المحكمة العليا الإسرائيلية تُلزم "الدولة" بتجنيد الحريديم..ما تبعات هذا القرار؟ وكيف ستتصرف الأحزاب الحريدية حياله؟
أثار قرار المحكم

أثار قرار المحكمة العليا الإسرائيلية الذي يُلزم "الدولة" بتجنيد طلاب المدارس الدينية في الجيش الإسرائيلي، جدلًا داخل المؤسسات الحزبية الإسرائيلية وتحديدًا لدى الأحزاب الحريدية داخل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي وهما حزبي "شاس" و"يهوديت هتوراة".
ورد الوزير من حزب "شاس" يتسحاق جولدكنوبف على القرار قائلًا، "إنه قرار متوقع ومؤسف للغاية ومخيب للآمال. لقد تم إنشاء دولة إسرائيل لتكون موطنًا للشعب اليهودي الذي تعتبر التوراة أساس وجوده. التوراة المقدسة سوف تسود".
كما قال قال الوزير مئير باروش من يهدوت هتوراة، "حكم المحكمة العليا يؤدي حتما إلى دولتين هنا. أولاً، هذه هي الدولة التي تُدار كما هي الآن. ودولة أخرى سيواصل فيها أعضاء المعاهد الدينية دراسة التوراة كما اعتادوا في الدولة التي أعلن عنها بن غوريون".
وفي المقابل، قال رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، يولي إدلشتاين، من حزب الليكود إن "قانون التجنيد سيتم إقراره بتوافق واسع، أو لن يتمّ إقراره على الإطلاق".
وبذلك، ينضمّ إدلشتاين إلى وزير الجيش الإسرائيلي، يوآف غالانت، الذي كان قبل نحو أسبوعين، العضو الوحيد في ائتلاف نتنياهو الحكوميّ، الذي صوّت ضد استمرار مشروع قانون الإعفاء من التجنيد.
ووفقًا لصحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية فإن إدلشتاين وغالانت ليسا الوحيدين في الليكود اللذين يعارضان قانون إعفاء الحريديم من التجنيد، فقد انضم إليهما كل من، الوزير نير بركات، وتالي غوتليب، وآلي دلال، والياهو رفيفو، ودان اليوز.
وفي هذه الحالة، لا يتوفر لدى الائتلاف الحكومي الإسرائيلي أغلبية في الكنيست لتمرير قانون إعفاء الحريديم من التجنيد، كما أن الأحزاب الحريدية تواصل الإدلاء بتصريحات تعلن فيها عن استيائها من نتنياهو وتتهمه بأنه لا يستطيع السيطرة على حكومته، ولذلك فإن الحكومة الإسرائيلية في خطر، فهل سيُسقط الحريديون الحكومة؟
ويُجيب عن هذا التساؤل، المحلل السياسي والباحث جمال زحالقة، حيث يقول للجرمق، "قرار المحكمة العليا الإسرائيلي كان متوقعًا، فطيلة الوقت المحكمة تقول رأيها بضرورة تجنيد الحريديم أو تجنيد أعداد كبيرة منهم ولكن الأحزاب الدينية غاضبة جدًا من القرار وتنتقده بشدة ولكن في ذات الوقت ليس لهذه الأحزاب بديل عن نتنياهو وحكومته، فإن أسقطت هذه الأحزاب الحكومة ربما تأتي حكومة متشددة أكثر بشأن تجنيد الحريديم وفي هذه الحالة لن يربح الحريديون شيئًا ولكن على العكس سيكونون في وضع سيء وصعب ولهذا السبب يتمسكون بحكومة نتنياهو ربما أكثر من أعضاء الليكود أنفسهم".
ويتابع للجرمق، "نتنياهو وحلفاؤه من المتدينيين سيحاولون التوصل لحل للمأزق، ولكن الحريدين لا يريدون التجنيد بالتأكيد وسيفعلون ما يستطيعون للتهرب من الخدمة العسكرية، بالتالي ربما سيتم الاتفاق مع نتنياهو على تجنيد عدد محدود من المجندين من الحريدين ولكن حتى الآن ليس معروفًا إلى أين ستتجه الأمور".
ويوضح زحالقة للجرمق أنه حتى الآن، "هناك محاولات داخل أروقة الكنيست الإسرائيلي لسن قانون يعفي الحريديين من التجنيد ولا يبدو أن هناك أغلبية في الكنيست الإسرائيلي لتمرير القانون، لأن هناك أعضاء من الليكود يرفضون التصويت مع الائتلاف".
ويقول زحالقة للجرمق، "لولا الحرب على غزة لاختلف وضع قضية تجنيد الحريديم تماما، فالشارع الإسرائيلي الآن يعيش حالة من الغضب لأن المتشددين لا يذهبون للجيش في الوقت الذي يشارك فيه بقية الإسرائيليين في الحرب الإجرامية على غزة".
ويتابع للجرمق، "قانون إعفاء الحريديم من التجنيد يتم التداول فيه الآن في لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي برئاسة إيدليشتاين، الذي هو من الليكود ولكنه صرح أنه لن يمرر القانون إلا بموافقة واسعة أي بدعم واسع من المعارضة، وقانون من هذا النوع تدعمه المعارضة هو قانون لن تقبل به الأحزاب الحريدية بالتأكيد، لذلك نتنياهو في مأزق ولذلك هو يحاول جاهدًا أن تمرّ الأسابيع القادمة دون أن تسقط الحكومة وذلك قبل الدخول بعطلة الكنيست في يوليو المقبل وعندها لا يمكن تمرير قوانين".
ويقول، "نتنياهو لا يريد أن تسقط الحكومة أو أن تحدث أمور دراماتيكية قبل العطلة، أما عن تمرير القانون قبل دخول عطلة الكنيست أمر صعب جدا لأن عليه نقاش كبير وليس هناك اتفاق والائتلاف ليس لديه أغلبية لتمريره فالاتجاه الآن أمام نتنياهو هو تأجيل التصويت على القانون للدورة الشتوية في أكتوبر المقبل وعندها ستكون هناك ظروف مختلفة باعتقادي.
وفي المقابل، يختلف الباحث والمحلل صالح لطفي مع زحالقة حيث يقول للجرمق، "من الوارد جدًا أن تُسقط الأحزاب الحريدية الحكومة الإسرائيلية"، مضيفًا، "الطائفة الحريدية عموما بشقيها الأشكنازي والشرقي أقامت علاقة مع الحكومة الاسرائيلية منذ عهد بن غوريون وكان هناك ما يسمى الاتفاق الصامت بينهم، فبن غوريون طالب الطائفة الحريدية أن تعترف بإسرائيل كدولة حين كانت الفتاوى في أربعينيات و ثلاثينات القرن الماضي تفضي أن الحركة الصهيونية ليست يهودية وإنما حركة علمانية كافرة وبن غوريون أدرك أن هذا الحديث سيكون خطرا على مستقبل إسرائيل وبالتالي تفاوض مع قيادات الطائفة آنذاك وقرروا أن يبرموا اتفاقا صامتا بأن تعيش الطائفة الحريدية تحت ظل إسرائيل وتعترف بها شريطة ألا تكون لهم خدمة عسكرية على اعتبار أن الخدمة أداة من أدوات الاعتراف والدفاع".
ويقول للجرمق، "باعتقادي أن القرار الصادرعن العليا لن يقدم ولن يؤخر بالنسبة للطائفة الحريدية خاصة أن تنفيذه متعلق بالمؤسسة الرسمية أي الحكومة والحكومة صوتت لصالح عدم تجنيد الحريديم في الجيش وبالتالي أعتقد أن الحكومة ستعمل على تجميد القانون وعدم تنفيذه وفي إسرائيل عشرات القوانين سُنت ورفعت للعليا ولم تنفذ ليومنا هذا".
ويتابع للجرمق، "هناك مصطلح في الدوائر الرسمية والقضائية االإسرائيلية يسمى تحجيف القانون أو تجميد القانون يعني أن القانون يطرح في لجان الكنيست ويبقى في اللجان سنوات وكلما أرادوا بحثه دخلت عليه تصحيحات أو اقتراحات وربما تحل حكومة وتأتي حكومة ولا يتم تنفيذ القانون، وموضوع تجنيد الحريديم مطروح منذ عام 2000، والآن عام 2024 أي مرّ ربع قرن على طرحه ولكن لم يتم حتى الآن الانتهاء من قضية تجنيد الحريديم".
نتنياهو في مأزق
ويقول المحلل السياسي والباحث صالح لطفي، "نتنياهو منذ تشكيله الحكومة وهو في مأزق سياسي كبير جدا يتعلق بالتشكيلة الحكومية التي أقامها والمعارضة الشديدة جدا وقضية الحريديم التي تم طرحها مرارا والتي تسببت بالإحراج الكبير لنتنياهو فمن يقوم بجولة في الشوارع يلحظ غياب الشباب الإسرائيلي، وكلنا نعلم أن القيادات العسكرية النافذة في إسرائيل تحدثت عن أزمة اقتصادية بسبب عدم العمل، وبالتالي قضية الحريديم جاءت لإحراج المؤسسة الحاكمة لعل وعسى أن تستجيب الحكومة لطلبات المعارضة".
ويتابع للجرمق، "حتى داخل الليكود هناك تناقض، وتشكيلة متداخلة، هناك من يتبعون لشخص نتنياهو، وهناك الليكود الذي يتبع للحركة التصريحية الصهيونية، ثمة تناقض يظهر على الساحة السياسية داخل المؤسسات الحزبية الإسرائيلية داخل اليمن الكبير الذي يضم غانتس ونتنياهو ولبيد، وبالتالي موضوع الحريديم لإحراج نتنياهو وشروع تغيير في المبنى العام للمؤسسة الحاكمة والمجتمع الإسرائيلي لخرط الطائفة الحريدية التي تزداد بشكل كبير جدا من ناحية السكان لصالح الدولة اليهودية الصهيونية وليس لصالح الطائفة الحريدية".