تطور نوعي في التظاهرات ضد حكومة نتنياهو..قد تقترب من الحسم، لكنها تتجه للعنف

احتجاجات


  • الثلاثاء 7 مارس ,2023
تطور نوعي في التظاهرات ضد حكومة نتنياهو..قد تقترب من الحسم، لكنها تتجه للعنف
الاحتجاجات ضد الحكومة الإسرائيلية

تقديم: اتسع نطاق المظاهرات الاسرائيلية المناهضة للتغييرات في النظام القضائي، وهناك تقديرات بأن المشاركة في معظم المدن بلغت مساء الرابع من مارس/آذار، الأربعمائة ألف، وتأتي الزيادة أيضًا من انضمام أوساط يمينية ودينية حريدية إليها، وبروز مشاركات لرموز اليمين مثل رئيس حزب إسرائيل بيتنا إيفيت ليبرمان، والوزيرة السابقة والقيادية في الليكود ومن كبار منظريه، ليمور ليفنات وكلاهما تحدث في المظاهرات.

التطور النوعي أيضًا في تظاهرات السبت، انضمام ضباط كبار في الاحتياط وفي مقدمتهم عشرات الطيارين الحربيين وضباط في وحدات السايبر والاستخبارات العسكرية، وهو وصف إعلاميًا وفي المؤسسة الأمنية والسياسية بالحدث المركزي، وحظي باهتمام دولي لافت.

يواجه الليكود الحاكم حالة من التوتر الداخلي وانتقادات علنية بشأن السماح لتيار الصهيونية الدينية بابتزاز نتنياهو بشكل يجعل الحكومة تبدو برأسين. رئيس اللجنة الاقتصادية البرلمانية واحد قادة الليكود المنفتحين على الاحزاب الاخرى دافيد بيتان يرى أن عمر هذه الحكومة لن يطول، ويدعو إلى حوار مع المعارضة ويؤكد أنه لا يمكن مواصلة التشريعات دونما حل وسط مع المعارضة.

بلغت حالة التوتر بين وزير الأمن غالانت ووزير الأمن القومي بن غفير ذروة جديدة وإلى حد رفض وزير الامن اي تواصل وأي حديث مع بن غفير ويتهمه بتسريب الأسرار. وزادت التوترات بعد قرار الوزير غالانت إصدار أمر اعتقال إداري لاثنين من حارقي قرية حوارة الفلسطينية، مما دفع التنظيم الإرهابي "شبيبة التلال" الى التظاهر ضد زعيميه بن غفير وسموتريتش بتهمة الفشل والاخفاق الأمني.

تطور لافت رافق الحركات الاحتجاجية وتمثل في مقاطعة المعارضة لمعظم جلسات لجنة الكنيست ولجنة القانون والدستور او المشاركة في جلسات الاقتراع على التشريعات الجديدة.

فيما الادارة الامريكية تعلن سموتريتش شخصية غير مرغوب فيها، ولن يكون أي تواصل معه خلال زيارته للولايات المتحدة لاجتماع منظمة "البوند "الصهيونية. وهناك أصوات تدعو لمنعه من دخول الولايات المتحدة بسبب تصريحاته بإبادة حوارة.

يتزايد عنف الشرطة في الاعتداء على المتظاهرين، ويتزايد إصرار المتظاهرين على التصعيد وتعطيل الحياة العامة، كما برزت في المظاهرات الاخيرة شعارات تتحدث عن محرقة حوارة.

تحليل:

يبدو من التطورات الميدانية بأن الازمة الاسرائيلية الداخلية لم تصل ذروتها بعد، لكن يبدو أيضًا ان نقطة الحسم تقترب.  برز  في الأسابيع السابقة إخفاق مساعي نتنياهو وحكومته على المناورة وشق صفوف المتظاهرين أو نزع شرعيتهم من خلال اتهامهم ب"اليسار" أو "الفوضويين"، ثم استخدام المقربين له مصطلح "الإرهابيين"، فإن كلمات نتنياهو لم تحظ بأي اهتمام  كونها جاءت، وعلى عكس السنوات السابقة، عديمة الأثر حتى بين جمهوره، وبدأ الجميع يلاحظ ضعفه، ويبدو أنه بات في المرحلة الأخيرة من حياته السياسية وأكثر مرحلة يكون فيها خاضعا للابتزاز من قبل شركائه في الصهيونية الدينية الذين يشكل توحيدهم ونجاحهم جزءا من مساعي نتنياهو نفسه وهندسته السياسية من أجل العودة للحكم كما حصل في الانتخابات الاخيرة.

التقديرات التي أتى بها دافيد بيتان بشأن عدم احتمال بقاء الحكومة، لم تكن يتيمة وإنما تتفق معه اصوات وتقديرات مثل ليبرمان وكذلك الصحفي عميت سيغل العارف بشؤون الصهيونية الدينية الداخلية، وكذلك مظاهرة التنظيم الإرهابي "شبيبة التلال" امام بيتي سموتريتش وبن غفير بتهمة الفشل والاخفاق الأمني وعدم القدرة على حماية اثنين من حارقي حوارة المنتمين الى تنظيمهم واللذان تلقيا أمرًا بالسجن الإداري من وزير الحرب غالانت. جدير بالتنويه، بأن السجن الإداري جاء ليحميهم من تقديم لائحة اتهام بحق كل منهما.

