الفـــاشـــية الدينـــية الصـــهيونية.. إذ تَأذَنُ بخراب العمران

ابتداء من الضرورة بمكان ونحن نتطرق إلى الجماعات الصهيونية الدينية وخطورتها

الفـــاشـــية الدينـــية الصـــهيونية.. إذ تَأذَنُ بخراب العمران
الصهيونية

ابتداء

من الضرورة بمكان ونحن نتطرق إلى الجماعات الصهيونية الدينية وخطورتها على الشأن الإنساني، أن نشير الى أنّ موضوع العنف الديني بضاعة علمانية بامتياز جاءت في سياقات علمانية نزعت نحو استغلال الدين لتحقيق أهداف دنيوية، تتمثّل في السيطرة والاستعباد ونهب الخيرات. وكانت العلمانية الأوروبية بمدارسها الكالفانية البروتستانتية والكاثوليكية خاصة الفرنسية، قد أبدعت في أساليب يندى لها جبين البشرية من جرائم تمّت باسم الدين لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية، وليس هذا ببعيد عن الصهيونية واستغلالها للدين، ابتداء لتحقيق أمّة يهودية، ومن ثمّ لتحقيق كيان جغرافي توسعي لمّا تتحدد حدوده حتى هذه اللحظات.

في سياقنا الشرق أوسطي كان لليبرالية الأوروبية دور أكبر في البعد الاستعماري ممثلًا بنهب الخيرات، فقد كانت المهمة الأساس منع الدين (الإسلامي) من العودة للحكم باعتباره مؤسسًا لمنظومة أممية وحدوية عالمية، فراجت في أسواق العلمانيين العرب ومن بعد الحكام، أسطورة العنف الديني ونزوع الدين نحو العنف، لذلك تمّ تأميم الدين في مراحل من ما سمي الدول القطرية، وفي هذا الشأن تشكلت كل من مصر والسعودية وسوريا والمغرب بيانا لما أذهب إليه، على خلاف إسرائيل التي جعلت الدين عضدًا لها ودمجته في إطار وظيفي يحقق البعد القومي الذي قامت عليه الحركة الصهيونية، ويؤسس لهوية حداثية تتمسك بأهداب الدين تاركة مساحات واسعة- بناء على اتفاق بن غوريون مع الطوائف الحاريدية- للدين ليصوغ الحياة، وقد شكّلت الحاريدية نوعًا من الاستقلال الذاتي لا تزال معالمه إلى هذه اللحظات، ونتج عن احتكاكه بالعلمانية الصهيونية ما تجلى في الحاريدية الصهيونية التي تبنت العنف، ومن ثمّ الحركة الصهيونية الدينية ودورها الوظيفي في استعمار الأراضي المحتلة عام 1967.

تفيد دراسة الجماعات المتطرفة التي نجحت في أن تتغلغل في مجتمعاتها ووصلت إلى سدة الحكم، إلى أنها ذهبت بتلكم الدول إلى الخراب والدمار، هذا ما حدث على سبيل المثال لا الحصر في ألمانيا وإيطاليا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، وكما حدث في كمبوديا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وكما يحدث في بورما والهند تحت حماية الدولة وأجهزتها الأمنية والجيش، وكما حدث مع تنظيم الدولة في هذا العقد من هذا القرن، وذلك بغض النظر عن الأيديولوجيا الناظمة لهذه الجماعات. والجماعات الدينية المتطرفة في إسرائيل لن تكون بدعة من هذه الجماعات، بل تفوقها خطورة لأنها، ابتداء محمية من الدولة- كما الحالة الهندية والبورمية والصربية- ولها حاضنة اجتماعية وسياسية تدافع عنها في الأروقة السياسية وتمنحها كل ما تريد من عتاد، وتزداد الأمور خطورة في تحديد الأهداف التي تستهدفها هذه المجموعات وتعلن ذلك صراحة، وتجد لها دعمًا واضحًا، إمّا من خلال الخطاب (أنظر إلى خطاب النائب الليكودي يوآف جالنت في كلمته للتصويت على قانون استيعاب الجنود المسرحين ليلة الثلاثاء المنصرمة فقد وجه خطابًا شوفينيًا حربجيًا كله تهديد للعرب وللفلسطينيين في الداخل الفلسطيني) الذي عادة ما يكون الأرضية الطبيعية وجزءًا من الحاضنة الثقافية لمثل هذه الجماعات.

العنف الديني ضمن سياق صهيو-يهودي

معلوم أنَّ الفيلسوف اليهودي الكبير الراحل يشعياهو ليببوفيتش، وهو رجلُّ متدين، دعا وبصراحة إلى فصل الدين عن الدولة في الحالة الإسرائيلية، وحذّر من الاجتماع وتمتين العلاقات بينهما، وسخر بشدة ممن يزعم أنّه لا بد من هذه العلاقة لحفظ يهودية الدولة (انظر ليبيبوفيتش: اليهودية، الشعب اليهودي ودولة إسرائيل. 1975، شوكان، دار النشر شوكان). وفي مطلع العقد المنصرم (2009-2011) حذّر العديد من الباحثين والفلاسفة والمفكرين اليهود من تمدد الحالة الدينية المتطرفة إلى مرافق الحياة عامة، وخاصة الجيش والمرافق الأمنية (أنظر رؤوفن جال في “بين القبة والقبعة: الدين والسياسة والجيش في إسرائيل”).             مشهد المجموعات الدينية المتشددة والمتطرفة من الصهيونية الدينية وهي تحمل السلاح وتهاجم القرى الفلسطينية تحت سمع وبصر وحماية الجيش وقيام البعض منهم بحرق عائلة الدوابشة والتعامل القضائي والسلطوي مع القتلة ومن يقف وراءهم بأيد من حرير، وقد استعانت المؤسسة الاحتلالية بهذه المجموعات لاستيطان المدن الفلسطينية الساحلية في الداخل الفلسطيني، وقد شهدنا في رمضان عام 2021 دور هذه المجموعات في مدننا الساحلية خاصة مدينة اللد.

الحاخام الحاريدي والقانوني المختص في القانون الجنائي وصف في عام 2016 النائب بن غفير بأنه إرهابي يهودي وقاتل لليهود، ورفض آنذاك الاعتذار عن هذه الأقوال، بل قبل ذلك بعام، قال في حوار مع موقع “واللا” العبري، أن القطاعين الحاريدي والصهيوني الديني يشهدان تطرفًا نوعيًا سيُترجم عاجلًا أم آجلًا إلى أعمال كراهية وسفك دماء، وذلك لقناعاتهم أنَّ هذه السلوكيات تجد لها الحاضنة الشرعية في أقوال وتفسيرات الحاخامات اليهود.

ثمة جامع بين أعمال العنف والقتل التي تُمارَس من قبل هذه المجموعات وبين الأيديولوجيا التي تعتنقها هذه المجموعات وتعمل على تنزيلها على العرب والمسلمين في فلسطين التاريخية، التي تضم إسرائيل والمناطق التي تمّ احتلالها عام 1967 بما في ذلك القدس، وهم إذ يدركون أنّ أية ممارسة للعنف تحت شماعات دينية ستواجَه بمثلها خاصة وأن على هذه الأرض يعيش اليوم أكثر من 15 مليون ساكن نصفهم من اليهود ونصفهم من المسلمين، وفي هذا المعطى ما يكفي لفهم المسارات المتوقعة إن عمدت هذه المجموعات لأعمال إرهابية تحت رعاية المؤسسة الإسرائيلية، فخراب العمران سيكون أبرز معالم هذه العمليات، فلا المؤسسة الإسرائيلية بما تملكه من قوة ستنجح في حسم المعركة إذا نشبت ولا الفلسطينيون بما تيسر لهم من أدوات، بيد أنّ المفروغ منه أنّ دمارًا سيلحق بهذه البلاد سيدفع فواتيره المجتمع الإسرائيلي الذي كشفت الأحداث في العشريات الأخيرة إلى تراكم ضعفه وعدم مقدرته على احتمال مثل هذه الحرب التي ستغذى دينيًا وستتجاوز فلسطين التاريخية، لتسقط فيها دمى حكمت مشرقنا العربي عدة عقود بالنار والحديد والحمايات الخارجية.

أوسلو وقارعة الطريق

يعتبر العديد من المفكرين والباحثين الإسرائيليين، أنّ اتفاقية أوسلو شقت عمليًا الطريق للجماعات الدينية المتطرفة داخل التيارين الحاريدي والصهيوني الديني، ومنحتهما الفرصة التاريخية التي لا تعوض، للخروج عن قارعة الطريق إلى وسطها والمضي قدمًا في تقديم رؤيتهم لمستقبل إسرائيل، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نادت حركة ” قيادة يهودية-منهيكوت يهوديت” بالعمل على إفشال الاتفاق بل وهاجمت بشدة قيادة المستوطنات التي هي من صلب الصهيونية الدينية، بل عمودها الفقري والممثل الشرعي لحركة “غوش إمونيم”، ودعت إلى عدم الالتزام بالقانون والتمرد عليه، وهذه الحركة جزء من حركة “هذه أرضنا” التي قادت المظاهرات ضد الاتفاق ونادت بالعمل على تغيير الحكم، ومنها تخرّج قادة حركة قيادة يهودية وتغلغلوا في حزب الليكود الذي قاد البلاد، ومن خلاله تغلغلوا ومن خلفهم إلى مفاصل الدولة والعمل السياسي، وهذه المجموعة أدخلت أفكار شفتاي بن داف عضو حركة الليحي (1924-1978) القومية الشوفينية والشعبوية إلى القاموس السياسي الإسرائيلي، وجعلت عامودها الفقري أحياء اليهودية كقومية من خلال البوابة الدينية، وهو ما يعني بالضرورة خلق مقدسات ورموز لعل أهمها القدس والمسجد الأقصى المباركان، واستباحة الدم العربي المسلم، وقد رأينا ترجمة هذا علنًا وعمليًا في أدبيات القادة العسكريين (راجع خطاب جلانت الذي أشرت إليه في متن هذه المقالة آنفًا)، ونحن إذ نراقب انفلات المجموعات الدينية والقومية الصهيو-يهودية في الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني، نتابع إلى جانب هذه السلوكيات، التصريحات الصادرة عن أرباب السياسة الإسرائيلية، ونتابع الجمعيات والمؤسسات الإسرائيلية التي تترصد مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، خاصة في قضايا الأرض والمسكن وبالتحديد في الجليل والنقب.

خراب العمران المنتظر

ذكرت سابقًا أنّ أية مواجهات ستخلقها هذه المجموعات، ستأذن بخراب العمران بكل مركباته العمرانية والاجتماعية والاقتصادية، وقد تنبّه علماء الحضارة إلى خطورة أن تتسيّد الأممَ والحكومات مثلُ هذه المجموعات التي تمتلئ حقدًا وكراهية، وعندها الاستعداد أن تخرب كل شيء مقابل أن تطبق قناعاتها وما تؤمن به، ومن نافلة القول أن نستشهد بما فعله تنظيم الدولة من خراب للعمران في عدد من بلاد العرب والمسلمين، ولن تكون المجموعات الدينية الإسرائيلية المتطرفة بدعة وشيئًا خاصًا، بل إن ضررها سيكون أكبر بكثير في الشارع الإسرائيلي منه في داخلنا الفلسطيني، أو الأراضي المحتلة عام 1967 بما في ذلك القدس والبلدة القديمة. وهذه المجموعات إذ تمارس الظلم والبلطجة تحت حماية الاحتلال وحِرابه، فهي تعمّق الظلم الذي يُجمع علماء الاجتماع والمستقبليات على أنّه من الأسباب المباشرة لهلاك الأمم والجماعات والدول والكيانات، ومن ثم فإسرائيل باتت خياراتها منذ أوسلو تتقلص باستمرار، بناء على هذه النظرية، فليس أمامها الكثير من الوقت حتى ترتب أوراقها بما يضمن استمرارها مع ظهور بكائيات كثيرة واقترابها من عقدها الثامن.

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر