استطلاعات توحي بتفاقم الأزمة السياسة واحتمالات لتصدّع الائتلاف الحاكم
تزامنت نتائج استطلاع صحيفة معاريف ذات الدلالة بتاريخه (17/11)، مع مؤشرات توحي بحالة غليان داخل الحكومة الإسرائيلية حول موافقة كابينيت الحرب على ادخال محدود للوقود الى غزة لخدمة منظمات الامم المتحدة الانسانية. ومقابل الفجوة غير المسبوقة بين غانتس ونتنياهو في مسألة الملاءمة لرئاسة الحكومة (52% مقابل 29%) والفجوة الكبيرة لصالح المعارضة الحالية مقابل الائتلاف الحاكم (78 عضو كنيست مقابل 42 للائتلاف الحالي)، فقد طالب رئيس حزب الصهيونية الدينية سموتريتش علناً من رئيس الحكومة نتنياهو تغيير تركيبة كابنيت الحرب ليشمل كل أحزاب الائتلاف، وهو امر غير قابل للتحقيق نظرا لكون رئيس حزب المعسكر الرسمي بيني غانتس يحظى بحق النقض على اي تغيير في كابينيت الحرب، والمفترض ان يكون مقلصا ومؤتمنا على أسرار الدولة كونه ينظر في المسائل العملياتية في غزة وتجاه الفلسطينيين بالشراكة مع قادة الجيش والشاباك والموساد. كما اعتبر سموتريتش ان الموافقة على ادخال صهريجي وقود إلى غزة انما فشل اسرائيلي ويمس في المساعي لاعادة الرهائن الاسرائيليين من غزة، على الرغم من اعلان رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي بأن الخطوة للحيلولة دون انتشار الاوبئة في غزة، ومن ثم رشحت مسالة الضغوطات الامريكية بهذا الصدد.
في نظرة إلى سلوك سموتريتش وهو وزير المالية والوزير في وزارة الأمن المسؤول عن الاستيطان في الضفة الغربية، نجد أن عوامل أخرى تقف وراء موقفه المعلن؛ وفقا للاستطلاع فإن قوته تتراجع الى اربعة مقاعد وقد يفقد بعضا منها لتصبح علامة سؤال على بقاء حزبه في الكنيست، وذلك مقابل بن غفير والذي ارتفعت قوة حزبه وفقا للاستطلاع من 5 الى 6 مقاعد. كما يدرك سموتريتش الغضب الشعبي تجاه اخفاقه شخصيا واخفاق وزارة المالية في التعاطي مع الاحتياجات الطارئة للنازحين الاسرائيليين (نحو 230 ألفا من سكان المناطق الحدودية مع قطاع غزة ومع لبنان)، وكذلك مع سكان بلدات "غلاف غزة" المدمرة؛ يضاف ذلك الى رفض اهالي الرهائن والاسرى التعامل معه ويحملونه مسؤولية الاخفاق الى جانب نتنياهو في طوفان الاقصى.
سموتريتش هو صاحب نظرية "معركة الحسم" القائمة على تهجير الفلسطينيين من "أرض إسرائيل" الكبرى وفرض دولة الشريعة، بات يصارع على بقائه السياسي، ولا يرتدع عن مواجهة الموقف الأمريكي القاضي بعدم احتلال غزة وعدم البقاء فيها وعدم التهجير وعدم تقليص مساحة غزة لصالح وجود عسكري اسرائيلي، بل إن انصار سموتريتش أقاموا ائتلافا لإعادة استيطان شمال قطاع غزة واقامة المجلس الإقليمي الاستيطاني غوش-قطيف. وإذ أعلن نتنياهو رفضه لمطلب تغيير تركيبة كابينيت الحرب، إلا أنه لا يزال خاضعا للابتزاز من سموتريتش وفي حال انصاع له فذلك يعني تفكك كابينيت الحرب والصدام المباشر مع إدارة بايدن.
في المقابل يشكل ارتفاع قوة حزب القوة اليهودية برئاسة وزير الأمن القومي بن غفير، مؤشرا الى انه سوف يصعّد من حملته في توزيع مئات آلاف قطع السلاح على المواطنين اليهود وإقامة أكثر من 700 من ميليشيات الطوارئ المسلحة في مختلف البلدات الإسرائيلية، وهي تشكل خطرا مباشرًا على فلسطينيي48 مواطني إسرائيل وهو المعني بدفع الدولة وجهاز الشرطة الى البطش الدموي بهذا الجزء من الشعب الفلسطيني. كما من المتوقع ان يصعّد من اقتحاماته للمسجد الأقصى ومن سياسة التنكيل والقمع والتضييق غير المسبوق تجاه الحركة الاسيرة الفلسطينية. وكلما أيقن امكانية فقدانه لوزارته فمن المتوقع ان يلجأ الى التصعيد الدموي العنصري أكثر.
الصراع داخل الليكود:
من شأن استطلاع معاريف ودلالته على المنحى المتواصل بتراجع قوة الكتلة اليمينية الدينية الحاكمة، أن يؤدي الى اتساع نطاق القوى داخل الليكود الحاكم والمعنية بتنحية نتنياهو وتولي أحد أعضاء الليكود النواب رئاسة حكومة وحدة قومية صهيونية مع أطراف المعارضة المركزية، وذلك لضمان بقاء الليكود في الحكم واو إطالة أمد هذا الحكم. إن مثل هذا الإجراء قابل للحدوث في ظروف معينة رغم قلة احتماله حاليا، بينما يفتح احتمالات لتفكك ليس فقط في الليكود وانما ايضا في حزب غانتس، حيث يشكل الحزب الشريك "تكفا ليسرائيل" بقيادة جدعون ساعر حزبا يمينيا جاء رئيسه وأعضاؤه من صفوف الليكود بعد خلاف مع نتنياهو، ويحظي ساعر بشعبية واسعة داخل أعضاء الليكود ووفقا للاستطلاع فقد حصل على المكان الثاني 13% ضمن أعضاء الحزب ضمن تصنيف الملاءمة لرئاسة حكومة ليكود من دون نتنياهو. إلا أنه من السابق لأوانه التكهن في هوية من سيتزعم الليكود حيث توجد مجموعات قوة عديدة.
يبقى لاعبان مركزيان قد يؤثران على توزيع الأصوات وهما رئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت الذي في حال ترشح سيكسب اصوات من حزب غانتس، ووفقا للاستطلاع يحصل على 17 مقعدا، وفي حال تحقق ذلك قد يتنافس على رئاسة الحكومة او المحاصصة والتناوب على الموقع. في حين يحظى يوسي كوهين رئيس الموساد السابق بشعبية واسعة في صفوف الليكود وهو المفضل لدى أعضاء الحزب بترؤسه بنسبة 21%.
تبقى نتائج الاستطلاع كما الاستطلاعات بالمجمل فيها دلالة وفقا للوضع الراهن حين إجرائها، إلا أنها مع الوقت باتت تشير الى منحى في تراجع قوة كتلة أحزاب الائتلاف الحاكم الحالي لصالح المعارضة
انها تعكس ايضا تراجع الثقة الشعبية بحكومة نتنياهو سموتريتش بن غفير والاحزاب الدينية، وبعد طوفان الاقصى فلسطينيا واعلان الحرب اسرائيليا، والشعور العام بعدم اليقين وانعدام كفاءة الحكومة وصدقيتها في إدارة الحرب، ومسألة النازحين والاسرى والرهائن وكذلك الوضع الاقتصادي وغياب الشعور بالأمن والأمان، كلها عوامل تدفع نحو تصدع الائتلاف الحاكم. كون هذا الاحتمال الواقعي يحدث خلال الحرب فيه دليل على عمق الازمة وتفاقمها مما يجعلها غير قابلة للضبط. ويحي بأن الهوة ستكون عميقة جدا بشأن ماذا سيكون مصير الحرب ومصير غزة وحتى طبيعة اسرائيل وفقا للرؤية الاسرائيلية.