منذ انطلاقتها قبل عشرة أسابيع تميزت المظاهرات بنفسها الطويل وباتساع رقعتها وتزايد أثرها وتطوير أسلوب احتجاجها. نشهد مؤخرًا تصعيدًا شرطيًا بالعنف وبتوجيهات مباشرة من بن غفير، لكن من الواضح تزايد حالات أغلاق الطرق وتشويش الحياة العامة واقتحام المتظاهرين في تل أبيب لطريق أيالون وهو من أكثر الطرق حيوية واكتظاظًا طوال ساعات النهار والليل على السواء. وليس من قبيل الصدفة اعتماد المعارضة مؤخرًا نمط التظاهر مقابل بيوت الوزراء من الليكود والذين يُتوقع منهم الخروج عن صمتهم ومواجهة نتنياهو.

عدم قدرة بن غفير فرض قراراته الذاتية على الشرطة، قد يدفع إلى تفعيل الميليشيات الإرهابية الدموية التي أقامها حزبه لغرض الاعتداء على فلسطينيي 48، وزجها في الصراع السياسي الإسرائيلي الصهيوني مما ينذر باحتمالية حصول اغتيالات سياسية.

بات من الواضح عدم قدرة نتنياهو على حسم الأمور وفقا لمخططه الأساس والقائم على إزالة كل المعوقات القضائية من أمام ملفاته وتجنب أية احتمالية بالسجن، وفتح المجال أمام استمرارية حكمه. كما يتضح أكثر عدم قدرته على فرض سطوته على المؤسستين الأمنية (الداخلية والخارجية) والاقتصادية/المالية وتطويعهم لنواياه، بل فقد الى حد كبير قدراته في السيطرة وضبط ايقاع المنظومة الاسرائيلية.

بات من الواضح أيضا تآكل مكانة نتنياهو الدولية وتحوله الى زعيم منشغل بقضاياه الداخلية وباستمرارية حكومته، وحل التناقضات داخلها وضبط موقفها. وكما أوردت وكالات أنباء بأن تأجيل الامارات لزيارته لأبو ظبي هو نتاج هذا التردي في وضعيته يضاف الى التصعيد الأخطر على الساحة الفلسطينية، ثم ازداد تورطه مع التنكر لتعهدات وفده للقاء العقبة لكل ما التزم به أمام الأمريكان والعرب المشاركين، مما يؤجل أكثر احتمالية دعوته إلى واشنطن. عمليا بات نتنياهو أقرب الى الزعيم المحاصر منه إلى قائد الدبلوماسية النشطة في كل العالم من الولايات المتحدة الى أوروبا وأفريقيا وروسيا والخليج العربي.

صحيح أنه برزت في المظاهرات الاخيرة شعارات تندد بمحرقة بلدة حوارة الفلسطينية، لكن لم تظهر اية شعارات من قبل المنظمين والمعارضة المركزية ضد الاحتلال او من اجل الحق الفلسطيني، وإنما تعاملوا مع محرقة حوارة من باب رفضها على أساس تناقضها مع الأخلاق اليهودية وليس ببعدها السياسي وبكونها وليدة الاحتلال والواقع الاستعماري في فلسطين. ولا تزال المعارضة بقيادة لبيد غانتس معنية باستبعاد أي ذكر لقضية فلسطين والاحتلال والعنصرية.

تشكل رسالة الطيارين الحربيين ضربة معنوية وسياسية قوية لحكومة نتنياهو، وسندا للمظاهرات المعارضة، كما فيها مؤشر يضاف الى خطابات المظاهرات بعسكرة خطاب المعارضة الإسرائيلية من خلال التأكيد على أن قادة المظاهرات من خريجي الوحدات القتالية في الجيش والشاباك والموساد، ويعيرون بن غفير بأنه لم يخدم بالجيش بتاتا ولا يفقه بأمن الدولة.

معظم الخطابات التي تتحدث عن حرب أهلية نتيجة منسوب الكراهية وتناقض المصالح بين الكتلتين السياسيتين، هي سياسية أكثر منها تحليلية، فالإجماع القومي الصهيوني على وجود إسرائيل كدولة هو فوق كل اعتبار، في حين ان الحرب الاهلية أخطر صهيونياً من كل الحروب الخارجية لأنها فعلا وجودية وتحظى الدولة بإجماع صهيوني مطبق، ولا يغيب عن التفكير الواقعي، أن منظومات الدولة قوية ومتماسكة رغم كل ما يعصف بها.

خلاصة:

1. يبدو أن المشهد الاسرائيلي يقترب من نقطة الحسم لصالح حركة الاحتجاج، وفي حال حصل هذا سيكون الائتلاف الحاكم في ازمة عميقة قد تطيح به سواء نحو ائتلاف بديل، وأكثر الاحتمالات ترجيحا هي مع غانتس وحزبه، كما ولن يكون مستبعدا ان يشهد العام 2023 انتخابات برلمانية قد تغير مجمل الخارطة السياسية.

2. في حال سقطت الحكومة الحالية فإن اية حكومة بديلة ستحظى بدعم أمريكي ودولي وحتى عربي غير مسبوق، لكن على حساب قضية فلسطين وحقوق شعبها التي تتنكر لها المعارضة كما نتنياهو.

3.   الاقتراب من نقطة الحسم قد تفجر الاوضاع نحو مزيد من الصدامات والعنف ولغاية الاغتيالات السياسية، لكن لا يجري الحديث عن حرب أهلية.

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر