع الاسرائيلي يعارضون حكومتهم ولا يثقون بها، وفي المقابل يؤيدون خطواتها الانتقامية التي قد ترتد عليهم، والمقصود سياسة الاغتيالات والتصفيات. كما يشير محللون وازنون الى المتغيرات في ثقافة الاستهلاك كمؤشر للاضطراب الداخلي والنفسي الجماعي، فمقابل ثقافة ارتياد المطاعم والمقاهي والاماكن السياحية والترفيه والتي تكاد تنهار جميعها، يحدث ارتفاع بعدة اضعاف في استهلاك الطواريء على شاكلة المولدات الكهربائية والمواد الغذائية المعلبة والمياه للشرب. يرافق ذلك ارتفاع في الاسعار نتيجة سياسة الحكومة بينما تسعى الاخيرة الى إلقاء مسؤولية التضخم على القطاع الخاص ولتدخل في صراع معه. هذه المظاهر تنعكس في “معيار السعادة” المعمول به عالميا في الحقبة الاخيرة، ليصبح التراجع فيه وحالة اليأس المنتشرة نتيجة للحرب وغياب الافق، محفزا على تفكك العقد الاجتماعي الصهيوني وعلى الهجرة.
خطاب المنفى او الشتات ليس بجديد اسرائيليا بل ان عمره كعمر المشروع الصهيوني في فلسطين، كما انه بقي قائما في مواجهة خطاب “بوتقة الصهر” وتحويل كل يهودي قادم الى اسرائيلى وفقا للتعريف الصهيوني الجوهري.
بعد المنفى القسري الداخلي في اسرائيل ونزوح سكان بلدات النقب الغربي وغلاف غزة ونزوح مستدام لسكان المناطق الحدودية مع لبنان، باتت فكرة المنفى وليدة شعور عام مشتقة من الواقع المستجد وليست مجرد ترف حواري او ثقافي. بل ان هناك من يعتبر الصهيونية في نشأتها حالة ثقافية في مناقشة مسألة المنفى والشتات لتجد حلها في استيطان فلسطين وتهويدها، بينما الهجرة الحالية هي ثقافة نقيضة تماما.
رغم تقييد حرية الهجرة للخارج قانونيا واجرائيا بحجة التجنيد لقوات الاحتياط، او نظرا لشح خطوط الطيران من والى الخارج والتي تراجعت من نحو 130 شركة الى اقل من 30 وحاليا اٌقل من عشرين شركة، وهذا ينعكس في ارتفاع حاد جدا يضاعف اسعار التذاكر عدة مرات، الا ان حركة الهجرة متواصلة. تميز الهجرة للخارج الفئات والشرائح الوسطى العلمانية والمتعلمة والمهنية في تفتيشها عن حلول فردانية تسمح لها القيام بذلك. وبالنسبة لها فقد بات المنفى والشتات يوفران الأمن والامان لليهود اكثر من الدولة اليهودية والمشروع الصهيوني.
يرى عوفري ايلاني في مقاله في هارتس 11/8/24 بأن “الصراع بين الاسرائيليين والفلسطينيين قد اتخذ منحى اليأس”، كما يتوقف عند شعور اليهود في إسرائيل اليوم بانعدام الأمان الوجودي، بمستوى لم يشعروا به منذ أجيال. بل ان “الدولة اليهودية” تسير على طريق المغامرة وتشعل النار في المنطقة برمتها، ولم تعد أجزاء كبيرة من المجتمع الدولي مستعدة لقبول الوضع الراهن. و”الحل الصهيوني نفسه أصبح موضع تساؤل”. في حين ان المعارضة للحكومة الحالية لا تطرح اي مخرج او بارقة أمل لهؤلاء.
انتقل خطاب الشتات والهجرة الى الواجهة بعد ان كان لعقود من المحرمات، فيه انعكاس لتعمق القناعات لدى اوساط معينة بانهيار عقيدة الصهيونية القائمة على البيت القومي لليهود وملجأ ليهود العالم المطاردين باللا-سامية، وبأن المكان الوحيد الآمن لهم هو “ارض اسرائيل” حيث يكون الأمن والأمان والازدهار الفردي والجماعي.
شكلت مسألة النازحين الاسرائيليين من الشمال والجنوب على حد سواء، بمثابة تفكك في العقيدة وفي العقد الاجتماعي، وغدا خطاب اتهام الدولة بخيانة مواطنيها (اليهود) متصدراً. ان هذا التفكك يجعل مسألة الهجرة اكثر شرعية وتقبلا، بالاضافة الى مستوى معيشة الاسرائيليين الذي يتيح للكثيرين القيام بذلك حماية لطموحاتهم وتقدمها العلمي والمهني بدلا من التضحية بأرواحهم في حرب اما غير مقتنعين بها او انها نتيجة اخفاق الدولة وخيانتها للعقد غير الموقع مع مواطنيها. صحيح ان هذا الحديث بدأ قبل الحرب وفي خضم الصراع على “الانقلاب الدستوري” الا ان تسارعه غير المسبوق كان نتيجة الحرب وخلالها، وصحيح ان هناك منحى عالمي في الاجيال الشابة غير معنية بالتضحية بحياتها، الا ان ما يحصل اسرائيليا فاق كل التوقعات.
مقابل حركة الهجرة اليهودية الواسعة هناك حركة هجرة متصاعدة او مغادرة البلاد بشكل مستدام، بين الشباب الفلسطيني من فلسطينيي48 مواطني اسرائيل، وذلك سعيا لضمان الأمان والقدرة على التحصيل العلمي والتقدم مهنيا وبحثيا. وهي ايضا منشرة في اوساط الشرائح والطبقات المقتدرة اقتصاديا. وهي موضوع بحد ذاته يحتاج الى بحث منفصل.
للخلاصة:
• منذ 7 اكتوبر تفقد دولة اسرائيل ضرورتها امام اوساط متزايدة من مجتمعها، والذين يفتشون عن خلاص فردي وعن هوية جديدة خارج مفهوم الدولة والصهيونية حتى وان كانت هذه الاوساط صهيونية في معظمها.
• حركة الهجرة اليهودية من اسرائيل قائمة على تفكك العقد الاجتماعي الصهيوني وعقيدة “بوتقة الصهر”، ترافقها هجرة الأدمغة والمهارات ورأس المال.
• من المتوقع ان تكون لهذه الهجرة اسقاطات على تحول اسرائيل الى دولة غير قابلة للهجرة اليهودية اليها بوصفها مكانا غير آمن وموصوم دوليا بالابادة والاحتلال وجرائم الحرب المتورطة بها وتخضع للعقوبات والمقاطعة.
• من المحتمل في حال اتساع نطاق هذه الهجرة ان تدفع اسرائيل أكثر نحو المسيانية والغيبية الدينية الصهيونية وذهنية الحرب الدائمة دون اي حل، وهو الحاصل حاليا وقد يتسارع ما لم يكن تدخلا دوليا فاعلا لاحقاق حقوق الشعب الفسطيني.

2. استهداف فلسطينيي48 والدفع نحو صدام دموي واستدامة حكم اليمين

في برنامجه الاخباري يوم 11/8 تطرق القنال 14 وهو لسان حال اقصى اليمين والاكثر اقبالا عليه من بين محطات التلفزة، الى التظاهرات لوقف الحرب والتي ينظمها فلسطينيو48. وتمحور النقاش في ظاهرة تحلي “العرب في اسرائيل بالجرأة على التظاهر ورفع علم فلسطين” وذلك خلافا للحالة بعد 7 اكتوبر وباعلان اسرائيل الحرب وأنظمة الطواريء.
بينما كان الاستنتاج “اننا” (بلغة الجماعة) “ينبغي ان نكون جاهزين” لفتح جبهة داخلية على شاكلة “حارس الاسوار” المعروفة في الداخل الفلسطيني بهبّة الكرامة. في اشارة الى الصدامات مع الميليشيات الدموية الاسرائيلية والشرطة في المدن الساحلية والنقب والمثلث. بل استخلصت القنال 14 بأن المواجهة الصدامية آتية ومسألة وقت لا اكثر.
كما شهدت الاسابيع الماضية حملات تحريض على لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية وهي التنظيم التمثيلي الكياني لهذا الجزء من شعب فلسطين، ونداءات لحظرها قانونيا. ورافق ذلك حملات منظمة وبشكل منهجي تؤكد ان النواب العرب في الكنيست “داعمي الارهاب”، وذلك في نقاش اسرائيلي داخلي ايضا مفاده ان اية خطوة من قبل اي حزب صهيوني للائتلاف مع اي حزب عربي هي غير شرعية وتصل حد الخيانة القومية، وذلك في حسابات سياسية حزبية اسرائيلية، وقد انصاعت المعارضة الاسرائيلية برئيسيها لبيد وغانتس لهذا الموقف ناهيك عن ليبرمان وساعر. وهو ما يعزز امكانيات بقاء حكومة نتنياهو في المدى المنظور اذ لا توجد امكانية لاقامة ائتلاف بديل لائتلافه الا اذا فض المتدينون الحريديون شاركتهم مع الليكود وانضموا لصيغة حكم مناهضة لنتنياهو.
بتاريخ 11/8 عبرت عضو الكنيست ليمور سون هار ميلخ، من حزب “عوتسما يهوديت”، عن مساندتها لميليشيات المستوطنين الدموية الذين هاجموا أربع نساء وطفلة من مدينة رهط في النقب داخل “الخط الاخضر”، اللواتي ضللن طريقهن الى منطقة الخليل ودخلن خطأ إلى البؤرة الاستيطانية غفعات رونين .تسبب الاعتداء باصابات بليغة وكذلك في حرق السيارة التي استقلّينها.وادعت عضو الكنيست التي ترشحت عن حزب عوتسما يهوديت في اطار قائمة الليكود للكنيست إن “هذه ليست عائلة إسرائيلية. كما ان حدث يبدو ساذجا كهذا قد يكون عملية تجسس، يهدف إلى جمع معلومات. ولا يمكن تجاهل هذا الأمر”.
للخلاصة:
• تؤكد المؤشرات العديدة وجود مخطط لافتعال حالة صدامية دموية مع الفلسطينيين العرب، وذلك في سياق ذهنية التطهير العرقي والحرب المفتوحة وكذلك الابقاء على حكم اقصى اليمين.
• فلسطينيو48 هم جمهور في خطر ومستهدفون وجوديا.

3. اسرائيل تتورط وشعبية نتنياهو في ارتفاع:

تشير استطلاعات الراي العام الاسرائيلي على امتداد اسابيع عديدة الى المنحى القائل بتعاظم نفوذ الليكود وكذلك باستعادة نتنياهو لشعبيته التي تراجعت بشكل كبير بعد السابع من اكتوبر. كما تشير الى استبعاد امكانية ان تقوم المعارضة الحالية بتشكيل ائتلاف حاكم بديل، الا في حالة واحدة وهي فك الشراكة مع الليكود من قبل الحزبين الدينيين الحريديين (شاس ويهود التوراه)، بينما يلعب التنافر الجوهري بين حزب يش عتيد بقيادة لبيد والحرديم دورا كبيرا في ارجاء خطوة من قبل الاخيرين نحو اسقاط الحكومة. تقوم استراتيجية الليكود على الساحة الحزبية على تشكيل كتلة تحول دون تمكن اي اصطفاف بديل من تشكيل حكومة تعتمد على الاحزاب العربية في الكنيست.
كما يسعى نتنياهو الى تفكيك المعارضة القائمة وهي غير المتجانسة أصلا، وذلك باستمالة حزب اليمين الرسمي بقيادة غدعون ساعر الى الائتلاف الحاكم وتبوؤ منصب وزاري رفيع، وقد يكون وزارة القضاء بعد ان ووجه بمعارضة قوية داخل الليكود التوجه الاصلي بتعيينه وزيرا للامن والتخلص من غالنت.
فكرة تعيين ساعر وزيرا للقضاء لاقت اعتراضا قويا حتى وإن لم يعلن عنه من قبل الوزير الحالي لفين القائم باعمال رئيس الحكومة. في مسعى لهجوم استباقي على امكانية تعيين ساعر وزيرا للقضاء، اعلن لفين العودة الى استكمال “الاصلاحات القضائية” (الانقلاب القضائي) الذي بدأت به الحكومة منذ تأسيسها وحتى الحرب. في حال نجح لفين في خطوته يكون قد أدخل الحالة السياسية في وضعية مواجهة حادة وصاخبة يصبح من المستبعد نقله من وزارته وهو في ذروتها، وبهذا يغلق الطريق على ساعر الذي يتراجع وزنه السياسي ووفقا للاستطلاعات لا يتجاوز نسبة الحسم.
استعادة الليكود لشعبيته بقيادة نتنياهو هي ايضا وليدة ضعف المعارضة وحصريا حزب المعسكر الرسمي بقيادة غانتس والذي تراجع من نحو اربعين نائبا حسب الاستطلاعات الى 22 مقعدا بعد تفوق الليكود عليه. في حال ابرم نتنياهو صفقة تبادل اسرى مع حماس ولو قام بتنفيذ المرحلة الاولى منها، من المتوقع ان يكسب شعبية اضافية مقابل المعارضة التي لا تملك مشروعا سياسيا بديلا لحكومة أقصى اليمين.
في الحملة المستدامة من قبل الليكود واقصى اليمين ويتوجيه من نتنياهو، لنزع شرعية القيادة العسكرية وقيادة الاركان وكذلك رئيسي الشاباك والموساد، نجحت الحكومة في خلق انطباع عام بأن الاجهزة الامنية هي المسؤول الاول والاخير عن اخفاق 7 اكتوبر وعن ادارة الحرب ولدرجة اتهام نتنياهو لقادة الاجهزة الثلاث بأنهم “متهادنين جبناء” داعيا اياهم علنا الى “الضغط على السنوار وليس على رئيس حكومة اسرائيل”.
اليمين الحاكم بقيادة نتنياهو يتمتع حاليا بالوضعية الافضل له منذ بداية الحرب. وقد نجح بتجاوز كل المحاولات الامريكية لنيابة العسكرية وضد المستشارة القانونية للحكومة هي من تجليات سطوة اليمين الحاكم. كما ان قيام ميليشيات اليمين مسنودة بنواب ووزراء باقتحام معسكر الاعتقال سديه تيمان ومحاصرة جلسات المحكمة العسكرية في بيت ليد والتي تنظر في تمديد اعتقال الجنود الذين قاموا باغتصاب اسير فلسطيني من غزة، هي من دلالات “انتفاضة اقصى اليمين” ضد “المؤسسة الحاكمة القديمة” المعنية بإجراء المحكمة وليس بمحاكمة المتورطين، في مسعى لتجاوز امكانية تدخل محكمة الجنايات الدولية، كما ويسعى أقصى اليمين من خلال عصاباته فرض سطوته على ما تبقى من وسائل اعلام لا تخضع لإمرته، وقد شدد المتظاهرون امام المحكمة العسكرية 11/8 على تهديد مباشر للقنال12 المناوئة لهم والتي تدعم المنظومة القضائية بتحذيرهم “سوف نصل إليكم”.
التواجد العسكري الامريكي الاكبر في المنطقة حاليا، والغطاء الحربي الذي توفره لاسرائيل ضد ايران وحزب الله والحوثيين، انما يعزز الانطباع الشعبي الاسرائيلي بأن نتنياهو محقّ في سياسته وبأنّ تواصل الحرب وتوسيعها امر ممكن خاصة في ظل غياب صوت بديل من المعارضة.
للخلاصة:
• استعادة الليكود لقوته وبرئاسة نتنياهو هي فرصة له لمواصلة الحرب ولتوسيعها نحو حرب اقليمية مع ايران في حال نجح في توريط الولايات المتحدة بها.
• الانطباع العام في الليكود بأن الفرصة مؤاتية لاضعاف المعارضة وحتى تفكيكها قبل ان يعلن نتنياهو بنفسه تقديم موعد الانتخابات.
• كل هذه المؤشرات من الممكن ان تنتفي بناء على طبيعة الرد على اغتيال اسماعيل هنية وفؤاد شكر، وفي حال تورطت اسرائيل فعليا في حرب اقليمية، كان من الممكن درء اخطارها لولا سياسة الاغتيالات ولو استجاب نتنياهو لاستحقاقات الصفقة في غزة.

4. احتمالية الصفقة وخيار “التعقّل الاضطراري”

سيكون من الصعوبة بمكان ان يتهرب نتنياهو من استحقاقات الصفقة في اعقاب دلالات البيان الثلاثي الامريكي المصري القطري بصدد الصفقة، والتحول الى لهجة التحذير من عدم ابرامها. بينما لن يكون من المفاجيء ان يرفض نتنياهو الصفقة مرة اخرى وبذرائع شتى من ابتكاره.
قد يضطر واحد او اكثر من قادة الاذرع الامنية والمفاوضين الاسرائيليين الى الاستقالة والتصريح الى الجمهور الواسع بصدد تعويق نتنياهو شخصيا للصفقة، اذ بات في وضع سيطرة عسكرية تلائم كل الخيارات والضمانات لاسرائيل وفقا للجيش والشاباك والموساد.
في النظرة الاسرائيلية الامنية ووفقا للتقديرات ” فإن السنوار اكثر ليونة من هنية في ادارة المفاوضات، كما انه بات شبه وحيد بعد تصفية معظم قادته السياسيين والعسكريين”.
تشهد الايام الاخيرة وكلما اقتربت من لقاء اطراف التفاوض نحو نهاية الاسبوع، تصعيدا اسرائيليا فتاكا في قطاع غزة، في حين ان كل الانظار تتجه نحو الجبهة الشمالية والرد الايراني المحتمل وهي ما تجد فيه اسرائيل فرصة لتكثيف عملياتها الابادية على شاكل مجزرة مدرسة ومصلى “التابعين”.
كما تقوم اسرائيل بتكثيف استخدام تكنولوجيا الذكاء الصناعي الحربية الفتاكة، وتوسيع استخدام برمجة “لافندور” من تطوير الوحدة 8200 في الاستخبارات العسكرية المترافقة مع توجيه ما يطلق القنابل الغبية والتي احدثت مجزرة التابعين، بناء على تشخيص السكان واستهداف شمولي لهم. الا ان رد الفعل الدولي لم يردع اسرائيل بل انه كما لو اعتاد على هذه الابادة المستدامة بوتيرة ثابتة، وهو ما ترى به الحكومة والجيش “تصريحا بالقتل” وبأن هذه المجازر هي الطريقة المثلى للضغط على حماس.
المتغير الجديد في الحالة الراهنة هو المتغير اللبناني من جهة حزب الله واحتمالية رد ايراني. فمن ناحية تنتهج اسرائيل سياسة تدفيع الثمن الباهظ للبنان كدولة ومجتمع، وذلك كي يضغطوا بدورهم على حزب الله وفقا لاسرائيل، ثم تأتي الدعوات اللبنانية والعربية بالتروي والتريث بهدف اعطاء فرصة لجولة المفاوضات التي تبدو محاولة اخيرة لابرام الصفقة وعلى اساسها لتبريد الجبهات.
من مداولات الحكومة يبدو نتنياهو اكثر ترددا من غالنت والجيش في الدخول في حرب شاملة مع حزب الله، وهي الجبهة التي يوجد اجماع بأنها الأكثر خطورة في اسرائيل وعليها. هذه الحالة من القلق والترقب باتت مستنزفة جدا لاسرائيل، كما ان معادلة الردع المتبادل لا تزال على حالها جوهريا، الا اذا كانت فرصة اسرائيلية لتوريط الولايات المتحدة في حرب اقليمية ذات ابعاد دولية مباشرة عسكريا وأمنيا واقتصاديا، ستلقي بظلالها على الانتخابات الامريكية.
هذا الوقع وفي حال اصرار ادارة بايدن على عدم الدخول في حرب من شأنه ان يدفع حكومة نتنياهو الى التعقل الاضطراري والمضي في خيار تبريد الجبهات من خلال الصفقة ووقف اطلاق النار المستدام في غزة.
للخلاصة:
• الاضطراب الاقليمي واحتمالية الحرب تجعلان امكانية ابرام الصفقة ممكنة كتهدئة استباقية، وفي حال كانت وجهة اسرائيل نحو الحرب على الحدود الشمالية بكل تداعياتها، تكون الهدئة والصفقة بعيدتين عن اولويات اسرائيل.
• التقدير بأن احتمالية تهدئة الجبهات باتت اكبر مع المتغير اللبناني اعلاه، وهذا لا ينفي احتمالية حسم القرار اسرائيليا لصالح الحرب في ايام عصيبة

5. تأزم في الشرخ القائم على علاقة الدين والدولة

من بين 900 أمر استدعاء سلمها الجيش لابناء التيار الديني الحريدي امثل 47 منهم في المقرات العسكرية واتضح ان 30 فقط يتجاوبون مع مواصفات الخدمة العسكرية. فعليا تم اعلان اخفاق القانون واخفاق الدولة في تنفيذ قرار المحكمة العليا وتمت محاصرة الحاخامات والمرجعيات الدينية التي تقبل بتجنيد الشباب المتدين الحريدي للجيش وفرض الحرمان على هؤلاء الحاخامات.
اصدرت المستشارة القانونية للحكومية امرا يحظر على الدولة دفع مخصصات الضمان الاجتماعي لامهات وزوجات هؤلاء الشباب الرافضين للخدمة، وهي مخصصات تهدف الى تشجيعهن للخروج الى سوق العمل.
اعتبر قادة كبار من التيار الحريدي بأن “القطار قد فات” وبات من غير الممكن الاستمرار في حكومة لا تحمي اطرافها وشركاءها. في المقابل دعمت غالبية احزاب المعارضة الاجراء العقابي على الحريديم.
يعتبر حزبا اقصى اليمين برئاسة سموتريتش وبن غفير متصدرين لتعميق الصراع مع الحريديم، وبات الامر يشكل في نظر الليكود خطرا على بقائه في الحكم، مما رفع منسوب التوتر مع الوزيرين المذكورين.
الخلاصة:
• تتراكم الدوافع لتعميق الشرخ الديني الدولاني، ويبدو ان لم يعد ممكنا جسر الهوّة.
• يدفع الاجراء كما كل مسألة التجنيد للجيش وقانون الحاخامات البلدية الى تعزيز الهوية الدينية الحريدية المتزمتة لهذه الاحزاب، مما قد يخلق فرصة لصراع اقصى اليمين مع التيار الديني الحريدي.
• لا يزال هذا الشرخ هو التهديد الاكبر والاقوى لاستمرار تماسك الائتلاف الحاكم.

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر