وقفة مع الحراك الإغاثي الإنساني


  • السبت 5 فبراير ,2022
وقفة مع الحراك الإغاثي الإنساني

الحراك الإغاثي الإنساني الرّحماني المبارك بهذا الزخم غير الاعتيادي الذي يشهده مجتمعنا الفلسطيني في الداخل هذه الأيام، هو دلالة واضحة على أن هذا المجتمع مترسخة فيه مفاهيم وقيم العطاء والسخاء والإيثار والتنافس المحمود في فعل الخير، وأنه مجتمع يسكنه الشعور بالواجب الديني والإنساني تجاه المظلوم، لا سيّما وأن المظلوم لا يُنصفه ولا يشعر بمعاناته إلا من ظُلم وذاق مرارة التهجير عن الديّار والأرض والأهل والعيش في الخيام وتحت قسوة الشتاء والثلج والبرد، وتُرك يواجه مصيره لوحده.

هذا المجتمع في هذا الحراك أعاد مجددًا الثّقة إلى نفسه وإلى أبنائه وجعلهم يقفون مع أنفسهم وقفات ليعيدوا ترتيب أوراقهم من جديد وليعرفوا مكامن القوة التي تتجسد في التكافل والتعاضد فيما بين أبناء هذا المجتمع وأفراده.

فإذا كانت حملات التبرعات الضخمة لإغاثة النازحين المتضررين من قسوة الشتاء والبرد في الشمال السوري، وإنهاء معاناة قاطني الخيام، التي قامت عليها جمعيات إغاثية في الداخل الفلسطيني وبتعاون مع نشطاء تطوعوا لتسخير كل طاقاتهم ومواهبهم وما أوتوا من قوة وإمكانيات. إن كانت هذه الحملات قد نجحت بجمع أكثر من عشرة ملايين دولار لإيواء النازحين ونقلهم من الخيام إلى شقق سكنية ضمن (حملة “بيت بدل خيمة”)، وتقديم الإغاثات العاجلة.. فإن هذا المجتمع بأكثريته قادر على مواجهة التحديات المفروضة عليه، بشموخ وعزة نفس وإباء وكبرياء، خاصة وأنه يمتلك العديد من نقاط القوة التي تنبع من عمق الانتماء الوطني والديني والإنساني وتنبع من أفكاره وقيمه المجتمعية وتنبع من روح المبادرات والمشاريع العصامية التي تسري مسرى الدم في عروقه.

في هذا الحراك الإغاثي الإنساني الرّحماني المبارك، أظهر المجتمع في الداخل الفلسطيني بأكثريته تقديم مفهوم الخلاص الجماعي (الـ نحن) على مفهوم الخلاص الفردي الذاتي (الأنا)، وتولدت لدى أكثرية هذا المجتمع الحاجة الشعورية الضرورية إلى إظهار مكامن قوته، لذلك ليس غريبًا أن يتولى هذا المجتمع الصدارة الإعلامية المحلية والعالمية بحراكه الإغاثي الرّحماني المبارك، بل ليكون أيضًا ملهمًا لغيرة من أبناء شعبه الفلسطيني في التفاعل الكبير مع شقيقه الشعب السوري في المخيمات والانتصار لقضيته العادلة.

الذي لا بدّ من الوقوف عليه في هذه المقالة، أن هذه الهبة الرّحمانية الإنسانية التي تمثل أكثرية أبناء المجتمع في الداخل الفلسطيني، وحّدت تحت إطارها أبناء الصحوة الإسلامية وأبناء الداخل على مختلف انتماءاتهم، من دعاة ومشايخ وخطباء وأئمة مساجد وأكاديميين ونشطاء في العمل السياسي والاجتماعي ورجال أعمال وتجار وأصحاب دكاكين ومحلات تجارية وأصحاب مهن حرفية، وحتى أن هناك عددًا لا بأس به من المدراس متمثلة بطواقمها وطلابها توحدت تحت إطار هذه الحملة الإغاثية الإنسانية.

ولا ننسى في هذا السياق أقلية غلب عليها طابع الخلاف السياسي على الجانب الإنساني مع شديد الأسف، ومن هذه الأقلية من أصبح شغله الشاغل الطعن والتشكيك في حملات إغاثة الشعب السوري الشقيق المنكوب. هذه الأقلية نفسها كانت بعض عناوينها تخرج إلى الإعلام وإلى الفضائيات الموالية للنظام السوري الوحشي لا للتحدث باسم هذه الأقلية، إنما لكيل المديح وإبداء التأييد لنظام ديكتاتوري دموي قتل أكثر من مليون سوري وهجر زهاء ستة ملايين سوري، كان هؤلاء “الشبيحة” يطلّون على إعلام النظام المجرم للحديث باسم أبناء المجتمع الفلسطيني في الداخل!! لكن يبقى السؤال الآن وبعد هذا الحراك الإغاثي الإنساني الرّحماني المبارك بهذا الزخم؛ هل ستبقى هذه العناوين تتحدث “متبجحة” باسم الأكثرية المناصرة للشعب السوري وقضيته العادلة والرافضة للنظام الدموي، أم أن طابع الخلاف السياسي سيغلب عليها أيضًا ويجعلها تواصل الحديث باسم أبناء المجتمع والشعب الفلسطيني عامة لتواصل الإساءة إلى تاريخه وحاضره في نصرة المظلوم.

صحيح أن هذا المجتمع فرقت جمعه وبعثرت أجزاؤه المصالح الحزبية الضيقة والمنافع الشخصية المصلحية والمناكفات السياسية، غير أن هذا المجتمع ترسّخت فيه مفاهيم وقيم العطاء والسخاء والإيثار والتنافس المحمود في فعل الخير، وهذا المجتمع أثبت من خلال هذا الحراك الإغاثي، أنه يتوق لوحدة أبناء الصحوة الإسلامية وأبناء الداخل على مختلف انتماءاتهم تحت إطار مشاريع الهم الوطني والديني والدعوي والخلاص الجماعي، وأثبت أنه مجتمع معطاء وكريم وصاحب نخوة وشهامة ومروءة ويناصر المظلوم ويحق الحق لصاحبه.

في النهاية، يبقى الجواب على سؤال: كيف نصل إلى هذا الخير ونعمل على توظيفه في استنهاض المجتمع لدعم المبادرات الشعبية والاجتماعية لإنشاء صناديق لتقديم الدعم المادي والمعنوي والنفسي لمواكبة العديد من القضايا الملحة في مجتمعنا وعلى رأسها قضية النقب؟ يبقى الجواب عند عناوين وأهل الثقة والوفاء والأمانة وأصحاب الأيادي البيضاء والرصيد الكبير في العمل الشعبي والاجتماعي والخيري والإنساني بمختلف أسمائها ومسمياتها وكل في موقعه، على هؤلاء تقع مسؤولية استنهاض المجتمع واستنهاض طاقات أبنائه في كافة المجالات في البُعد الحياتي والاجتماعي والسياسي، وهم فقط من يملكون مفاتيح أبواب هذه المشاريع والمبادرات.

. . .
رابط مختصر



اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة *

مشاركة الخبر