جيش الظل والعرب الصالحون وما بعدهما

مقالات


  • السبت 29 يونيو ,2024
جيش الظل والعرب الصالحون وما بعدهما
الجيش الإسرائيلي

عن نجاح الحركة الصهيونية في اختراق المجتمع الفلسطيني قبل النكبة وبعدها، يقول كوهين في كتابه “جيش الظل”: لقد نجحت الصهيونية أثناء فترة الانتداب البريطاني في اختراق المجتمع الفلسطيني في العمق، وتابعت نشاطها الاستخباري تعزيزا لنفوذها… واستطاعت استغلال التمزق الاجتماعي لتجنيد المتعاونين. أما في كتابه “العرب الصالحون” فيقول: سعت إسرائيل لإحكام قبضتها على جميع المواطنين العرب وإضعافهم من خلال عدة أهداف منها؛ بث الفرقة والفتنة بين العرب وعزل كل فريق عن الآخر بتعزيز الانتماء الطائفي والفئوي وتهميش الانتماء القومي. ولتحقيق تلك الأهداف كان لا بد من استدراج أكبر عدد ممكن من المواطنين العرب للتعاون مع أجهزة الأمن المختلفة ومؤسسات الدولة والحزب الحاكم في ذلك الوقت (مباي)… لم يكن من الصعب تجنيد المتعاونين في تلك الفترة الخانقة والعصيبة التي عاشها العرب (فترة الحكم العسكري). 

لقد شكل المتعاونون مصدرًا حاسمًا لقوة الصهيونية قبل النكبة وبعدها. وبدون مساعدة المتعاونين (في بيع الأرض والشؤون الأمنية والسياسية)، لربما أمكن هزيمة اليهود. كما استخدم الصهاينة (إلى جانب البريطانيين) خدمات المتعاونين لمساعدتهم في إخماد التمرد (الثورات والانتفاضات)، وفي الحصول على معلومات حيوية، والأكثر أهمية، خلق دائرة مغلقة من العداوات، تحول دون وحدة الفلسطينيين، كما يقول كوهين في “جيش الظل”. وفي “العرب الصالحون” يقول: منذ العام 1948 عكفت أجهزة الأمن على بث شبكات من المخبرين والمتعاونين بين المواطنين العرب. كان لها غايتان: الحيلولة دون قيام تعاون استخباراتي أو عسكري مع الدول العربية المجاورة وإحكام السيطرة على جميع جوانب الحياة للمواطنين العرب، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

تعليقًا على ما سبق، يتضح دون أدنى شك أن هاتين المرحلتين المهمتين من تاريخ الشعب الفلسطيني التي برزت فيهما بشكل كبير ظاهرة تجنيد العملاء خدمة للمشروع الصهيوني، قبل إنشاء الدولة وبعدها، هما مرحلتان تعرض فيهما الشعب الفلسطيني إلى حالة من الصدمة الجماعية نتيجة الاحتلال البريطاني والإسرائيلي، تم من خلالها هندسة ثقافة الهزيمة واليأس التي أنتجت مجتمعًا مصدومًا مغلوبًا وضعيفًا أصبح لدى العديد من أفراده القابلية للتنازل عن أمور كان قد دافع عنها بشراسة في ظروف مغايرة. 

ليس فقط يصبح المغلوب مولعًا بالاقتداء بالغالب، بحسب نظرية ابن خلدون، بل إن المغلوب، المهزوم نفسيًا وسياسيًا واجتماعيًا وحضاريًا الذي يعاني من خلل وضعف الانتماء الديني والوطني، مستعد للارتباط مع أي قوة أو سلطة حاكمة ومسيطرة وبيدها قرار، ودائمًا مسوغات المتعاونون التي تبرر الترويض والتطويع والتهجين والتدجين والتعاون والتساوق مع السلطة الحاكمة لصالح مشاريع ومخططات “السيد”- وفي بعض الأحيان يكونون سيوفًا مسلطة على رقاب أبناء شعبهم، كما يورد العديد من هذه النماذج كتاب “العرب الصالحون” على سبيل المثال- هي نفسها المسوغات المتوهمة التي وجدناها في كتابي هليل كوهين “جيش الظل” و “العرب الصالحون”، ولا شك أن هذه المسوغات المتوهمة هي نفسها التي يستعملها المهزومون نفسيًا والذين يتعمدون دائمًا إظهار الضعف وقلة الحيلة، وكأنه لا يوجد مكامن قوة تعزز لنا الثقة بأنفسنا، ويستعملها من ينتهج في خطابه وسلوكه تعزيز مفهوم الخلاص الفردي وتقدميه على مفهوم الخلاص الجماعي وعلى القضايا الجماعية المصيرية. 

لعله في قادم الأيام يقع في أيدينا أو في أيدي الأجيال القادمة كتاب جديد (نترك اختيار العنوان للمؤلف حينها) يكون جزءًا آخرًا ومكملًا لما سبقه من كتب وأجزاء، يتحدث فيه عن هذه المرحلة التي نعيشها اليوم من صدمات جماعية متلاحقة يُراد من خلالها ترويضنا وتطوعينا وتدجيننا وأسرلتنا من خلال عناوين وشخصيات قبلت على نفسها تأدية هذا الدور مقابل مصالح متوهمة لن تكون أكثر وأفضل مما حصل عليه “العرب الصالحون/ الجيدون” في فترة الحكم العسكري مقابل التعاون والخدمات التي قدموها للسلطة الحاكمة.

. . .
رابط مختصر



اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة *

مشاركة الخبر