نتنياهو ونقطة اللا-عودة

نتنياهو


  • الاثنين 27 مارس ,2023
نتنياهو ونقطة اللا-عودة
نتنياهو

تقديم : عمّقت عملية حواره يوم السبت 25/3 التناقضات داخل ائتلاف نتنياهو الحاكم وبينه وبين المؤسسة الأمنية وحصريا الجيش وجهاز الأمن العام "الشاباك".

جاء تصريح يوآف غالانت برفضه القاطع للانقلاب القضائي ودعوته إلى وقفه الفوري، بمثابة نزع ثقة عن نتنياهو وتمرّدا على زعامته السياسية، يضاف إلى الأعضاء القياديين الآخرين في الليكود وفي الحكومة والذين إذا ما أصروا على مواقفهم سيفقد الائتلاف الحاكم الاغلبية في الكنيست التي تتيح له المضي في التشريعات.

أكد غالانت في تصريحه: "بصفتي وزيراً للأمن في دولة إسرائيل فإنني أقول وبالشكل الأكثر وضوحا، بإنّ الشرخ الأخذ بالتعمق في المجتمع يخترق الجيش والاجهزة الأمنية. إنه خطر واضح وفوري وملموس على أمن إسرائيل، ولن أسمح لمثل هذا الأمر... مشاعر الغضب تغذي مشاعر الألم وخيبة الأمل من كل صوب، وبقوة لم أشهدها في حياتي. إنني أرى كيف تتآكل مواطن قوتنا...والان ايضا اؤكد بأنني مستعد للمخاطرة من أجل دولة إسرائيل وأن أدفع الثمن [الإقالة من قبل نتنياهو ]" 

استبق نتنياهو تصويت غالانت في الكنيست ضد التشريعات القضائية، بأن أقاله، وكي لا تحفق الحكومة في تمرير تشريعاتها وعندها يتعذر عليه إقالة وزيره. رد غالانت على قرار الاقالة المتوقع بأنه ستبقى الاولية بالنسبة له هي أمن اسرائيل. علّق الوزير بن غفير والذي طالب نتنياهو بإقالة غالنت بعد اعلان الاخير موقفه، بتغريدة مقتصبة تقول "أوان الإصلاحات".

تحليل: على الرغم من تصاعد المظاهرات الاحتجاجية في الأسابيع الأخيرة والرسائل الإقليمية والدولية، إلا أن حكومة نتنياهو واصلت تمرير التشريعات ضمن ما يطلق عليه الانقلاب القضائي. بدأت الأصوات الصادرة عن المؤسسة الأمنية والعسكرية بتحذيرات متواضعة، تحوّلت الى إنذارات شديدة اللهجة وواضحة بشأن تأثير التشريعات على المؤسسة الامنية وخسارة اسرائيل لمواطن قوتها الاستراتيجية، وكان آخر التحذيرات من الشركة الحكومية "رفائيل" وهي اختصار ل“سلطة تطوير الوسائل والمكونات الحربية" التي بدأ يطالها التفكك وخسارة علاقات استراتيجية مع بلدان في العالم بما فيها العربية.

مع اتساع رقعة التهديدات برفض الخدمة العسكرية ومع تراجع امتثال جنود الاحتياط في وحدات نخبة الى النصف، تعالت أصوات قيادة أركان الجيش، سواء كانت مباشرة من خلال رئيس الأركان ولقائه نتنياهو أو اجتماع كامل هيئة أركان الجيش مع وزير الأمن غالانت، والذي جاهر بعد تردد بموقف صارم من نتنياهو والائتلاف الحكومي. فالتشريعات براي المستوى الأعلى في الجيش إذا ما تواصلت "سوف تمسّ الجهوزية العسكرية، والكفاءات القتالية والقدرات الاستخباراتية العسكرية"، وبحسب الاعلام الاسرائيلي، تم إلغاء عدد من العمليات التي كانت جاهزة للتنفيذ، دون البوح بجوهرها.

تحدثت التحذيرات الأمنية عن حالة الانقسام في الجيش وتحوله الى ما يشبه جيشين في الضفة الغربية، واحد في خدمة الدولة والآخر في خدمة سموتريتش والمستوطنين من أتباعه، وتذمر "الشاباك" من أن دور قوى الصهيونية الدينية وميليشياتها في الضفة الغربية وحصريا عند وقوع عمليات فلسطينية بات معوّقا لقدرة الجيش والشاباك على التحرك، وباتت تستنزف قدرات الجيش بدلا من انشغاله في مطاردة منفذي العمليات والتحقق من حيثياتها.

اثبتت عملية حوارة الثالثة، خلال الاسابيع الاخيرة والتي نفذتها كتائب ابو علي مصطفى الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ما كان يخشاه جيش الاحتلال وهو تآكل قوة الردع الاسرائيلية وتآكل قدرة الاستخبارات العسكرية والشاباك على رصد العمليات الفلسطينية وهي في طور التخطيط. لا يغيب عن المداولات التي خرجت للعلن، أنه وجراء تصريحات قادة عسكريين وبالذات من قوات النخبة والمستعربين بتقفّي أثر المقاومين الفلسطينيين من خلال تتيّع أجهزة الهاتف النقالة خاصتهم، باتت المجموعات الفلسطينية شبه المنظمة تعتمد السرية وعدم استخدام الهواتف، مما افقد الاستخبارات الاسرائيلية قدرة رصد العمليات قبل أن تنجز.  

كما أكدت عملية حواره للإسرائيليين بمن فيهم أتباع بن غفير وسموتريتش بأن الحكومة الحالية المؤلفة من "اليمين الصافي" كما يطلقون عليها، هي من أكثر الحكومات اخفاقا في مجالات الأمن وتوفير الأمان، بل والأضعف في هذا المجال بعد أن بدأت بوادر تصدّع تظهر في المنظومات والأجهزة الامنية وتنافر وحتى تناقض بين عقيدتها القتالية، وسياسات، وسلوك نتنياهو ووزرائه. وهناك غضب أيضًا داخل صفوف الصهيونية الدينية تجاه سموتريتش وبن غفير المخفقين بنظرهم في هذا الصدد. أن الرسالة للمجتمع الاسرائيلي والتي باتت لها أصداء هي أن اقصى حدود القوة والسطوة الاحتلالية باتت قاصرة عن تحقيق أهدافها، بل ألحقت الضرر بالأمن الاسرائيلي.

شكّل موقف غالانت بالنسبة لنتنياهو هزة أرضية سياسية تطال آخر قلاعه التي يتحكم بها وهي الليكود، كما أن قيام غالانت بخطوته بعد يومين من منع نتنياهو له إجراء مؤتمر صحفي، وبوجود نتنياهو في بريطانيا، بمثابة حجب ثقة وتأكيد على احتمالية انقلاب داخل الليكود يحول دون الانقلاب القضائي. وكان لافتا ترحيب رئيس المعارضة لبيد بخطاب غالانت. 

سعى نتنياهو في خطوته بإقالة وزير الأمن إلى إعادة الاعتبار لنفسه بصفته الرجل القوي بعد ان فقد السيطرة وباب هو نفسه في مهب الريح محليا ودوليا. كما سعى إلى الإمساك بزمام الامور والانتقال من حالة الضعف الى المبادرة، في حين كان مسعاه الجوهري هو داخل الليكود بترعيب المعارضين له بأنه لا يزال الحاكم الذي لا يوجد من يتحداه وبأن سطوته ستلزم جميع من يعتبرهم متمردين عليه على إعلان الطاعة له كما حصل مع الوزير دختر، وقد يحصل مع القيادي يولي ادلشتاين.

سعى نتنياهو الى تطويع وزير الزراعة الحالي ورئيس الشاباك السابق آفي ديختر، وإغرائه بتعيينه وزيرا للأمن بدلا من غالانت في حال لم يتراجع الأخير عن تمرده على نتنياهو، لكن التقديرات تقول بأن ديختر كان مرشحا للتمرد على نتنياهو لكن يبدو أن عرض وزارة الأمن عليه قد يعيده لخدمة نتنياهو، ولكن قد يفقده أي تأييد لاحق بعد أن يصطدم مع موقف الجيش. بات من الواضح ان منحى تدمير الليكود من داخله تحوّل الى وتيرة من التسارع في ظهور الصراعات التي قد تؤدي الى سقوطه من سدة الحكم.

بات من الواضح بأن نتنياهو اعتمد طريق اللا-عودة او حسب عقيدة متسادا اليهودية التوراتية "عليَّ وعلى أعدائك يا رب"، ودخل بشكل قاطع في لعبة محصّلة الصفر، وذلك على نقيض مؤسسات الأمن القومي التي لا يمكن ان تقبل بوضعية كهذه تكون التضحية فيها بمنظومات الدولة.

قيام بن غفير بالتجرؤ على التدخل في شؤون حزب الليكود ومطالبة نتنياهو الى إقالة الوزير غالانت المحسوب على صقور الليكود باعتباره "يساريا" و"طابورا خامسا"، هو تأكيد على ان هدف الصهيونية الدينية من التشريعات ليس الاجراءات بحد ذاتها، بل أن التطورات الاخيرة ستشكل سدا اجرائيا امام تنفيذ غاياتها بالضم والتطهير العرقي وشرعنة كل البؤر الاستيطانية. كما أن خطوة بن غفير تؤكد مدى سطوته على نتنياهو وتدخله في شؤون حزبه حتى. ويندرج تصريح بن غفير "أوان الإصلاحات" بالكشف السافر عن مخططه الذي ليس معنيا بالإصلاحات بل كما سموتريتش معنيان بهدم بنية الدولة من اجل فرض بنية بروح العقيدة الصهيو-دينية، مرجعيتها الشريعة اليهودية وليس القانون ولا القضاء ولا القانون الدولي بتاتا.

 

خلاصة:

 الأزمة الاسرائيلية الشاملة هي أزمة في منحى تصاعدي وحالة متدحرجة من الصعوبة بمكان رؤية المخارج منها، ولا إذا ما سيكون بالإمكان إيجاد مخارج لها، وبانت أزمة مستدامة

إذا ما فقد نتنياهو تأييد اربعة من وزرائه للانقلاب القضائي فإنه سيخسر ومعه وزير قضائه ليفين المعركة على الحكم، وستكون هذه بداية نهاية حكومته، وستتيح متابعة الإجراءات القضائية ضده وقد يكون مصيره السجن.

موقف وزير الأمن والمؤسسة العسكرية من شأنه ان يشجع رئيس الدولة هرتسوغ على حسم موقفه بشكل فعلي ضد نتنياهو وحكومته، كما من شأنه ان يزيد عزلة نتنياهو دوليا وعربيا وتحديدا مع الادارة الامريكية كما لم يكن يوما.

باتت الحالة الصدامية والعداوات الداخلية أكثر فتكا، ولم يعد مستبعدا أي خيار حتى ولا إعلان حالة طواريء وصدامات إسرائيلية داخلية عنيفة، لا يمكن التكهن بمآلاتها.

نعود ونؤكد أن معظم هذه الصراعات هي داخل المعسكر الصهيوني وحصريا بين أقصى اليمين واليمين الوسط، وعليه من الأهمية بمكان ان تتبلور المواقف العربية والفلسطينية بشكل يدفع إلى سد كل الطرق أمام نتنياهو حكومته ومشاريعها.

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر