تأسيس مليشيا يهودية مسلحة في النقب.. المعنى والتداعيات


  • الجمعة 25 مارس ,2022
تأسيس مليشيا يهودية مسلحة في النقب.. المعنى والتداعيات

قبل أيام قليلة أُعلن عن تأسيس مليشيا يهودية مسلحة في النقب بدعم ومباركة وموافقة من الجهات الإسرائيلية الرسمية العليا وأطراف أيديولوجية متشددة تتبع التيار الديني الصهيوني، الذي من مكوناته الأيديولوجية حزب يمينا الحاكم، بزعم انها جاءت لتحقيق الامن الشخصي لليهود في النقب!!

في هذه المقالة نحاجج معنى قيام مليشيا بدعم من الدولة “الديموقراطية” وما هي التداعيات المتوقعة راهنًا ومستقبلًا على ساكنة النقب خصوصا وعلى الداخل الفلسطيني عمومًا.

لئن ذهب علماء السياسة وفلاسفة الأفكار والنُظم إلى أنّ الظاهرة المليشياوية مرتبطة بمنظومات أيديولوجية تتعصب لها، فإنَّ وجود مليشيا في دولة ديموقراطية اثنية كما هو الحال في إسرائيل أو متعددة الأعراق هو الوصفة الأكثر جهوزية لتحقيق الفوضى وانهيار النظام وتغول الأغلبية، عرقيًا أو دينيًا على الأقلية، والبداية العملية لانهيار الدولة، وهذه الحقيقة قد لا تنسحب بالضرورة على الواقع الإسرائيلي ذلكم أن إسرائيل الدولة عمليًا هي نتاجٌ مليشياوي تمت حمايته وتنميته وتعزيزه أمنيًا وعسكريًا، تحت حراب الاستعمار البريطاني خاصةً، وأننا كفلسطينيين نعيش الحالة المليشياوية المحمية حكوميا في المناطق المحتلة عام 1967 وما شباب التلال عنا ببعيد.

معلومٌ أنّ احتكار القوة هي ميزة أساس من ميزات الدولة المعاصرة ومكون من مكوناتها وعنصر أساس من عناصرها السيادية، برسم أنّ القوة التي تمتلكها الدولة هي الوحيدة المعترف بها والتي لها شرعيتها الأخلاقية والعملياتية.

في حالتنا كما هو راشحٌ من سيل التعليقات والانتقادات، فإن هذه المليشيا المدعومة سلطويًا، ومادتها البشرية من اليمين المتطرف دينيا وسياسيا، في حقيقتها المبطنة جهاز سلطوي يعمل تحت اسم السلطة، ولكن خارج القانون، وذلك للقيام بمهام القتل “البارد” بعيدًا عن أعين السلطة ولكنْ تحت حمايتها، والمليشيا وفقا للتعريف القانوني، هي: كل مجموعة مسلحة خارجة عن القانون. ووفقًا لتصريحات قادة ومؤسسي هذه المليشيا، فإن عملهم لن يكون تحت القانون، علمًا أنّ هذه المليشيا تأسست تحت وسمع مؤسسات “قانونية” وبذلك تكون (عمليًا) إسرائيل الدولة والمؤسسة التشريعية هي نفسها خارجة عن القانون الذي سنّته ووافقت عليه.

عمليًا العمل خارج القانون سمة من سمات المؤسسة الإسرائيلية التي تتغنى بالديموقراطية والمؤسسات الديموقراطية فيها، وكل جرائم القتل التي تمارسها خارج حدودها أو داخل حدودها مع الأقلية العربية هو عمل خارج القانون، ولكن المؤسسة الإسرائيلية بكل أذرعها، تمارس فنّ حماية هؤلاء المارقين، وما أحداث القتل في داخلنا الفلسطيني لشبابنا إلا بيان لما أذهب إليه.

المليشيا ومنظومات القيم الموجهة..

كل مليشيا تتأسس على واحدة من منظومتي القيم أو على كليهما، إمّا على منظومة القيم الوطنية أو منظومة القيم الدينية أو كلاهما، إذ تتداخل قيم الوطن والدين (مثال الحالة العراقية واليمنية في المليشيات الشيعية) وهذه المليشيات عادة ما يتم تنظيمها وتسليحها من مواطنين، إمّا يتبعون لحركات سياسية ذات طابع أيديولوجي “محدد” أو تتشكل على طريقة أن تكون قوات دفاعية يتم تشكيلها من طرف حكومي في منطقة سكنية محددة أو منطقة جغرافية لخدمة أغراض محددة ذات صبغة أيديولوجية أو تحقق مكتسبات سياسية.

وفي السياق الإسرائيلي، يكون تكوين هذه المليشيا الفعل الجامع بين الأيديولوجيا والمصلحة السياسية والمنطقة الجغرافية الخاضعة عمليا للسيادة الإسرائيلية، وتأسيس مثل هذه المليشيا من قبل جماعة تنسب إلى تنظيم كهانا المحظور إسرائيليا- نظريًا- والموجود في الكنيست وله قوته وثقله المجتمعي داخل المجتمع الإسرائيلي، هي عمليا صك إسرائيلي رسمي لممارسة الجريمة المنظمة ضد أهلنا في النقب تحت سمع وبصر المؤسسة الحاكمة ومنظوماتها الأمنية على اختلاف تشكيلاتها. الدّرس الذي تعلمناه في منطقتنا أنّ المليشيات التي تكونت في إطار والى جانب الدولة الطائفية/ الأيديولوجية، شكّلت رافعة قوية لهذه الدولة ولعبت دورًا في تقويتها، كما هو الحال في الحالة اللبنانية أو/ والعراقية أو/ واليمنية، ولذلك لن تكون المليشيا اليهودية بدعا عمّا ذكرت بقدر ما ستبز أقرانها من المليشيات الطائفية وتؤسس لمرحلة رابعة في جدل العلاقة مع الكل في الداخل الفلسطيني (المراحل الثلاثة السابقة: مرحلة الحكم العسكري بما فيها من تعرجات سياسية وعمليات رقابة وإخضاع وتدجين للفلسطيني جاءت لتعزيز الدولة الناشئة، ومرحلة العمل السياسي المنضبط تحت لافتات سياسية مختلفة خاضعة للرقابة الطوعية والفعلية وجاءت لتحقيق الفعل السياسي الضابط إسرائيليا للعمل السياسي، ومرحلة التعددية السياسية الخاضعة للمراقبة والعقاب والمصحوبة بحالة من الفعل السياسي الشعبوي اسرائيليًا، وكل هذه المراحل خضعت ولا تزال للرقابة بكل تلاوينها).

المهمة المعلنة لهذه المليشيا اليهودية الصهيونية المسلحة التي أُطلق عليها وحدة بارئيل نسبة للجندي الذي قتل على بوابات غزة والتي يقف على رأسها ضابط الشرطة السابق ألموغ كوهين أحد أعضاء الحركة الفاشية “عوتصماه يهوديت” الذراع السياسي والمليشياوي لحركة كهانا حاي التي يتزعمها إيتمار بن غفير، هو حماية اليهود في النقب، وكأنَّ النقب منطقة فالتة ليس فيها ما هبَّ ودبَّ من الشرطة والوحدات الخاصة وأجهزة الامن المختلفة، وهو ما يعني بالضرورة أنّ الحكومة الإسرائيلية هي من خططت أو/ وساعدت على توفير الأجواء لتكوين هذه المليشيا.

هذا التواطؤ الحكومي محملٌ بالتداعيات ليس على مستوى النقب وعلاقة الاغلبية مع الأقلية، بل ستكون تداعياته في فلسطين التاريخية وهو ما سيحمل مستقبلًا تداعيات لمَّا تتنبه لها السلطة الإسرائيلية بسبب حالة الغثيان السياسي وبلطجة اليمين الديني الفاشية من جهة، والحسابات السياسية ذات الطابع الانتخابي من جهة أخرى.

البعد الشعبي لهذه المليشيا يضفي عليها بعدا مستقبليا يجمع بين الشعبوية السياسية وظاهرة الجماعة الواحدة التي تختلف في التفاصيل البسيطة وتتفق على الأمهات، بمعنى أنّ ثمة اختلافات بينية بين مكوّنات اليمين الإسرائيلي، ولكنْ ثمة اجماع في المواقف المعادية من طرفهم لنا كفلسطينيين، وهذه الفئات تستحوذ شيئا فشيئا على البلاد والعباد في الوسط اليهودي، ولعل الإشارة الى جمع تبرعات لهذه المليشيا تبين العلاقة بين المكونات السكانية المدنية اليهودية ومنطق العلاقة مع الفلسطيني، مصلحةً ووجودًا، في النقب والداخل الفلسطيني، ذلكم أنّ جمع تبرعات لهذه المليشيا الموافق عليها رسميا، يعني توجيه سلطوي لتعميق العلاقة مع هذه المليشيا التي ينسب إليها حماية الانسان اليهودي، وهذا بحد ذاته يضعنا أمام تبيانٍ لجدل العلاقة مع الكل الصهيو- يهودي ليس في النقب، بل وفي كل بلداننا في الداخل الفلسطيني وفي المقدمة المدن الساحلية التاريخية.

من الجرائم الأولى التي قامت بها هذه المليشيات الاعتداء على فلسطينيين في النقب وهذا أول القطر ثمَّ ينهمر.

تأسيس مثل هذه المليشيا، وترك الحبل على الغارب، سيحمل تداعيات، ولعل ما حدث في بئر السبع مساء يوم الثلاثاء المنصرم، بعضٌ لبيان ما أقول. وستكون ردود الأفعال على قدر الأفعال الصادرة عن هذه المليشيا “الحكومية”، وإذا ما شطّت في غيها وفجورها فسيكون الداخل الفلسطيني كله مرشحًا لانفجار قد يصل دويه إلى آذان صُمّ طالما وقرت.

. . .
رابط مختصر



اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة *

مشاركة الخبر