في خلفية الحراك الكبير للجامعات الأمريكية

 


  • الخميس 25 أبريل ,2024
في خلفية الحراك الكبير للجامعات الأمريكية
توضيحية

 

وظيفية “اللاسامية” في الحرب الإسرائيلية على غزة

تكثر الحكومة الاسرائيلية ومعها المعارضة من اعتماد خطاب “اللاسامية” في التعاطي مع حركات الاحتجاج العالمية ضد الحرب على غزة وتعتبر كل من لا يقبل برواية إسرائيل بصدد السابع من أكتوبر، بأنه معادٍ للسامية أو مساند للإرهاب.
منذ التسعينيات المتأخرة واظب نتنياهو على توسيع تعريف اللاسامية، مدعوما بموقف شمعون بيرس باعتبار أن اللاسامية لا تنحصر في الموقف من اليهود كيهود، وإنما في الموقف من الصهيونية باعتبارها الحركة القومية ليهود العالم ومن دولة اسرائيل بوصفها البيت القومي لليهود من مواطنين وممن هم مواطنو دول اخرى في انحاء العالم، واعتبر ان من يطلق الحملات ضد اسرائيل أو ضد الصهيونية إنما يمس باليهود ويعتبر ذلك لا-سامية، وكذا الأمر بالنسبة للموقف من المستوطنين يتم اعتباره لا سامية وليس موقفا من الاحتلال الاستيطاني الاستعماري. تبعا لذلك تم اعتبار حركات التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني وحصريا حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي اس) بأنها لا-سامية، وحتى اعتبر الحركات اليهودية المناهضة للسامية والناشطة في الدول الغربية بأنها لا-سامية، وشمل هذا حركات مثل الصوت اليهودي من اجل السلام، والمجلس اليهودي العالمي المناهض للصهيوينة وحركة “ناطوري كارتا” الدينية الحريدية. وقد نجحت الحملة الاسرائيلية والصهيونية المذكورة في تحقيق إنجازات لصالحها والتأثير على تعريف اللاسامية وتوسيعه ومدة ببعد قانوني يحظر مخالفته، لتصدم حاليا بحراك شعبي عالمي هائل لصالح الحق الفلسطيني.
الخطاب الإسرائيلي لتوسيع مفهوم اللاسامية واستخدامها سياسيا لصالح اليمين هو مسعى لضربة استباقية لترويض الجيل الأمريكي القادم وصهينة خطابه. وفي هذا السياق ينبه د. رائف زريق الباحث في الفلسفة والقانون إلى أن تعريف اللاسامية الموسع لا يشير إلى مصدر الكراهية، وأنها قد تكون نابعة من أسباب وليس من ثقافة عنصرية، بمعنى أن كراهية المستوطنين مرتبطة بكونهم يهوداً وليس بكونهم معتدين. وأكد أن التعريف موجه ضد فلسطين ومناصريها، لكن التأمل في خريطة اللاسامية يبين أن مصدرها ليس اليسار العالمي المتضامن مع الفلسطينيين، وإنما اليمين الفاشي في عدة أمكنة، الذي هو صديق اليمين الإسرائيلي، وبهذا لا علاقة بين «خطة الدفاع» ومصدر ما يفترض أنه الهجوم، ما يكشف أن المقصود ليس الدفاع عن اليهود، إنما عن الطبيعة الاستيطانية.
بينما تشير د. ياعيل شترنهال المحاضرة في التاريخ الأمريكي في جامعتي برنستون الأمريكية والعبرية الإسرائيلية، إلى أن الجامعات الامريكية تتعامل مع جيل من الطلاب التقدميين يطالبون برفع صوتهم في القضية الإسرائيلية الفلسطينية”، وأحيانا يعبرون عن وجهات نظر كان ينظر إليها، حتى هذه الحرب على غزة، على أنها غريبة تماما عن التيار الأمريكي السائد. ومن ناحية أخرى، فإن الجامعات تقف امام المانحين اليهود الأكبر سنا الذين، على الرغم من أنهم معروفون بآرائهم الليبرالية حول القضايا الأمريكية المحلية، إلا أنهم يشعرون بالولاء لإسرائيل التي عرفوها في شبابهم ويجدون صعوبة في انتقادها” ويستغلون تمويلهم للجامعات سوطا لفرض سياساتهم هم وتفسيرهم الذاتي لمفهوم اللاسامية. كما وتتحدى شترنهال خطاب اللاسامية بتأكيدها“تشارك التنظيمات الطلابية اليهودية بنشاط في المظاهرات، مما يقوض الادعاء المقبول بأن وجود هذه المظاهرات في حد ذاته هو تعبير عن معاداة السامية”.
قبل الحرب الحالية بسنتين نبّه كينيت ستيرن مدير مركز بارد لابحاث الكراهية من وصم الموقف الفلسطيني باللاسامية وذلك في مقال له لمعهد دراسات الأمن القومي الاسرائيلي مؤكدا ” حاول أن تضع نفسك مكان فلسطيني طردت عائلته عام 1948، ولم يطرد فحسب، بل فقد منزله وشعوره بالسيطرة على هويته وحياته. من الواضح أن تحقيق حق اليهود في تقرير المصير قد أضر بك وبعائلتك، ليس فقط في ماضيك ولكن أيضا في مستقبلك. هل تعارض الصهيونية لأنك تراها مؤامرة يهودية أم لأن التعبير القومي لشعب آخر قد أضر بك وبتطلعاتك الوطنية؟”
القلق الاسرائيلي في هذا الصدد هو بالأساس من مستوى الهجرة بين اليهود الى خارج اسرائيل، ووفقا لموقع “زمان يسرائيل” وهي الصيغة العبرية لتايمز أوف إسرائيل، فلغاية نهاية شهر ديسمبر 2023 فإن عدد الذين تركوا البلاد ولم يعودوا يفوق بأكثر من نصف مليون عدد العائدين، وأن نسبة الهجرة اليهودية الى اسرائيل (علياه) تقلصت الى أقل من 1% من عدد الذين تركوا البلاد.
الموقف السلبي من الهجرة اليهودية من اسرائيل هو من نصيب كل التيارات الصهيونية، وفي غالبيتها فإن الهجرة من اسرائيل هي لشرائح ذات نزعة علمانية وليبرالية ومن الطبقات الوسطى واصحاب المال وقد تسارعت قبل الحرب تخوفا من الانقلاب القضائي الذي بادرت اليه حكومة اقصى اليمين ليتسارع اكثر منذ بدء الحرب. بينما القلق الاسرائيلي الأكبر من الهجرة هو يميني استيطاني بالأساس نظرا لكونه ذا اسقاطات على ايجاد الاحتياطي السكاني اليهودي لتطبيق مشروع تهويد الضفة الغربية وخلق تواصل سكاني جغرافي يهودي فيها، ثم ان تضاؤل الهجرة اليهودية الى البلاد يجعل التوازن الديمغرافي في كامل فلسطين أي كل المناطق التي تقع تحت السيطرة الاسرائيلية العسكرية أو المدنية يميل لصالح الفلسطينيين، مما يجعل حل “اسرائيل الكبرى” غير قابل للحياة الا اذا تم فيه التخلص من أكبر عدد من الفلسطينيين بالتهجير، أو منظومة ضبط قائم على الفصل العنصري القانوني وتجميع الفلسطينيين على أقل ما يمكن من مساحة (نمط رفح)، وفي كل الأحوال زيادة عدد اليهود بالتكاثر الطبيعي، وحصريا بين المتدينين الحرديم، أو بالهجرة.
تقوم المؤسسة السياسية والإعلامية الإسرائيلية بتوسع استخدام خطاب اللاسامية ليشمل حركات الاحتجاج على الحرب والتضامن مع فلسطين، ويشمل انكار او رفض الرواية الاسرائيلية بصدد السابع من اكتوبر، ويشمل دعوى جنوب افريقيا امام محكمة العدل الدولية، وكذلك اتهام اسرائيل بارتكاب اعمال ابادة في غزة وفقا للقانون الدولي، وحتى ان اي موقف في مجلس الامن يتم دمغه باللاسامية، وهي تهمه أسبغتها على الامم المتحدة وامينها العام وعلى وكالاتها وحصريا وكالة غوث اللاجئين . وهو الخطاب ذاته القائم على تهمة الداعشية والنازية.
الوظيفة الاخرى لخطاب اللاسامية هي التصدي لتفكك مركبات من صميم العقيدة والفعل الصهيونيين، بأن اسرائيل هي المكان الاكثر ضمانا وحماية ليهود العالم، بينما فقدَ المجتمع الاسرائيلي وتحت حكومة أقصى اليمين كل مقومات الأمن والأمان.
تاريخيا ومنذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر هناك وظيفية هامة لمعاداة السامية والتي اعتبرت محرّكاً للهجرة اليهودية إلى فلسطين وتحويلها إلى بنية أساسية في المشروع الصهيوني الاستيطاني، ومع تبلور الحركة الصهيونية باتت لها وظيفة في توفير البنية السكانية للدولة اليهودية قبل قيامها. في هذا السياق يرى اليساري اليهودي المناهض للصهيونية ايلي أمينوف بأن اللاسامية هي الوقود الذي يحرك مهام الحركة الصهيونية وعنصر مركزي وقوي في استراتيجية الترهيب الإسرائيلية، المحلية والخارجية على حد سواء، وهي أساس يحافظ عليه نظام دعاية هائل. إن التوازي بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية هو نتيجة الدعاية الواعية من نتاج الحركة الصهيونية وصنيعتها دولة إسرائيل.
الخلاصة:
– هناك ضرورة بتعزيز الخطاب الفلسطيني والعالمي الديمقراطي القائم على تفكيك الخطاب الاسرائيلي بشأن اللاسامية، يقوم على الفصل ما بين الموقف من اليهود واليهودية وبين الموقف من الصهيونية ومن اسرائيل ومن العدوان والاحتلال والاستيطان، ويكشف عن ان الطابع الترهيبي للعقل البشري والتبريري لكل فعل اسرائيلي.
– الحملات لفضح الطابع الوظيفي للخطاب الساعي لتبرير مشاريع التهجير والتهويد والعدوان ولانتهاك الحق الفلسطيني بتقرير مصيره.
– حراك الطلبة في الجامعات الامريكية وحصريا جامعة كولومبيا من شأنه ان يكون مصدر أمل وعلامة فارقة في تاريخ الموقف الأمريكي الشعبي المؤثر لصالح الحق الفلسطيني، وهو يتسارع نتيجة الحرب على غزة والتي تحاصر تداعياتها الموقفين الاسرائيلي والامريكي الرسمي على السواء.

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر