لجوء إسرائيل إلى حرب العصابات الفتاكة

لجوء إسرائيل إلى حرب العصابات الفتاكة


  • الجمعة 17 فبراير ,2023
لجوء إسرائيل إلى حرب العصابات الفتاكة
توضيحية

تلجأ اسرائيل راهنا الى استحداث ما تعتقد انه سلاحها الفتاك في فرض سطوتها على أهل البلاد الفلسطينيين، ألا وهو إباحة حيازة السلاح على المستوى الشعبي اليهودي. ليتضح أن يكون السبّاقون في تقديم طلبات شراء السلاح هم من أنصار عوتسما يهوديت المنظمين منذ اكثر من عام على شاكلة ميليشيات تعمل في النقب والساحل وقد حددت لها غايتها في "استعادة النظام"، وكذلك المستوطنون وعصاباتهم الارهابية على غرار منظمة "فتيان التلال" ويتضح من المعطيات بأن غالبية المتقدميم بطلبات لحيازة السلاح المرخص من المستوطنين.

ما يحدث منذ سيطرة بن غفير المطلقة على وزارة الامن القومي وبمساندة نتنياهو، وحصريا بعد عمليتي القدس في السابع والعشرين من كانون ثان/يناير 2023، هو أشبه بتوزيع السلاح على السكان مقابل بثّ أجواء كما لو كان ذلك في مواجهة خطر وجودي تجتمع فيه سطوة الدولة المرتبكة مع سطوة الشارع المضطرب في منظومة واحدة. هذا المشروع ليس من لدن بن غفير وإنما دفع نحوه الوزير السابق غلعاد اردان، وازداد الحديث عنه ليتحوّل الى مخطط دولة في اعقاب هبّة الكرامة. 

اللجوء الى العصابات يرافقه اجواء مؤاتية اذ ان كل وزير يستبيح بدوره وبشكل سافر اي حق فلسطيني بقع في نطاق وزارته التي باتت سيادية بالممارسة والتطبيق. وهذه الاجواء تتيح لكل عضو في العصابة ان يستبيح بشكل سافر اي حق فلسطيني. كما انها تخلق منظومة كاملة من منفذي الاستباحة الدموية للفلسطينيين تضيع فيها المسؤولية والمسائلة، لتبدو بأنها صراع دموي غرائزي ومفتوح وأعمال شغب بين طرفين متساويين في الوضعية والمسؤولية، كما ستخلق قواعد لعبة خطيرة لا يعرف ضحايا الانفلات العنصري من يهاجمهم ولا أية جهة او منظومة، بينما سوف تتعقّب الشرطة والشاباك كل رد فعل من قبل الضحايا وتقدمهم للمحاكمة الظالمة مهما كان حكمها.

في البحث في تاريخ المشروع الصهيوني في فلسطين نجد أن حضور حرب العصابات هو دائم. وإن كانت "حرب العصابات" (الغيريلا) Guerrilla warfare في الادبيات الواسعة هي تعبير عن حرب غير تقليدية لمجموعة تنطلق من عقيدة موحدة وهدف محدد ضد جيش نظامي تقليدي، وفي ظروف يتم اختيارها بصورة غير ملائمة للجيش النظامي. وهي ذاتها نمط الحرب الصغيرة لكن المتواصلة والتي تخوضها حركات ثورية ضد المنظومات القاهرة التي تفوقها عددا وعتاداً أضعاف المرات. وعادة ما كانت تتبنى انماط عمل تستنزف منظومة القهر وتجعلها مكلفة سعيا لاسقاطها. اعتُبِرت ثورة التحرر الوطني الفلسطيني في السبعينات، وحصريا بعد هزيمة الجيوش العربية النظامية عام 67، ضمن حرب العصابات الثورية والتي حققت انجازات كبرى في وضع قضية فلسطين على واجهة العالم وأعادت تشكيل الشعب الفلسطيني وبلورة حقوقه في العودة والتحرير وتقرير المصير. كما استثمرت المؤسستان الاسرائيليتان الأمنية والبحث جهودا كبيرة في محاولة فهم "حرب العصابات" الفلسطينية التحررية، التي باتت حركة تحرر وطني. 

انتحل المشروع الصهيوني في فلسطين "حرب العصابات" وجيّره لصالح أدواته الاستعمارية سعيا لمحاربة ضحاياه بأساليبهم من خلال تقمّص نمط حياتهم على شاكلة فرق المستعربين عميقة الحضور في التاريخ الصهيوني، وذلك للسيطرة واحتلال الارض والطرد السكاني، وتعامل كما لو أنه حركة تحرر وطني، وبإن أهل البلاد الفلسطينيين هم غزاتها، واعتبر حرب العصابات الفلسطينية "شللاً ارهابية". 

 في العام 1948 كانت وظيفة مركزية للعصابات الصهيونية الى جانب قوات الهاجاناه التي كانت بمثابة جيش نظامي. وتمثل دورها بالقيام بما لا يستطيع جيش نظامي القيام به على حساب "مهامه القتالية" واحتلال البلدات والتهجير مثل السطو والنهب والسيطرة على الكم الهائل من البيوت والمحال التجارية والمرافق العامة والمساجد والكنائس وكل ما تحتويه من ممتلكات. وكانت الغاية من ذلك مزدوجة وهي إثراء المجتمع اليهودي ماديا بما في ذلك الجنود، بينما الهدف الأساسي هو منع عودة الفلسطينيين الذين طردتهم قوات الهجاناه من العودة الى بلداتهم او بيوتهم وفي حال عادوا لن يجدو اي مكان يأويهم بعد ان بات يخضع لناهبيه إن لم يكن قد تم تدميره.

كما أن هذه العصابات التي اتاحت لها الدولة المقامة القيام بوظيفتها فإنها لم تكن تخضع لاية مساءلة قانونية، وهكذا كان من أدوارها الهجومات المسلحة على الفلسطينيين بمن فيهم جيرانهم حتى التهجير والطرد، وإلقاء البراميل المتفجرة على الاسواق في المدن الساحلية وكل جرائم التطهير العرقي المتكاملة مع ما يقوم به الجيش النظامي وبقرار سياسي.

لقد تكرر اعتماد هذا النمط من صناعة السطوة في الجامعات الاسرائيلية التي شهدت في سنوات السبعين والثمانين اعتداءات دموية ضد الطلبة العرب، بتكامل أدوار مطبق مع قوات الشرطة والشاباك، فحين كان الطلبة العرب منظمين وبجهوزية عالية كانت قوات مدججة من الشرطة والأمن تحضر الى الجامعات وإلى جانبها عصابات ارهابية، وحين كان اليمين الفاشي بجهوزية عالية كانت تحدث اعتداءات دموية بالسلاسل الحديدية والسلاح الابيض وحتى التهديد بالسلاح على الطلبة العرب والشرطة تتموضع في موقع المتفرج من بعيد. كان المعتدون يحضرون الى الحرم الجامعي وهم ليسوا من طلابه وهكذا لا يخضعون لمحاكم الطاعة ولا أحد يسائلهم، وعند الصدامات كان يجتمع الشرطة والعصابات اليمينية  ومسؤولو الشاباك وحرس الجامعات في كيان واحد.

هذا النمط شهدته أيضا المدن الساحلية في هبّة الكرامة 2021، حيث كان تناسق متكامل بين دور الشرطة في قمع التجمعات العربية وبين عصابات مسلحة ارهابية تهاجم وترتكب الاعتداءات الدموية التي لا تستطيع الشرطة قانونيًا القيام بها مثل أعمال اللينش ومهاجمة الأحياء واقتحامات البيوت وسكانها العزّل. وبخلاف العرب الفلسطينيين الذين دافعوا عن أحيائهم ووجودهم والذين تم اعتقال أكثر من ثلاثة الاف منهم وتقديم مئات لوائح الاتهام بحقهم وفرض احكام ترهيبية عليهم، فإن العصابات الارهابية الاسرائيلية تمتعت بغض الطرف عنها.

في أعقاب هبّة الكرامة تم استحداث فكرة إنشاء ميليشيات ارهابية شبه رسمية وثابتة، وقد تخصص حزب عوتسما يهوديت بإقامة مثل هذه الميليشيات بدءا من النقب وبئر السبع لتنتقل الى مدن الساحل بالتعاون بين المنظمين من هذا الحزب الفاشي والبلديات والشرطة، في حين ان هدفها المعلن هو محاربة "الجريمة القومية" اي الدور السياسي للعرب، واستعادة الحكم والسيادة. وحسب مخطط الحكومة الحالية وخطوطها العريضة فإنه يجري الاعداد لاقامة "الحرس القومي" من آلاف المتطوعين من خريجي الوحدات القتالية في جيش الاحتلال، ليساند الشرطة في استهداف وقمع الجماهير العربية الفلسطينية ولمنع تكرار هبة الكرامة بالاضافة الى حماية قوات الهدم والتهويد في النقب.

 قرار بن غفير مدعوماً من نتنياهو بنشر السلاح بين الجمهور اليهودي هو خطير على الفلسطينيين، وفيه استباحة لوجودهم ولارواحهم بروح استباحة الحكومة الحالية لأي حق فلسطيني مهما كان. وسيكون الكثير من الضحايا، وهو قرار لا يتوقف عند حمل السلاح المرخص اسرائيليا ضد الفلسطينيين، بل يتم خلق أجواء مواتية لجرائم العنصرية والتطهير العرقي، سيكون مستبعدا التراجع عنها في حال تغيير الائتلاف الحاكم مستقبلًا. 

في المقابل من شأنها مع مرور الوقت ان ترتد على المجتمع الإسرائيلي برمته، وهذا ما تحذر منه المؤسسة الامنية والشرطة والشاباك بأنّ حمل السلاح دون خلفية مناسبة ومهارة مناسبة وفي اطار منظومة أمنية في حالات الصدامات أو العمليات من المحتمل ان تقع ضحايا اسرائيلية من هذا السلاح، كما من شأنها أن تخدم عالم الجريمة وكذلك سوق السلاح وتهريبه، وأن تزيد العنف المجتمعي بين اليهود أنفسهم وبالذات ضد الفئات المستضعفة وضد النساء. 

 في الختام فإنّ سياسة توزيع السلاح على على اليهود الاسرائيليين تعني فعليا تحويل العمل الشرطوي الى عصابات وميليشيات، وكذلك الى استباحة أمان الفلسطينيين العرب وحتى حياة الناس، وإلى الإفلات من أية مساءلة، مما يشجّع على تكرار جرائم العنصرية والفصل والتطهير العرقي.

مهما كان، فإن من يتحمل المسؤولية العليا عن أي فلسطيني يتعرض لارهاب العصابات المسلحة، هو حكومة اسرائيل ودولة اسرائيل والتي يتصدرها بن غفير.

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر