مخيم جنين: إخفاق استراتيجي إسرائيلي ومقدمة لعدوان اخر


  • الخميس 6 يوليو ,2023
مخيم جنين: إخفاق استراتيجي إسرائيلي ومقدمة لعدوان اخر
مخيم جنين

تحددت أهداف العدوان الاسرائيلي على مخيم جنين:

• القضاء على المقاومة بعناصرها وقدراتها الآخذة بالتطور في مخيم جنين والمدينة وشمال الضفة، ردع الحاضنة الشعبية. وتضاربت المواقف بشأن السعي لتقويض السلطة الفلسطينية او الابقاء عليها وفقا للاعتبارات الاسرائيلية. وخدمة السياسات الحكومية الاسرائيلية فيما يتعلق بمستقبل الضفة الغربية وقضية فلسطين.
استخدم جيش الاحتلال أحدث ترساناته العسكرية المدمجة في الوحدات المختلفة، ووحدات النخبة العديدة وأحدث تكنولوجيا القتال البري والجوي معا. انسحبت قوات الاحتلال في ناقلاتها المصفحة وخرج آلاف الفلسطينيين الى أزقة وشوارع المخيم يحتفلون بالنصر

قراءة:

العدوان على جنين هو مخطط عسكري متكامل الأركان، خطط له منذ مدة، وليس رد فعل على حدث معين وإنما على منحى تطور في طبيعة المقاومة في شمال الضفة على محور مدينتي نابلس وجنين والبلدات المحيطة، مع اتساع نطاقه ليشمل مناطق أوسع في جنوب وشرق الضفة الغربية والاغوار.
تمحورت أهداف مجموعات المقاومة الفلسطينية المتجددة في استهداف المستوطنين والجنود. في موازاة ذلك أرادت دولة الاحتلال تحقيق عدة أهداف من عدوانها منها الميدانية العسكرية ومنها خدمة سياسات حاكمة. وتهيئة الظروف لإعادة استيطان شمال الضفة الغربية بعد إلغاء قانون فك الانفصال عن غزة وشمال الضفة من العام 2005، كما وتتماشى مع مشروع الضم والاتجاه نحو “معركة الحسم” التي تمثل الصهيونية الدينية الحاكمة بدلا من “ادارة الاحتلال” السارية حتى الآن. وهذا ينسحب ايضا على تداعيات العدوان على السلطة الفلسطينية والاتجاه الاخذ بالتسارع في المنظومة الحاكمة الإسرائيلية ، بأن وجود السلطة معوّق لمشروع الضم وينبغي التخلص منها، بينما يساند الشاباك التوجه القائل بأن السلطة الفلسطينية ضعيفة لدرجة باتت من الممكن الاستغناء عن دورها في ضبط الأمور بين الفلسطينيين في مناطق نفوذها القانونية في الضفة وحصريا شمال الضفة الغربية، وهو ارتباك إسرائيلي امني وسياسي في طرفه، عدم اكتراث لمصير السلطة وفي طرفه الآخر اعتبار تقويضها (إن استطاعت اسرائيل) خطراً ومسألة استراتيجية ذات تداعيات على وضعية اسرائيل الإقليمية والدولية والداخلية.
اعتبرت اسرائيل ان الحاضنة الشعبية للمقاومة الآخذة بالاتساع هي جزء من “بيئة الإرهاب” وفقا لمفاهيمها وينبغي كيّ وعيها من خلال التدمير الشامل والطرد الجماعي سعيا للفصل بين مجموعات المقاتلين وبين الحاضنة الشعبية، ما يجعلهم مكشوفين اكثر للضربات الاسرائيلية كما ستجعل التماسك الاجتماعي مترهلا مما يسهل مهام الاحتلال سواء العملياتية المباشرة أم سياسة الاستيطان والتهويد. كما تكررت مقولة “تحويل جنين الى مقبرة الارهابيين” اي للمقاومين والقضاء عليهم جسديا وعلى بنية تنظيماتهم، وفي المقابل كانت الآراء والتقديرات قبل العدوان، بأنه لا يمكن أن يحقق غاياته ولن يكون أكثر من حلقة تمهد للمواجهة القادمة، وذلك لأنه لا يمكن أن يكون أكثر من عملية عسكرية تكتيكية خالية من أي مشروع سياسي للحل، ويمكن اعتباره استراتيجياً إذا كان الهدف منه حسم الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، وفي كلتا الحالتين أخفقت دولة الاحتلال. بل كما يتضح من النتيجة بعد الانسحاب بأن روح المقاومة الشعبية باتت أقوى لدى الفلسطينيين في جنين ومخيمها وفي المناطق المحتلة وكل فلسطين.
سعت اسرائيل بأساليب مختلفة إلى منع امكانية تشكّل “وحدة الساحات”، كما وهددت بأنها جاهزة لكل السيناريوهات، بما فيها حرب متعددة الجبهات. وفقا للتقديرات الاسرائيلية نجحت دولة الاحتلال في تحقيق هذه الغاية وفي ابقاء مسرح الأحداث في مخيم جنين باستثناء البعد الشعبي. واعتمدت على الانقسام الفلسطيني كآلية لتعزيز التشتت الفلسطيني، وأكثرت معاهدها الأمنية وإعلامها من الترويج لفكرة “قصور السلطة الفلسطينية عن الأداء” وحتى تأليب المجتمع الفلسطيني ضدها بكونها قاصرة عن ضبط النظام من جهة وعن حماية الفلسطينيين.
كان لافتا من استهداف زرع الدمار وهدم البنية التحتية وترويع السكان، التشابه بين وقع ما تقوم به عصابات المستوطنين الارهابية من حرق القرى والممتلكات وبين نمط عمل الجيش الرسمي في مخيم جنين من تدمير البنى والممتلكات وإجبار السكان على النزوح.
ترددت حكومة نتنياهو في إسباغ تسمية للعدوان، ولم تعلن اهدافا واضحة ولم تحدد مداه، بل سعت الى اعتماد حملة اعلامية موازية من اعلام الحرب هدفها التمويه على الفلسطينيين وحصريا المقاومة، وكذلك كسب الراي العام العالمي الرسمي بأنها حملة عسكرية دفاعية عن المواطنين الاسرائيليين وبأنها تمتنع عن المس بالمدنيين الفلسطينيين ولذلك تقوم بـ”إخلائهم” من بيوتهم “لضمان سلامتهم”، ثم تلاعبت بالتوقيت وفي نقطة انهاء العدوان كي تواصل كسب التفهم الدولي الغربي وبالذات الأمريكي والبريطاني والالماني. كان من الاهمية التنبيهات بعدم تبني الرواية الاسرائيلية وكل ما يصدر عنها بل اعتباره جزءا من أدوات العدوان.
كسبت حكومة نتنياهو تأييدا مطلقا من المعارضة البرلمانية ودونما أية تحفظات تجاه العدوان على مخيم جنين. واذ واصلت المعارضة تظاهرات الاحتجاج وتشويش الحياة العامة احتجاجا على الانقلاب القضائي الذي تقوم به حكومة نتنياهو، فقد فصلت المعارضة بقيادة لبيد وغانتس بين الاحتجاج وجدول أعماله والصراع مع نتنياهو حوله، وبين الموقف من الاحتلال ومن العدوان وساندت نتنياهو. وبينما شهدت الساحة الاسرائيلية مظاهرات صاخبة ومواجهات مع الشرطة وإغلاق مطار بن غوريون واعتقالات، الا ان حركة الاحتجاج لم ترفع ولو شعارا واحدا ضد العدوان او الاحتلال.
من تتبُّع جولات العدوان في الاعوام الاخيرة، يتضح ان ما تطلق عليه إسرائيل “المعركة بين الحروب” اي الحملات العسكرية لمنع حرب شاملة، بات الشكل الوحيد الذي تقوم به اسرائيل بإدارة حروبها، كما وبدأت هذه الاستراتيجية تتآكل وباتت المرحلة ما بين عدوان وعدوان قصيرة للغاية لا تتجاوز الاشهر المعدودة.
فلسطينياً:
بالإمكان الاشارة الى القرارات الرئاسية بصدد تدعيم صمود الأهل في مخيم جنين وتوفير كل متطلبات صمودهم، ووقف كل أشكال التنسيق مع دولة الاحتلال، وكذلك تقنين العلاقة مع الولايات المتحدة وهو تطور لافت، وردّ على دعم الإدارة الأمريكية المطلق لإسرائيل وتبريرًا لعدوانها باعتباره دفاعيا. وكذلك دعوة قادة جميع الفصائل للقاء لبلورة استراتيجية فلسطينية وحدوية تتجاوز حالة الانقسام وما ينتج عنها. ولو تم الاتفاق على آلية متابعة لتنفيذ القرارات ومواجهة التحديات الناتجة عنها، والاتفاق على استراتيجية وحدوية هادفة للتحرر الوطني ومتعددة الاتجاهات المحلية والعربية والدولية. مثل هذا التوجه لو تكلل بالنجاح سيشكل إخفاقا لمجمل الاستراتيجية الاسرائيلية التي بنتها على أساس الانقسام الفلسطيني، ولشكّل تحولا فلسطينيا استراتيجيا نحو الاستفادة القصوى من تكامل الأدوار والتوجهات بدلا من الصراع الداخلي المحبط فلسطينيا.
اعتماد الفصائل على حركة المقاومة في مخيم جنين وحدها، فيه تحميل لهذه القوى الصغيرة نسبيا وقليلة الامكانيات الى ما لا قدرة لها عليه، ودفع ثمن باهظ في الأرواح والممتلكات. وهو نقاش فلسطيني داخلي ينبغي ان يستكمل ويتبلور في استراتيجيات عمل فلسطينية شاملة تضمن الحماية وتضمن التقدم نحو هدف التحرر الوطني.
عربياً، أدارت حكومة نتنياهو ظهرها لكل التزامتها حتى لتلك التي قطعتها أمام اجتماعي العقبة وشرم الشيخ، وقامت بعدوانها الثاني منذ الاجتماعيين، وهي تتعامل مع اتفاقات ابراهام والتطبيع بمثابة خلفية عربية تستطيع من خلالها تجاوز قضية فلسطين.

خلاصة:
اسرائيل دولة خطيرة ولا مكان لانتظار الفرج للمسألة الفلسطينية بأن يأتي من داخل المجتمع الإسرائيلي سواء غير المكترث بفلسطين ام المؤيد ضمن الاجماع القومي للعدوان.
أخفق العدوان الاسرائيلي الرهيب في تحقيق اهدافه، وذلك بفضل المقاومة التي قرأت وتوقعت نمط فعله، وبفضل الحاضنة الشعبية التي شكلت حالة معنوية تحمي المقاتلين وارادة الحياة الفلسطينية.
شكلت الحالة انتصارا معنويا فلسطينيا وانتصار ارادات، وباتت مشاريع الائتلاف الحاكم بالضم وتهويد شمال الضفة ومناطق ج، مسألة غير قابلة للتنفيذ وللحياة، لكن هذا مشروط في استكمال الحالة المعنوية المذكورة بالخطوات الوحدوية، نحو توحيد المعركة الفلسطينية للتحرر الوطني.
من الأهمية انعقاد اجتماع الجامعة العربية الطاريء، وهناك فرصة على أن تتبعه قرارات تنفيذية بتوفير حماية دولية لشعب فلسطين، وبإعادة النظر في طبيعة علاقاتها مع إسرائيل وفرض عقوبات عليها وإعلان الدول المشاركة الإلغاء الفوري لـ”منتدى النقب” الاقليمي كخطوة اولى.
كشفت المواقف الدولية على هزالها، أهمية تكثيف الدور السياسي والدبلوماسي والشعبي والتضامني مقابل القوى المؤيدة للحق الفلسطيني والسعي لتحريكها وفقا للأولويات الفلسطينية وللضغط على دولها بشكل فعال كي تغير سياساتها الداعمة لدولة الاحتلال على حساب ضحاياها.
تعزيز صمود الفلسطينيين وحماية وجودهم هما اولوية اولى لا تقبل التأجيل.

 

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر