معركة الوعي (154) إنّما عبّر سموطرتش عن جوْهر المشروع الصهيوني


  • الجمعة 24 مارس ,2023
معركة الوعي (154) إنّما عبّر سموطرتش عن جوْهر المشروع الصهيوني
سموتريتش

إنَّ أكثر ما استوقفني على خلفيّة تصريحات الأحمق بتسلئيل سموطرتش، وزير مالية حكومة الرؤوس الثلاثة، حول الشعب الفلسطيني، هو ردّ الفعل الفلسطيني، وخاصّة سلطة التنسيق الأمني ومن لفّ لفّها، ومن خلفِها أنظمة التطبيع العربيّة.

لقد بدا هؤلاء وكأنهم أصيبوا بصدمة شديدة جراء تلك التصريحات التي تنكر وجود الشعب الفلسطيني، وكأنها المرّة الأولى التي يسمعون فيها مثل هذا التصريح!! وهذا في الحقيقة مثير للضحك أكثر من إثارته للغضب. فذاكرةُ شعبنا ليست قصيرة، وتاريخ الصراع على فلسطين لم يمض عليه سوى بضعة عقود لا تكفي لمصاب بالخرَف أن ينسى، أو مصاب بالعمى أن لا يبصر، أو مصاب بالغباء أن لا يفهم!

إنَّ مشكلة شعبنا وأمّتنا ليست مع سموطرتش وعصابته وزعرانه وحكومته، وإنما مع المشروع الصهيوني القائم على ذات القاعدة؛ نفي وجود الآخر، ناهيك عن نفي حقّه في الحياة وبذلك يكون سموطرتش، بتصريحه البائس والخطير ذاك إنّما عبّر عن جوهر المشروع الصهيوني.

 

فما هو جوهر المشروع الصهيوني؟

باختصار شديد:

يرى المشروع الصهيوني أن هذه الأرض، من النيل إلى الفرات، هي حقّ إلهي للشعب اليهودي، منحَهُ ربّ الجنود لشعبه المختار، وأن كل شعب يسكنها إنما هو بمثابة مُعتدٍ على هذا الحق، وغازٍ لهذه الأرض يجب إخراجه منها بكل وسيلة، بما في ذلك سفك دمه وقطع نسله واجتثاثه من جذوره ومحوه من الوجود ومن التاريخ ومن ذاكرة التاريخ.

ويرى المشروع الصهيوني أنَّ على كلّ القوى في العالم من واجبها (الدّيني) مساعدته في تحقيق السيطرة على هذه البقعة من الأرض، وأن من يخالف هذا الواجب وينكص عنه هو عدوّ للربّ، وعلى شعب إسرائيل أن يعاديه بكل ما تصل إليه يده من وسائل.

ويرى المشروع الصهيوني أنَّ هذه البقعة من الأرض سيحكم منها شعبُ الرّب العالم. ويرى المشروع الصهيوني أنَّه عندما جاء اليهود من شتى أصقاع الأرض إلى هذه البقعة من الأرض كانت خالية تماما، ليس فيها من البشر أحد. لذلك قالوا: “إنما رجع شعبٌ بلا أرض إلى أرض بلا شعب”.

في سنة 1969، وفي ذروة نشوة الإسرائيلي بالانتصار في حرب حزيران 1967، صرّحت جولدة مئير، رئيسة الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت، في مقابلة لها مع صحيفة “صنداي تايمز” إنه لم يكن هناك شيء اسمه الشعب الفلسطيني. وقالت: (لم يكن هناك ما يسمى بالفلسطينيين. متى كان هناك شعب فلسطيني مستقل بدولة فلسطينية؟ كان إما جنوب سوريا قبل الحرب العالمية الأولى ثم فلسطين بما في ذلك الأردن. لم يكن وكأنّ هناك شعبًا فلسطينيّا في فلسطين يعتبر نفسه كشعب فلسطيني ثم أتينا نحنُ ورميناه وأخذنا منه وطنه. لم يكن موجودًا). وقد كرّرت ذات التصريح في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز” عام 1972، عندما سُئلت إن كانت لا تزال تعتقد بعدم وجود شعب فلسطيني: (لقد قلت إنه لم تكن هناك أبدًا أمّة فلسطينية).

وتجدُ في كتابات ومذكرات وتصريحات عشرات القادة الإسرائيليين الصهاينة كلاما يحمل ذات المعنى وأسوأ منه، ومن هؤلاء نتنياهو ذاته في كتابه “مكان تحت الشمس”، والذي لم يترك فيه مجالا للتزوير والكذب على التاريخ والدين إلا وسطره.  بل إن نشيد حزب الليكود الوطني يتحدث عن “ضفتين لنهر الأردن، هذه لنا والأخرى أيضا لنا”!! وبذلك لا يختلف سموطرتش وحزبه عن نتنياهو وحزبه.

ولقد هيأ الله لي قبل سنوات أن راجعت عشرات الكتب المعتمَدة في منهاج التعليم العربي في البلاد. ومما وجدته في مضامين تلك الكتب ما يتحدث بوضوح وبشكل مباشر عن نفي وجود الفلسطيني في البلاد عندما وصل هؤلاء القوم إليها لاستيطانها. فقد تحدثت النصوص عن اليهودي النبيل الشجاع الذي جاء إلى أرض قاحلة، تغطيها الرمال،  ليس فيها أثر للحياة، خالية من البشر، فبعث فيها الحياة وحوّلها إلى جنّة خضراء!!

ولأن هؤلاء الناس يحملون هذه العقيدة فقد أرادوا إسقاطها على أرض الواقع، فعاثوا فيها فسادا وتدميرا وهدما وتشريدا، ليُثبتوا، (من ضمن أهدافهم الكثيرة) أن الأرض فعلا خالية من البشر، وأنهم جاءوا لإعمارها وبعث الحياة فيها.  لذلك هدموا أكثر من 500 قرية وتجمع سكاني فلسطيني، وارتكبوا عشرات المجازر التي ما تزال شاهدًا على جريمة العصر، وشرّدوا غالبية الشعب الفلسطيني من وطنهم الذي كان ينبض بالحياة؛ حضارةً وثقافةً واقتصادًا وتجارة وزراعة وصناعة وسياسة وعِلمًا وإبداعًا. شعبٌ هو جزء من عالم عربي كبيري وأمّة إسلامية ملء السمع والبصر!

لذلك لا غرابة في تصريحات سموطرتش تلك، فهو إنما كرّر مقولة يكررها كل صهيوني، إنْ لم يصرح بها علنا فهو يرددها في نفسه صباح مساء. ويدلّل على ذلك السلوك السياسي وتعاطي كل التيارات والأحزاب الصهيونية مع ملف الصراع على فلسطين، وفي مقدمة ذلك قضية الاستيطان. فكلهم على قلب رجل واحد في حقهم في الاستيطان في “أرض إسرائيل التي أعطاها لهم رب الجنود بصفتهم شعبه المختار”.

إنَّ هذا لا يقلل من خطورة تصريحات سموطرتش تلك، بل يؤكد للمرة المليون على أن المشروع الصهيوني ليس في عقيدته ولا في أجندته ولا في استراتيجيته بند أو بعض بند أو إشارة أو تلميح أو شبه تلميح يمكن من خلاله أن تستنبط اعتراف القوم للفلسطيني بحق أو ببعض حق في أرضه. وما كلُّ ما عشناه وعاشته معنا الأمة منذ نكبة شعبنا إلا عبارة عن تكتيكات مرحلية تهدف إلى احتواء الفلسطيني إلى حين التمكين الكامل للمشروع الصهيوني الذي يسعى إلى هدفه الاستراتيجي الأكبر، وهو إنشاء مملكة إسرائيل الكبرى التي ستحكم العالم، والتي فيها سينتصر معسكر النور (هم!!) على معسكر الظلام (نحن!). وهذه المملكة- في عقيدتهم التي تشاركهم فيها المسيحية الصهيونية- لن تقوم إلا إذا بُني هيكلهم الثالث المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك. وعندما تقوم تلك المملكة ستكون الأرض جاهزة لاستقبال “ميلخ مشيّح” الذي ينتظرون عودته أو قدومه لحكم العالم.

وإنَّ خطورة تصريحات سموطرتش ننظُر إليها ليس من حيث كونها طارئة أو غير مسبوقة، بل كونها تحمل إشارة واضحة إلى أننا نعيش في مرحلة ما بعد الدولة الإسرائيلية بشكلها الحالي، وأن الخطوة القادمة للمشروع الصهيوني تحمل في طياتها أحداثا عظامًا، نحو تحقيق مرحلة جديدة إضافيّة من مراحل جوهر المشروع الصهيوني.

إنَّ الأمة تعيش مرحلة من أصعب مراحل الصراع على فلسطين، وعليها أن تكون مستعدة لما هو قادم من أيام مزدحمة بأحداث جسام. ولنكُن على يقين أن هذه الأمة منتصرة لا محالة؛ عرف من عرف وجهل من جهل واختبأ خلف الأوهام والأكاذيب وتزوير التاريخ من اختبأ.

أمَّا حال سموطرتش وما يمثله فهو حالٌ يثير الشفقة. لأنه كانتفاش الديك في المطر، يشعر بالنشوة حتى تشرق الشمس فينكمش. وسوف تشرق شمس شعبنا وينبلج فجر أمتنا عن قريب بإذن الله.

ولعلّ حال سموطرتش ينطبق عليه ما كنتُ قد نشرته من أبيات شعر عندما انتخبوا في أمريكا ذلك الأحمق ترامب. فالحال واحد، لأنه حال كل أحمق منتفش بقوته الماديّة:

إذا أمسى الحقيرُ كبيرَ قوم        فبشِّرهُم بما ذكرَ الرسولُ

بأن الفجرَ أضحَى قابَ قوسٍ     ونَجمُ الكُفرِ صَبَّحَهُ الأفولُ

وإن سفكُ الدماءِ طريقَ غدْرٍ    فقد قــُرعَتْ لسحْقهِمُ الطبولُ

وأفْلتَ من سلاسله عقيلٌ       يجوب الأرض تتبعه الفلولُ

يريد الفأرُ أن يبدو هِزبْرًا     وما للفأرِ حظٌ .. مُستحيلُ!

وإنْ ملكَ السفيهُ زمام أمرٍ      فبشّرْ قومه:  سُدَّ السبيلُ 

فأمْريكَا الحقيرةُ سوف تمضي     إلى قاع الجحيم، فلا قبولُ

وأوساخُ الفِرنجةِ – يا لهولٍ!  ستطْهُرُ من رذائلِها الحقولُ

فلن يبقى على البيضاءِ إلا     حقيرٌ من حُثالاتٍ .. ذليلُ

فلا تمضي سويعاتٌ ليُمحَى         وتطهُر من نجاستِه سُهولُ

وتنعُمُ بعدها بالعدلِ أرضٌ       ويغمُرُ أهلها قِسطٌ أصيلُ

 

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر