عن التباين في موقفي الشاباك والجيش ووظيفة المستوطنين


  • الأحد 25 يونيو ,2023
عن التباين في موقفي الشاباك والجيش ووظيفة المستوطنين
رام الله

مع تقدم دور رئيس الشباك الحالي في تقرير مستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية، ومسألة اجتياح المدن الفلسطينية وخاصة في شمال الضفة الغربية، ثمة تباين يطفو على السطح بينه وبين موقف الجيش ، تعزز هذا التباين خاصة في أعقاب التورط في جنين في 19 حزيران. إذ كان موقف الشاباك أقرب الى اجتياح شمال الضفة والقضاء على ما اتفق أنه تحّول نوعي في بنية وقدرات مجموعات المقاومة الفلسطينية. فالشاباك يتهم بأنه صاحب الاخفاق في الكشف المسبق عن العبوات الناسفة الجانبية التي استخدمت بنجاعة هذه المرة، وفي موقفه الداعم للاجتياح الشامل محاولة رد الاعتبار. 

 تميز موقف الجيش في هذا الصدد بالتحفظ على الاجتياح الذي يمكن ان يتدحرج الى احتلال طويل، إذ لديه أدوات فتاكة دون الحاجة الى اجتياح او عملية " السور الواقي2"، على غرار 2003، في حينه كانت السلطة وفصائل م. ت. ف.  هي من تقود الانتفاضة الثانية، وبذلك تم تبرير اجتياح المدن، بينما اليوم، للسلطة موقف متعارض تماما لما كان. كما ان الجيش كما عبر العديد من قادته، يعتقد ان سلطة فلسطينية قوية تضمن الأمن وتضبط الفعل الفلسطيني، وهو الموقف الذي قاده الشاباك بشكل ثابت في المرحلة السابقة، الا ان هناك تآكل في هذا الموقف كما يبدو.

الانزياح الحالي في المواقف من السلطة الفلسطينية ووجودها، يتجلى في ان سياسة الحكومة في الضفة الغربية، يقودها فعليا الوزير سموتريتش باستثناء ادارة شؤون الجيش، وهذا حسب الاتفاق الائتلافي الذي هو بمثابة قانون.  كما أن الوزير القوي في الحكومة سموتريتش معني استراتيجيا بالقضاء على السلطة الفلسطينية ولا يخفي أن هدفه " بناء دولة يهودية خالصة بين النهر والبحر " ولذا فهو يدعو لاجتياح المدن والمخيمات سعيا للحسم حسب عقيدته. ثم ان المستوطنين يعملون حسب توجيهاته من ناحية اخرى في المقابل يعمل لحسم قرارات الحكومة على وقع ارادة المستوطنين. كما أن الشاباك يعرف عن تحركات المستوطنين وتوجهاتهم ويرصدها بدقة ولديه دائرة متخصصة تدعى "الدائرة اليهودية" وبالأصل "الدائرة غير العربية" [في كل مؤسسات الدولة وأدبياتها يستخدمون مفهوم "غير اليهود" وفقط الشاباك يستخدم "غير العرب"]، لكنه لا يحرك ساكنا لمنعهم، وهذا يعني انه يرى وظيفة لهذا الدور تخدم أهدافه، في فرض السيطرة على الفلسطينيين وردعهم، وفي تفتيت أية حاضنة شعبية للتنظيمات المسلحة وهي تقاوم الاحتلال.

ما يحدث من انفلات المستوطنين هو سلوك عقلاني وليس "فورة دم"، كما يروّج، بل يخدم خطة الحسم والترويع والتطهير العرقي. حتى المجزرة في حوارة وترمسعيا وحرق القريتين، ليست غرائزية، بل عقلانية، اي تسير حسب مخطط كبير وتخدمه. فالقرارات بعد عملية مستوطنة "عيلي" هي ايضا عقلانية، وجاءت فورية، ببناء 1000 وحدة سكنية في المستعمرة، وكذلك عودة المستوطنين الى بؤرة ‘افيتار” الاستعمارية دون منع الجيش لهم، وإعلانهم بأنهم "عادوا ليبقوا".

وهذا قرار سياسي يتدحرج نحو الجيش الذي ينصاع للحكومة لا للقانون كما هدد رؤساءه قبل شهرين في خضم الصراع في مسألة التشريعات والصراع على استقلالية الجهاز القضائي. وهذا يتعارض مع موقف الجيش وتقديراته لخطورة اجتياح المدن الفلسطينية، لأن ذلك سيجعله يقوم بنمط فعل شرطي بعد اقتحامها، كما سيستغرق من قوته التي يبنيها ضد إيران والجبهة الشمالية حين تأزف الساعة.

قادة الجيش السابقين ومعهم كل الاجهزة الامنية السابقين يعارضون تقويض السلطة الفلسطينية، بل على العكس يرون أن إضعافها خسارة استراتيجية لإسرائيل التي لا تملك اي افق للحل مع الفلسطينيين. الا ان التحول هو في موقف الشاباك حتى وأن لم يكن اجماع عليه داخل الجهاز، كما تشير التصريحات والتحليلات العلنية.

الشاباك برئيسه الحالي رونين بار يدرك ان اجتياح شمال الضفة قد يقوّض السلطة الفلسطينية لكنه يؤيد الاجتياح المحدود زمنيا وهو يدرك أيضًا وكما في كل عدوان، بانه لا يتحكم بالمدة الزمنية، كما انه يدرك ان مجزرة ترمسعيا تسدد ضربة معنوية هائلة للسلطة الفلسطينية، على العكس يستفيد ايضا من الاصوات الفلسطينية التي تتذمر من "تقاعس السلطة" عن حماية شعبها، بما فيه في مناطق (ج) التي تمنعها دولة الاحتلال من اي تدخل فيها.

الشاباك وبشكل غير مألوف أرسل مندوبه ليتحدث من وراء ستار الى لجنة الكنيست المعنية بالمشاريع لاستيطانية ليدعم مشروع القانون القاضي بتخويل لجان القبول في البلدات الصغيرة لغاية ألف مواطن من رفض سكن مرشحين للإقامة والتملك من غير الملائمين لطابع البلدة. وأكد مندوبه الذي تحدث من وراء ستارة، بأن تهويد الجليل مسالة أمن قومي. وقد برر ذلك بالتواصل الجغرافي اليهودي والحضور السكاني اليهودي الملموس، والى ان الدولة ستصغي أكثر الى احتياجات هذا الحضور وتفرض تواجدها التنفيذي والشرطي وسيقوم الشاباك بمنع اي مس بهذا التواجد باعتباره معاديا للدولة، وكذلك في اضعاف التواجد العربي المكثف في الجليل ومنع تواصله. هذه المبادئ هي ما رسخها التيار الصهيو-ديني في الاتفاق الحكومي بشأن تهويد الجليل والنقب ومناطق ج في الضفة الغربية والقدس. كما أكد مندوب الشاباك الذي بقي اسمه طي الكتمان بأن هذا هو موقف رئيس الجهاز. وفيه دلالة على احتمالية انصياع هذا الجهاز للسياسات الوزارية، او التقاطع معها في التقديرات. 

ردا على مجزرة بلدة ترمسعيا يوم 21/6/2023 بأنه لم تكن لديه اية معلومات حول النوايا باقتحام المستوطنين لها، ومثل هذه المعلومات تأتي دائما من الشاباك، بل ان الجيش يبدو وكأن كتيبة الضفة العسكرية لا تنصاع لقيادة أركانه العامة، بل تعتبر انها والمستوطنين كيان واحد، كما أن حالة الإرباك الداخلي تجلّت في كون عصابات المستوطنين الإرهابية قامت بمحرقتها بحماية الجيش وتحت ناظره، بعد أن حاصر البلدة ومنع الدخول اليها او الخروج منها. وهو نهج تاريخي صهيوني في كل المجازر المروّعة بحق الشعب الأصلي.

التباين بين الجيش والشاباك من شأنه أن يخلّ بالتوازن الذي كان حاضرا على الدوام، بين الأجهزة الأمنية الجيش والشاباك والموساد من جهة وبين الحكومة، سواء في الشأن الايراني ام الفلسطيني وما كان حاسما هو موقف الاجهزة الامنية الثلاث المجمعين عليه. بينما نرى ان الشاباك بات أقرب الى توجهات الحكومة وحصريا سموتريتش المعني وبقناعة بضرورة تقويض السلطة الفلسطينية لتيسير مشروع التيار الحاكم الذي يقوده. (بن غفير تحول الى حالة صوتية لا أحد يصغي له في قضايا الأمن).

في الخلاصة:

 يبدو أن تقويض السلطة الفلسطينية لم يحسم بعد داخل الاجهزة الامنية لدولة الاحتلال، وليس بالضرورة ان تكون هذه الدولة قادرة على تقويض السلطة الفلسطينية التي تحاصرها منذ سنوات، لكن التحوّل الجدير بالتوقف هو دخول عامل يتفاعل بكثافة وهو التقييمات المختلفة لمرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس، وهو شأن يشغل دولة الاحتلال بكل منظوماتها.

كما يتضح أكثر ان الشاباك معني بفك الارتباط والتوقعات بين مستقبل الفلسطينيين في مناطق ج وبين السلطة الفلسطينية، وتعميق تذمر السكان منها ومن عدم توفيرها لأية مقومات للحماية في منطقة يمنعها الاحتلال من اي فعل فيها. وهو مؤشر اضافي الى انزياح معين في الكفة لصالح المعنيين اسرائيليا في تقويض السلطة الفلسطينية.

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر