تعدد الجبهات وتفاوت المواقف الإسرائيلية مؤشرات تغيير استراتيجي تجاه حماس


  • الجمعة 19 مايو ,2023
تعدد الجبهات وتفاوت المواقف الإسرائيلية مؤشرات تغيير استراتيجي تجاه حماس
غزة

تقديم:

في خطابه في احتفالية "يوم القدس" الاحتلالي (18/5/2023)، اعتبر رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو بأن الرسالة التي سعت لها إسرائيل من وراء "الدرع والسهم" قد وصلت "لأماكن أخرى" واستُوعبت. وأطلق تهديداته بأن اسرائيل على جهوزية عالية لمعركة متعددة الجبهات. وبأنّ إصراره على مسيرة الاعلام في “يوم القدس" جاءت "رغم التهديدات، بل وحصرياً بسبب التهديدات ... وفي المسار المحدد وكما هو متّبع وحسب قانوننا".

تحليل:

تتكرر التصريحات الاسرائيلية والتقارير الإعلامية بصدد الجهود القصوى التي تبذلها إدارة بايدن وفي تطبيع العلاقات السعودية الاسرائيلية التي تعتبرها الولايات المتحدة اولوية عليا، فيما يؤكد نتنياهو والدوائر المقربة منه بأنها اولوية قصوى وغايته الاولى، حتى ولو اقتصرت الجهود على التقدم خطوات نحو تحقيق هذه الغاية.

في السادس عشر من ايار/مايو ناقشت قيادة الأركان الاسرائيلية في إطار يوم دراسي عقد في مقر قيادة الجبهة الشمالية الخطة الخماسية والتي تمحورت حول رفع الجهوزية والقدرات والتدريب على حرب متعددة الجبهات وبالتزامن، كما وأكد بأن "إنجازات "الدرع والسهم"، كما يطلق عليه الاحتلال، في قطاع غزة ضد الجهاد الإسلامي، ليست بالضرورة قابلة للتطبيق في المعركة ضد حزب الله في لبنان".

تطرقت قيادة الجيش في تخطيطاتها إلى الأهمية القصوى للتدريبات والجهوزية استعدادًا لمواجهة في عدة جبهات متزامنة، ليؤكد قائد الأركان هرتسي هليفي بأن احتمالات الحرب، عالية وملموسة وأن "الأمور تختلف إذا نظرنا إليها من الجبهة الشمالية المباشرة عما ينظر إليه من تل أبيب" في اشارة الى وزارة الأمن والحكومة.

تمحور اليوم الدراسي العسكري النخبوي في محاولة فهم قوات النخبة في حزب الله ومنها "قوة الرضوان" معتبرا أنهم ماضون في بناء جهوزية عالية لمحاربة إسرائيل، وفي كيفية الرد الاسرائيلي، بما فيه احتلال المنطقة الجنوبية من لبنان في ظروف حرب الصواريخ الكثيفة وعمليات داخل إسرائيل.

قلق المؤسسة العسكرية:

تطرق قائد الاركان الاسرائيلي الى التجنيد الواسع لقوات الاحتياط ورفع جاهزيتها ، كما يبدو في أكثر من  إشارة في الجيش، الأولى ، هي تأكيد أهمية قوات الاحتياط التي اعتزمت أوساط واسعة ونخبوية فيها رفض الخدمة ومنها رفض التدريب لرفع الجهوزية، والتي شكلت عاملا محوريا في رفع أثر حركة الاحتجاج على الانقلاب القضائي الذي سعت اليه حكومة نتنياهو، بينما الاشارة الجوهرية الاخرى هي التراجع الحقيقي والملموس في إقبال مجندي الاحتياط على الخدمة والتي باتت ظاهرة تعود لأسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية، ومهما كانت المسببات فهي مصدر قلق كبير لقيادة الأركان، ومعوّق لتطبيق مخططاتها طويلة الأمد.

يكثر الحديث الفلسطيني الفصائلي في السنتين الأخيرتين وحصرياً منذ معركة "سيف القدس" عن وحدة الساحات، والذي لم يكن في أيار/مايو 2021 بمثابة استراتيجية مبنيّة، وإنما توفرت ظروف ولّدته، وبات ملهماً نحو بلورة استراتيجية بهذا الصدد تكون فلسطينية وإقليمية لحركات المقاومة. عمدت اسرائيل في كل جولاتها العدوانية حتى قبل العام 2021 الى تفكيك الروابط بين الجبهات، وهكذا فعلت تاريخيا في السعي إلى تجنب حروب متعددة الجبهات مع المحيط العربي ودول الطوق، وكانت الصدمة الكبرى والخطر الوجودي كما تراه هي حرب تشرين 1973 على الجبهتين المتزامنتين المصرية والسورية.  في المقابل في كل حروبها اعتمدت مبدأ آخر وهو أن تقوم هي بالمبادرة لحرب متعددة الجبهات كما حدث في عدوان 1967 وهزيمة جيوش مصر وسوريا والأردن معا. ما تخطط له إسرائيل حاليا وهو ما تم الحديث عنه خلال "ثأر الأحرار"، وهو المبادرة الى تسديد ضربة متعددة الجبهات، وهنا تندرج استعدادات جيش الاحتلال ومخططاته المستقبلية كما تحدثت عنها وقائع اليوم الدراسي العسكري المذكور في قيادة المنطقة الشمالية. اذ تقوم بالسعي لتحويل وحدة الساحات بصفتها استراتيجية مهددة لإسرائيل الى استراتيجية استباقية عدوانية لها.

تباين في الموقف من حماس:

من دلالات توقف المستويين السياسي والعسكري على الترويج للضبط الكامل لعملية اغتيال قادة الجهاد الإسلامي، ومن ثم نشر تفاصيل الدمج بين قدرة القنابل الأمريكية التي استخدمت في اختراق نوافذ بيوتهم، ودقة التنسيق الاستخباراتي العملياتي بين الجيش والشاباك الذي ضاعف من فاعلية هذه القنابل، فإن إسرائيل كانت معنية بإيصال تهديداتها الى القاصي قبل الداني بأن ذراعها ستطالهم.

تتفاوت القراءات الاسرائيلية بشأن الموقف من حركة حماس كما تجلى في العدوان الأخير، وهي تباينات بدأت بين المستويين السياسي الذي يتعمّد كما الحكومات السابقة تحميل حماس كامل المسؤولية عن أية صواريخ تطلق من قطاع غزة، واستهدافها، والمستوى العسكري الذي أراد استبعادها.

يضيف قائد أركان جيش الاحتلال بُعدا جديدا في تصريحاته وهو الاختلاف الجذري بين الجبهات، في اشارة منه الى انه ما ينفع في غزة لا ينفع بالضرورة في لبنان. وهو يدل على صعوبة ضبط الأمور اسرائيليا.  بينما، اختلاف وجهات النظر والتقدير بين الجيش والشاباك من جهة وبين المستوى السياسي بشأن الموقف من تحميل حماس مسؤولية ما يقوم به الجهاد وتسديد ضربة لها، والموقف العسكري القائل بضرورة استبعاد حماس من المواجهة. حسم موقف الجيش الموقف خلال العدوان، لكن يعود ليطرح إسرائيليا من جديد على مستوى الحكومة، وعدم الاكتفاء بأن تحسن أوضاع الفلسطينيين في غزة ومراكمة الأموال لدى حماس، وفقا ليسرائيل هرئيل في هآرتس، والناتج عن التهدئة وعن دخول حوالي العشرين ألفا من العمال إلى إسرائيل بشكل ثابت، فقد يحصل تغيير في تقديرات وموقف جهاز الامن العام الشاباك نحو تبني استراتيجية اسرائيلية قائلة بنزع حماس من أسلحته التي باتت تشكل خطرا استراتيجيا ليس وجوديا على اسرائيل.

ضمن ما تشمله الخطة الخماسية للجيش هو الوصول الى جهوزية موثوقة ضامنة للحسم في الجبهات المتعددة والمتفاوتة، في حال الاضطرار الى الحرب، من إيران إلى الجبهتين الشمالية والجنوبية في فلسطين، سواء تم فرضها على اسرائيل ام بادرت الاخيرة لها.

في حين تتجه المنطقة العربية الى حل الصراعات الإقليمية العربية العربية والعربية الايرانية، وحاليا حل الحرب السودانية التي تهدد وحدة البلد، فإن اسرائيل تبدو أكثر مصدر تصعيد اقليمي متعدد الجبهات، ناهيك عن التصعيد في سياساتها تجاه شعب فلسطين وقضيته وحقوقه.  وفي حين لا تملك اية نية لأي حل سياسي مع الفلسطينيين، فإنها تقيم كل سياساتها على التصعيد العسكري كحل، مستعينة بأدوات السيطرة والضبط لتفكيك الترابط الفلسطيني حتى ولو في احتماليته المستقبلية.

خلاصة:

تعتمد اسرائيل استراتيجية وحيدة، وهي التعاطي العسكري، دونما أي سعي لتوفير أي مخرج سياسي، وهي تتناقض مع المنحى العام في المنطقة.

تسعى اسرائيل لمواجهة استراتيجية وحدة الساحات المعلنة فلسطينيا وغير المكتملة بعد، الى استهداف مقومات هذه الاستراتيجية، سواء بالسعي لتفكيكها ام لتسديد ضربات استباقية متعددة الجبهات لحركات المقاومة او تهديد جبهة من خلال استهداف جبهات اخرى كما حدث مع الضربة التي استهدفت قادة الجهاد العسكريين. وإذ تعتبر استبعاد حماس عن المواجهة في الجولات الأخيرة إنجازا استثنائيا بالنسبة لإسرائيل، فإن المواجهة مع حركة حماس هي مسألة وقت، تسعى لاستبعادها، وفي ذات الوقت الى تعزيز الجهوزية لشن عدوان واسع يستهدف سلاح وقدرات حماس.

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر