الأشخاص مع توحد..تحديات تواجه العائلات وطرق علاجية


  • الأربعاء 17 مايو ,2023
الأشخاص مع توحد..تحديات تواجه العائلات وطرق علاجية
التوحد

تواجه عائلات الأشخاص مع توحد تحديات جمة في التعامل مع أبنائها الذين يعانون من هذا الاضطراب بحسب تعريفه من قبل المختصين في المجال، حيث يُعرّف طبيب مختص التوحد بأنه، "اضطراب عصبي يُظهر صعوبات في مجالين أساسين وهما التواصل والتفاعل، وفي مجال السلوكيات".

ويقول د. كريم نصر المعالج الوظيفي المتخصص في مجال الإعاقات التطورية في حديث للجرمق، إن، "المجال الأول الذي يظهر به صعوبات لشخص مع توحد هو التواصل والتفاعل الاجتماعي، كالصعوبات في التبادل الاجتماعي، وفهم أوضاع اجتماعية معينة، أو فهم قوانين اجتماعية وتواصلية، ويواجه أيضًا صعوبات في فهم وقراءة واستعمال لغة الجسد للتواصل، فالأشخاص مع توحد يجدون صعوبة بفهم تعابير الوجه، ولغة الجسد المرتبطة بمشاعر معينة، ولا يعرفون كيف يستخدمونها".

ويتابع كريم نصر أحد مؤسسي جمعية جسور لأشخاص مع توحد للجرمق، "هنا نحن نتحدث عن أمور أساسية في التبادل الاجتماعي، والصعوبة تتمثل بالاستمرارية لدى الشخص مع التوحد بهذا التبادل، فالشخص مع توحد يستطيع إدارة حديث، ولكن لديه صعوبة بالاستمرار بهذه المحادثة، فالمحادثة بين شخصين عاديين، تتم عندما شخص يسأل وآخر يجيب، ثم يتواصل الشخصان مع بعضهما البعض، أما الشخص مع توحد يجد صعوبة في هذا التبادل، ومن الصعب عليه إدارة الحديث".

ويضيف، "المجال الآخر الذي يظهر فيه صعوبة لدى شخص مع توحد هو المجال السلوكي، فبدونه لا يوجد تشخيص لـ ’التوحد’، والصعوبات هنا تتعلق ب حركات نمطية لدى الأشخاص مع توحد، مثلًا رفرفة في اليدين أو حركة جسم معينة أو روتين معين يعتاد عليه الشخص، ويجد صعوبة في تغييره، أو يجد صعوبة في الانتقال من فعالية لفعالية آخرى، أو لديه طقوس معينة إن لم تتم كما يريد ممكن أن تُسبب له وضع نفسي سيء".

ويردف، "أحد الجوانب الأساسية التي يجب التركيز عليها لدى الأشخاص مع توحد هي صعوبات على الجانب الحسي، فمثلًا ممكن أن يكون لدى الشخص مع توحد حساسية عالية أو متدنية لمثيرات حسية تأتي من المحيط".

كيف يُمكن التعامل مع شخص مع توحد؟

ويوضح د.كريم نصر أن، "الأشخاص مع توحد يظهرون من الخارج كأشخاص عاديين، لأن إعاقتهم غير مرئية، فعندما نرى شخص مع توحد غير متلائم مع المحيط وردود فعله غير متلائمة وتواصله ليس جيدًا، بسهولة يجب أن نفهم أنه لا يملك الوعي الكافي، ولكن في بعض الحالات يتم تحليل وضعية الشخص مع توحد بأنه متعالي أو خجول أو غير اجتماعي بالمعاني الشخصية".

ويتابع للجرمق، "يجب أن نفهم أن الأشخاص مع توحد يريدون أن يتواصلوا معنا، ولكنهم لا يعلمون كيف يتم ذلك، ويجب أن نفهم أن لديهم صعوبات وإعاقة معينة، ولا يسيطرون عليها، ليس لأنهم تربوا بطريقة معينة، ولكن هذه الصعوبات عصبية وذهنية".

ويردف، "من المهم أن نفهم فحوى الصعوبات لكي نستطيع التعامل مع شخص مع توحد، فالشخص مع توحد ربما يصعب عليه فهم أوضاع اجتماعية معينة، فالشخص العادي يفهم كيف يجب أن يتصرف في حفل زفاف أو زيارة معينة وجميع هذه قوانين لا نتعلمها إلا من خلال الحياة، أما الشخصيات مع توحد يجدون صعوبة في فهمها، ولا يستطيعون استنتاجها، ويجب علينا كأهل أوأشخاص بجانبهم أن نقوم بتعليمهم بشكل مباشر، وكيف نبدأ حديث، وكيف نتصرف في أوضاع معينة، وألا نتركهم لوحدهم يتخبطون".

ويضيف للجرمق، "الأشخاص مع توحد لديهم صعوبات في فهم ما وراء الحديث، ولذلك يقال عنهم صادقين ويتحدثون دون تزيين للجمل، وبالتالي يجب التعامل معهم بشكل مباشر ومقتضب وواضح، فمثلًا عندما نصف الطفل مع توحد بـ "المجتهد" يجب أن نُخبره ما الأمر الذي فعله ليقال له بأنه مجتهد، فيجب أن تكون جملنا مختصرة وقصيرة".

ويتابع أن، "إحدى القضايا التي يجب الانتباه لها خلال التعامل مع طفل مع توحد، هو أنه من الممكن أن يكون لديه صعوبات حسية، مثلًا حساسية زائدة أومتدنية لمثيرات عادية، هناك أشخاص لا يحبون اللمس أو الضجيج، أو المشي دون حذاء، وبالتالي يمكن أن تؤثر هذه الأمور على توازنهم، ولذلك علينا أن نوفر لهم الجو الملائم".

ويضيف، "كمجتمع أيضًا يجب أن نوفر الأماكن لتكون مناسبة لأشخاص مع توحد، فمثلًا هناك دول متاحة للأشخاص مع توحد، ولديها أيام معينة للسينما أو حفلات خاصة بالأشخاص مع توحد".

ويردف، "التعامل مع أشخاص مع توحد يتم بشكل جيد عندما نفهم ما هو التوحد وما هي تداعياته على المستوى اليومي، ونحاول دائمًا أن نوفر الجو الملائم للتطوير والتعليم".

تجربة شخصية

وحاور "الجرمق الإخباري" والدة طفلة مع توحد التي تحدثت بدورها حول الصعوبات التي واجهت العائلة منذ لحظة تشخيص الاضطراب لدى فرد بينها، حيث تقول إيمان عُمري متطوعة في جمعية جسور في حديث للجرمق، "الصعوبات كثيرة جدًا، إذا عدنا لعدة سنوات للخلف، عندما كانت ابنتي أصغر عُمرًا، لم يكن لديها القدرة على التواصل ولكنها اكتسبتها فيما بعد، عن طريقنا كعائلة وعن طريق الطاقم المعالج، عندما كانت عُمرها سنتين، لم تكن تستطيع التعبير عن نفسها وماذا تريد، وكانت تقوم بضرب نفسها عندما تنزعج من شيء معين، أو عندما تشعر أن الشخص أمامها لم يفهمها".

وتقول للجرمق، "عندما كنت أشاهد ابنتي، أشعر بالذعر، وأقوم بسؤال من حولي ما الذي أستطيع فعله معها، وكانت تصلني اقتراحات مختلفة، وفي نهاية الأمر اكتشفت أنها تتقبل القصص فقمت بتعليمها كل شيء برواية القصص لها".

وتتابع للجرمق، "بدأت أشعر بعد مدة أنها تشعر بالهدوء، والآن أستطيع بدرجة 90% أن أتركها لوحدها مع أطفال لتلعب معهم"، مضيفة، "حتى عندما تلعب مع الأطفال نحاول أن نساعدهم على فهمها".

وتضيف، "عندما كانت أصغر، لم أكن أعلم كيف يجب أن أتعامل معها، فقمت بسؤال مختصين وأشخاص على معرفة بالتوحد، وقرأت كثيرًا، ولكن اليوم شقيق ابنتي الصغير ذو 3 سنوات يساعدني، فهو يدي اليمين معها".

ووجهت عُمري نصيحة للأهالي الذين لديهم أطفال مع توحد، "أنصحهم بأن الطفل مع توحد بحاجة لعناية، في البداية الأمر صعب جدًا، ولكن يجب علينا ألا نخسر الوقت في الخجل من وضع ابننا الذي يعاني من اضطراب وكلما كُشف الأمر وتم التعامل معه للتغلب عليه أسرع كلما كان هذا الأمر جيد بالنسبة له".

المدارس المتوفرة لأشخاص مع توحد

ويقول د.كريم نصر في حديثه للجرمق، "لدينا في البلاد عدة أنواع من الأطر الملائمة لأشخاص مع توحد، وهي أطر تعليمية، تتعلق باحتياجات الطفل ومستوى الاضطراب لديه، فهناك أطفال يندمجون بالتربية العادية مع مساعدة، أي أنهم ملائمين من ناحية ذهنية للتعلّم مع أطفال عاديين، ولديهم صعوبات اجتماعية معينة ولكن من الممكن أن يندمجوا مع مساعدة معينة مع توعية طواقم التعليم".

ويضيف، "الإطار الثاني، هو صفوف تواصلية في مدرسة عادية، أي تحتوي المدرسة على صف فيه 8 أولاد مع توحد، مع معلمة تربية خاصة ومساعدين ومعالجين، ويتعلم الأطفال في هذا الصف بطرق خاصة ولكنهم يتواجدون في محيط عادي، ويكونون بالتالي أكثر تواصل ومشاركة وتفاعل مع الأطفال العاديين".

ويتابع، "الإطار الثالث، هو إطار تربية خاصة لأطفال مع توحد لديهم أداء منخفض وصعوبات كبيرة بحاجة لمكان يعطي الحماية ويوفر لهم أجواء ملائمة، وجو يعطي العلاجات المكثفة التي تساعد الأطفال مع توحد بالمدرسة".

جمعية جسور-الجمعية العربية للتوحد

ويقول د.كريم نصر أحد مؤسسي جمعية جسور وهي الجمعية العربية للتوحد بأنها أنشئت في أواخر عام 2016 من قبل مهنيين وأهالي أشخاص مع توحد، وناشطين فعالين ومجتمعيين، استجابة للاحتياجات المجتمعية للأطفال العرب مع توحد ورفع الوعي للتوحد".

ويتابع للجرمق، "اليوم هناك حاجة لتوعية مجتمعية حول التوحد، وللضغط لتطوير الخدمات، فنحن ضغطنا لإقامة مدرسة توحد في مدينة حيفا، وبهذا نستطيع مساعدة الأهالي للحصول على الحقوق العلاجية والخدماتية وليس فقط معرفة حقوقهم وإنما كيف يمكنهم الحصول عليها ومع من يمكنهم التواصل". 

ويضيف، "نحن نعمل بشكل تطوعي، لرفع التوعية ولضمان وجود خدمات أكثر ولدينا مشاريع أساسية، فنحن نعمل الآن على مشروع مع وزارة الرفاه الإسرائيلية وصندوق مبادرات في 5 بلدات عربية (مجد الكروم ونحف والبعنة ودير الأسد والرامة) لإجراء مسح كبير لجميع الخدمات الموجودة للأشخاص مع توحد في هذه البلدات ولاحتياجاتهم، لعمل استراتيجية لإعطاء استجابة مناطقية لهذه البلدات كي يستطيعوا العمل".

ويختم نصر حديثه  للجرمق، بأن الجمعية تقّدم محاضرات لرفع الوعي حول الخدمات والاستحقاقات للأشخاص مع توحد، كما تعمل بالمجال القانوني لإثارة الوعي بكل ما يتعلق بتعيين الطواقم التعليمية بالمدارس فهناك إشكالية قانونية في هذا الأمر".

 

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر