العدوان الإسرائيلي على غزة: نجاحات تكتيكية وإخفاق استراتيجي


  • الأحد 14 مايو ,2023
العدوان الإسرائيلي على غزة: نجاحات تكتيكية وإخفاق استراتيجي
غزة

تقديم: اعتبر رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو ومعه وزير الحرب وقادة الاجهزة الامنية بأن الضربة الاستباقية واغتيال قادة الجهاد الاسلامي العسكريين الثلاثة بأنها حققت معظم أهدافها. وقد حذر مساء اليوم ذاته من أي رد فعل فلسطيني معتبرًا اياه عدوانًا على إسرائيل.

وفقاً لنتنياهو وغالنت فإن الجهاد الاسلامي ببنيته وتنظيمه وقادة سراياه وافراده قد بات مكشوفا على مدار الساعة بفضل دمج المعلومات الاستخباراتية والقدرة العملياتية والتكنولوجية للجيش والشاباك في وحدة واحدة، وبأن الجهاد قد تلقى الضربة الأكبر في تاريخه. 

أولت اسرائيل اهمية قصوى للتأكيد على انها مستعدة لمواجهة معركة متعددة الجبهات، وفي المقابل التأكيد بأن حماس لم تدخل المعركة، بل التقديرات أن حماس لن تدخل المعركة، وقد هدد الوزير يسرائيل كاتس بأن استهداف كلا من السنوار وضيف هو الأمر الراجح في حال دخول حماس المعركة بالإضافة إلى التهديد بمنع دخول عشرين الف عامل فلسطيني من غزة إلى المرافق الإسرائيلية يوميًا.

جاء رد الجهاد الاسلامي بعد ما يقارب 36 ساعة من الضربة العدوانية الاولى التي بادرت إليها إسرائيل.

عاد وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير وكتلته إلى جلسات الحكومة والكنيست بعد إعلان مقاطعتها احتجاجا على سياسة رئيس وزرائه، واعتبر وزير الامن القومي بأن ضغوطاته التي مارسها على نتنياهو كانت ايضا مسببا في المبادرة الى العدوان، بينما انكر الاخير ذلك ومعه قادة الجيش والامن، مؤكدين ان لا علاقة للسياسة الحزبية بقرار الحرب. وساند رؤساء المعارضة البرلمانية غانتس ولبيد العدوان وقرار الحكومة.

تحليل:

في الساعات الاولى وخلال اليوم الاول من العدوان، ساد شعور من النشوة والاحتفالية في الراي العام الاسرائيلي شاركت فيه المؤسسة السياسية والإعلامية، وارتفعت بلحظة أسهم نتنياهو بعد ان حظي العدوان بتأييد ومساندة المعارضة البرلمانية الصهيونية. كما واعتبرت اوساط واسعة ان اسرائيل بمبادرتها تكون قد استعادت قوة الردع المتآكلة نتاج الأزمة السياسية الحادة، واعتبر البعض أن "اسرائيل تعود الى ذاتها والى صوابها". تبجّح رئيس الحكومة ووزرائه بدقة عملية الاغتيالات المتزامنة، مهددًا بالاستعداد لحرب متعددة الجبهات، كما شدّد على ان هذا النمط من الاغتيالات للقيادات الفلسطينية وغير الفلسطينية في منازلهم وفي غرف نومهم قد يطال كل من تسوّل له يده الاعتداء على اسرائيل، في اشارة الى حماس والى حزب الله وغيرهما.

تأخر الرد الفلسطيني لست وثلاثين ساعة أربك التوقعات الإسرائيلية بما فيها الاستخبارات العسكرية والشاباك، كما تحولت حالة النشوة الى حالة قلق وأرق وترقّب، ليضطر وزير الحرب الى اعلان حالة الطوارئ بعمق 40 كيلومترا، ثم 80 كم، وطالب بالاستعداد لفتح الملاجئ في منطقة تل ابيب، وبدأت تتعطل حركة الملاحة الجوية الى مطار اللد (بن غوريون)، كما قام الالاف من سكان مستوطنات غلاف غزة الاسرائيلية بالنزوح طوعاً نحو الشمال ومركز البلاد وتم نقل الالاف من قبل الدولة.

شدد نتنياهو ووزير الحرب على الاستخدام العملياتي الناجح لصاروخ "مقلاع داود" والذي يكلف مليون دولار، وذلك في استهداف الصواريخ التي أطلقها الجهاد الاسلامي نحو تل ابيب، الا ان انشغال نتنياهو ووزيره في تعداد الصواريخ ونوعيتها قد لاقي انتقادات لكونها مسائل تفصيلية اقرب الى تسويق تجاري لعتاد حربي منه الى قائد دولة يأتي ببشرى الى جمهوره، كما وتعامل مع الفلسطينيين وحصريا مع غزة كحقل تجارب للتكنولوجيا العسكرية المتطورة.

سادت اسرائيل حالة من فقدان السيطرة على المسار ووتيرة رد الفعل الفلسطيني التي تسعى الى توقّعها مسبقا وضبط نمطها، لدرجة ان حالة النشوة والاجماع بدأت تتآكل وبدأت تحليلات امنية وعسكرية جديرة تتحدث عن تغيير في طبيعة العمل الفلسطيني وعن خشية اسرائيل من ان تكون الفصائل الفلسطينية قد اهتدت الى استراتيجية "الاستنزاف الهادئ" كما أطلق عليها المعلق العسكري رون بن يشاي.

كان رد الفعل الدولي الغاضب والاول من مصر التي اعتبرت ان اسرائيل قد غدرت جهودها وقامت بتبخيس دورها في توفير شروط التهدئة طويلة الامد، وبأن تل أبيب  قد انقلبت على نتائج اجتماعي العقبة وشرم الشيخ في هذا الصدد. وقد تخوفت إسرائيل من رد فعل مصري لا يستجيب لندائها بالتهدئة بعد بداية عدوانها.

بخلاف الضربة الاولى التي كانت بطبيعة الحال ، سيطرة اسرائيلية مطلقة وبدقة كبيرة بالمفهوم العسكري، لكنها لم تسيطر على وتيرة رد الفعل الفلسطيني ولا على المسار ولا على النهايات كما كانت ترتئيها.

اعتبرت المؤسسة الاسرائيلية بأن الجهاد الاسلامي بات أضعف نتيجة للضربات التي تلقاها في العامين الأخيرين في غزة باستهداف قادته العسكريين وفي الضفة بتصفية العديد من كوادره، وفي القضاء على نسبة عالية من مخزونه الصاروخي، ونتيجة للقدرات الاستخباراتية التقنية التي تجعل قادته كما قادة حماس تحت اعين القوة العسكرية الاسرائيلية العدوانية. بل أعلن الناطق باسم جيش الاحتلال بأن الجهاد الاسلامي حارب وحيدا وبات في "حالة من المهانة" وعليه من المحتمل ان يسعى للرد في جبهات اخرى غير غزة.

كما اعتبرت هذه المؤسسة بأن عدم دخول حماس المعركة هو انجاز كبير الأثر، وأن وحدة الساحات لا تتحقق ميدانيا لغاية الان.

سيبقى السؤال مفتوحًا ما إذا كان العدوان هدفه الخروج من مأزق نتنياهو السياسي الحزبي، الا ان سير الامور ونتائجها السياسية فيها من الدلالات الكثير، اذ نجح نتنياهو تكتيكيا في إطالة أمد ائتلافه الحاكم مع الصهيونية الدينية وفي رفع شعبيته المتدهورة، الا ان اطالة امد المواجهة العسكرية قد يرتد عليه، ولذلك عاجل الى طلب الوساطة المصرية والامريكية والقطرية والأممية.

وفي هذا السياق ، تفيد التقديرات بتراجع نتنياهو عن التشريعات والانقلاب القضائي، وهذا يضع ائتلافه امام نقطة تفكك. والظرف بات مهيئاً نسبيا الى تحالف مع غانتس من خلال صيغة تناوب على رئاسة الحكومة، وفي حال ضغطت ادارة بايدن بهذا الاتجاه، فإننا سنكون امام انقلاب في الائتلاف الحكومي او تسريع الانتخابات العامة مطلع السنة القادمة . 

استراتيجيًا، هناك عدد من المؤشرات ذات الدلالات الجديرة بالتوقف: 

1. تآكل حالة الردع الاسرائيلية التي ترافقت مع حكومة نتنياهو ومشروعها للتغيير القضائي، لا زالت على حالها وربما تعمقت حتى ولو تحسنت حسب التقديرات الداخلية للمدى القريب.

2. تآكل استراتيجية "المعركة بين الحروب" التي تعتمدها إسرائيل في العقد الأخير من خلال عدوان متجدد ومتتالي، والمؤشر لهذا التآكل هو الفترة الزمنية ما بين مواجهة ومواجهة، والتي باتت أقصر، فاذ دام مفعولها قبل عشر سنوات لبضع سنوات فإن أمدها الراهن هو لبضعة أشهر حتى العدوان القادم.

3. انتهاء مفعول استراتيجية "ادارة الحرب في ارض العدو"، بل باتت جبهتها العمق الإسرائيلي كما البعد الفلسطيني الضيق، وهي استراتيجية قد انهارت في حرب لبنان الثانية 2006.

4. المسعى الاسرائيلي للتعويق على استراتيجية وحدة الساحات الفلسطينية، يحقق نجاحات، وهذا يتطلب تفكيرا فلسطينيا في هذه الاستراتيجية ومدى قابليتها في كل مواجهة.

خلاصة:

نهاية هذا العدوان هي استعداد للعدوان القادم وقد يكون قريبًا، من خلال ضربات إسرائيلية استباقية عشية مسيرة الاعلام في القدس بعد أيام، أو عشية يوم النكبة أو وفقًا لاعتبارات اخرى.

الثمن الذي دفعه الفلسطينيون في غزة والضفة وفي مناطق ال 48 هو ثمن كبير ومؤلم بأرواح الشهداء ومعظمهم من المدنيين من الاطفال والنساء. 

في حال اعتمدت اسرائيل سياسة الاغتيالات والتصفيات، فمن المتوقع ان يعيد ذلك العمليات داخل المدن والتجمعات الاسرائيلية.

اية هدنة او تهدئة ستكون قصيرة الامد وهذا دليل إضافي لتآكل قوة الردع الإسرائيلي.

قد يكون نتنياهو كسب دوام ائتلافه الحاكم وحكومته الضعيفة، الا ان اسرائيل قد أخفقت استراتيجياً، فالمخرج الأمني العسكري لكل أزمة لن يوفر حلا، ما دامت تتنكر لاي حل سياسي مع شعب فلسطين.

فلسطينيا، الواقع يتطلب اعادة النظر في استراتيجية وحدة الساحات ولماذا لا تتحقق، وفي كيفية توفير الحماية للفلسطينيين، وأن  الاستراتيجية العسكرية وحدها لا تحقق أهداف الشعب الفلسطيني.

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر