سياق ومآلات الحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران

تقديم: في الاستع


  • الأحد 15 يونيو ,2025
سياق ومآلات الحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران
طهران

تقديم: في الاستعارة من حروب سابقة،  نجد أن افتتاح اسرائيل لحربها المباشرة مع إيران فجر 13 حزيران، فيه ملامح من نمط حرب 1967، باستهداف مسبق لسلاح الجو العربي وتدميره في الضربة الأولى؛ في المقابل فيه ملامح من الفصل الأخير من الحرب المكثفة بين اسرائيل وحزب الله حين استهدفت في ضربات كبرى قيادة اركانه جماعيا، وسبقها تفجيرات البيجر وتحييد قواته الضاربة الاساسية ولاحقا القضاء على قيادته السياسية بمن فيهم الأمين العام نصرالله وخليفته صفي الدين.

في الحالات الثلاث لم تكن الضربات بنات لحظتها، بل كانت نتاج عمليات تحضير استخباراتية وعملياتية وبناء قدرات، دامت سنين طويلة،  تمتد الى نحو ثلاثة عقود وبشكل مكثف الى عقدين من الزمن، وتمت بشكل محكم للغاية، وكما في جميعها باسناد حربي ودعم امريكي وتوفير مظلة حربية لاسرائيل.

في المعطيات، عقيدة زامير :

تضمنت الضربة الاسرائيلية الأولى والتي استهدفت المنشآت الاستراتيجية النووية والصاروخية الايرانية، بالاضافة الى استهداف قادة الجيش والحرس الثوري وكبار علماء المشروع النووي والصاروخي. هي الأهداف تندرج في العقيدة العسكرية الإسرائيلية التي عكف على بلورتها قائد الاركان الحالي ايال زمير منذ العام 2008 وانجزها في العام 2022 حيث اعتمدها الجيش ركنا من أركان عقيدته العسكرية في الملف الإيراني.

وفقا لهذه العقيدة فما دام النظام الايراني قائما فلن يتراجع عن المشروع النووي وعن القدرات لتحويله الى مشروع عسكري في حال قرر ذلك، وفي كل الأحوال، سيبقى المشروع الصاروخي ويتم توسيعه وتطويره باستمرار.

يقوم المنظور الاسرائيلي على ان المشروع النووي ومعه المشروع الصاروخي يشكلان خطرا وجوديا على اسرائيل، ولا بد من خلخلة النظام بكامله للتخلص من هذه المخاطر. 

للوصول الى هذه الأهداف فإن اسرائيل بحاجة الى  حرب  طويلة الأمد متعددة الطبقات او الدوائر مع إيران. أنجزت اسرائيل مركبات منها تتعلق بتفكيك ما أقامته إيران من محور قائم على المنظمات العسكرية الموازية للدولة،تطوّق به اسرائيل، وأهمها حزب الله وهيمنة إيران في سوريا. مع نجاح إسرائيل في حربها مع حزب الله بتقويضه الى حد كبير، بسقوط نظام الأسد، رأت القيادة السياسية والعسكرية ان الهدف القادم هو رأس الأخطبوط في اشارة الى ايران التي اعتبرتها بأنها باتت مكشوفة ومن دون وحدة الساحات.

 فيما الدوائر الأخرى وفقا لزامير تتحدث عن البعد الاستخباراتي وضمان تحييد القدرات الصاروخية والدفاعات الجوية بهدف تدمير المنشآت النووية، بالاضافة الى الحصار الاقتصادي على ايران، واستنهاض الصراعات الداخلية فيها، وتحييد قدراتها على تصدير النفط وعلى اغلاق مضيق هرمز ومنعها من التأثير على الاقتصاد العالمي برمته، وهو ما أخفقت به اسرائيل، رغم ضمها الى القيادة المركزية الأمريكية في المنطقة (سنتكوم).

تجنبت اسرائيل في الضربة الافتتاحية للحرب المباشرة التعرض للمنشآت النفطية الايرانية. يبدو ان هذا الموقف اخذ بالاعتبار الموقف الأمريكي بهدف منع ازمة طاقة عالمية تؤثر بشكل غير قابل للسيطرة على اقتصادات العالم. تشكل البنية النفطية الايرانية ورقة لعب قوية لهذا البلد وتأكيدا بأن عواقبها ستكون ثقيلة على العالم.

 

ثغرات خطة زامير:

 

في المقابل فان نتنياهو الذي يحظى بإجماع قومي صهيوني شامل، معني بتوريط الولايات المتحدة في الحرب. فهناك قناعة اسرائيلية بأنه ومن دون الشراكة الحربية الكاملة للولايات المتحدة ، لن يكون بمقدور اسرائيل تدمير المشروع النووي الايراني بكامله، حتى ان الأمر ليس مضمونا بتدخل من الولايات المتحدة؛إضافة إلى أن التقديرات المهنية في اسرائيل ترى ان اليورانيوم المخصب بالامكان نقله وحمايته.

وفقا لنتنياهو،  فالطريق الى توريط الولايات المتحدة في الحرب يمر  من مضيق هرمز وإغلاق ممر نقل الطاقة النفطية،  و استدراج طهران  للتعرض للقواعد العسكرية الأمريكية  في المنطقة. يرى نتنياهو والطبقة الحاكمة في اسرائيل بأن النجاح في هذا الهدف، فقد يحققوا معظم الأهداف اي تفكيك بنية الدولة الايرانية واسقاط النظام.

يصطدم هذا المخطط  بالموقف العربي الخليجي المجمع على رفض الحرب على إيران، والذي يرى في إدارة ترامب عنوانا لوقفها، بوصفها تشكل تهديدا مباشرا لمصالح هذه الدول واقتصادياتها المعتمدة على الطاقة النفطية والغازية. كما يصطدم مع موقف الدول الاوروبية  والغربية الكبرى،  الذي ستتضرر اقتصاداتها بشكل مباشر وعميق، بكل تبعاتها على شعوب هذه البلدان.

خلل فاضح في الميزان:

عسكريا، يميل ميزان القوى بشكل واضح - لغاية الآن-  لصالح اسرائيل. يعود ذلك الى عدة اسباب تتعلق في جوهرها بالتفوق التكنولوجي المعتمد على التقنيات الامريكية والغربية وحصريا البريطانية، بما فيه القدرات الاستخباراتية العسكرية. بنيويا هناك فارق جوهري بين أهداف البلدين؛ اذ ان هدف اسرائيل اسقاط النظام الايراني، وكل خلخلة فيه تعتبر انجازا نوعيا نحو هذا الهدف. بناء عليه، جاءت طبيعة الضربة الاولى باستهداف قيادة الأركان وخبراء النووي، والقدرة على استهداف رموز النظام. يضاف الى ذلك وبصورة نوعية، قدرة الطيران الاسرائيلي العمل بحرية كبيرة في الاجواء الايرانية التي انكشفت أمامه لليوم الثالث على التوالي. كل ذلك شكل المؤشر الأبرز  لهذا التفوق الساحق  الذي لا تضاهيه الضربات الصاروخية الايرانية على اسرائيل مهما كانت قوية، فهي في طبيعتها دفاعية هدفها الواضح هو وقف الحرب عليها.

 وفقا للمحلل العسكري تسفي بارئيل من الصعب التكهن بمآلات هذه الحرب التي لا تزال في يومها الثاني، فمقابل رغبة إسرائيلية في مواصلتها حتى تحقيق الأهداف عسكريا، ومقابل الرد الايراني بأنه من غير المنصف مطالبة إيران بضبط النفس، فإن عددا من الدول قد عرضت وساطتها لوقف الحرب ومنها السعودية وروسيا.

 كانت روسيا قد عرضت وساطتها في تيسير المفاوضات منذ عدة أسابيع وذلك لائتمانها على اليورانيوم الإيراني المخصب. فيما السعودية كما روسيا ومعظم دول المنطقة غير معنيين بهذه الحرب بشكل جازم نظرا لاحتمالات تدحرجها نحو الفوضى الشاملة،  بشكل يفوق جوهريا الزعزعة القائمة نتيجة للحرب الإسرائيلية على غزة.في ظل هذه الحالة، يصبح السؤال  الشاغل،  كيف ستميل كفة القرار الأمريكي. 

يضيف بارئيل أن رئيس الوزراء الاسرئيلي قد يحصد نقيض ما يسعى إليه، ويدفع بايران والولايات المتحدة بضغط عربي ودولي الى تجديد المفاوضات وتسريع التوصل لاتفاق نووي. كما أن الضربة الاسرائيلية الحربية قد ترى بها ايران في حال القرار السياسي مبررا للمضي المتسارع نحو إنتاج القنبلة النووية رغم ان هذا الخيار يبدو أقل احتمالية لاسباب تتعلق بايران.

في إسرائيل عودة القلق العميق:

ترصد وسائل الإعلام والمعلقين،  تغيرا في اللهجة الاسرائيلية ومزاج الرأي العام بعد سقوط الصواريخ الايرانية في مركز البلاد وإحداث دمار كبير غير مألوف إسرائيليا. ومكان النشوة الشاملة بعد الضربة الاولى عاد القلق وعدم اليقين. هناك أصوات بدأت  تدعو الى وقف الحرب واتاحة المجال للاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، وأوساط أخرى ترى بأن نتنياهو يقامر من أجل مكاسبه السياسية رغما عن الإجماع القومي الصهيوني حول ضرب ايران. من اللافت ان نتنياهو وخلال اليومين اللذين سبقا بدء الحرب، تحدث عن مؤشرات ايجابية للتوصل إلى صفقة بشأن غزة تشمل التبادل وهدنة طويلة ومفاوضات لوقف الحرب حتى وإن لم يلتزم بوقفها. يتبين لاحقا أن هذه التصريحات جاءت ضمن لعبة تشتيت الأنظار حول الملف الإيراني والتي شاركه فيها ترامب، بشكل مضلل لغالبية التقديرات. مما جعل الضربة الأولى صاعقة للقيادة الإيرانية.

من اللافت بأن اصطفافات المواقف الدولية بشأن إيران هي بعيدة عن أن تكون متطابقة للاصطفافات بشأن الموقف من فلسطين وحصريا من أجل وقف الحرب على غزة وإدخال المساعدات بلوغا الى التحولات بصدد الاعتراف بالدولة الفلسطينية. في حين يسود شعور عارم لدى النخب الفلسطينية، بأن أية حرب اقليمية ليست في مصلحته، وغالبا ما يدفع الشعب الفلسطيني ثمنا إضافيا، بل تأتي على حساب فكرة أن  حل قضية فلسطين هو ضمان الاستقرار الإقليمي والعالمي .

كما في حربها متعددة الجبهات واعتقاد نتنياهو بأنه "يغير وجه الشرق الاوسط"، فإن الموقف الاسرائيلي الرسمي لا يوفر اي افق سياسي، بل يسعى إلى تغيير "خرائط المنطقة" بالوسائل العسكرية فقط. وهو ما يتناقض مع الاتجاه الدولي والعربي للتهدئة والاستقرار في الاقليم. 

 

من المتوقع في هذا الصدد انه وبعد استيعاب ايران للضربة المخلخلة، قد ترى انها مضطرة الى التصعيد ولو من باب "حفظ ماء الوجه" معنويا امام الشعب الايراني وكي لا تفقد معظم معادلات الردع اقليميا. 

هل ستطول الحرب ؟ 

وفقا للتقديرات الدولية والاسرائيلية فإن هذا الاحتمال وارد،  باعتبار أن البلدين لا يستطيعان وقفها حاليا؛ فإسرائيل لم تحقق هدفها بعد مقابل أجواء ايرانية مكشوفة للطيران الاسرائيلي تتيح لها المزيد، ثم ان ايران لا تستطيع ان تسمح لنفسها بهزيمة قد تؤدي الى سقوط نظامها بالكامل،  ولذلك فهي معنية بايقاع اقصى درجات الضرر بإسرائيل. فيما موقف ادارة ترامب القائم على المفاوضات بالقوة يرى بأن اسرائيل قد قامت بدورها الوظيفي في تغيير معادلات وشروط التفاوض مع إيران. 

في المقابل ، يبدو ان الضغوطات العربية والإقليمية والدولية تتعاظم لوقف الحرب، وعودة التفاوض والوصول لاتفاق يمكن الأطراف من التعايش معه. وإذ توجد مؤشرات قد تكون مبشرة بقرب نهاية الحرب مثل قرار كل من الأردن ولبنان إعادة حركة الطيران، إلا أنها  ليست مؤشرات حاسمة بأن الأمور تسير نحو نهايتها.

للخلاصة:

** لا يزال من المبكر التقدير بمنحى الأمور في المعركة الاسرائيلية الايرانية ، فكل المقومات للتصعيد قائمة  بما فيه تحويلها إلى أزمة دولية متعددة الاطراف وحصريا في حال تحولت الى حرب نفط وطاقة، كما أن المجتمع الدولي وحصريا العربي غير معني باتساع رقعة الحرب وباستعارها مما يهدد الاستقرار الإقليمي والعالمي بشكل خطير.

** رغم قوة الضربة الإسرائيلية  وتفوقها الاستخباراتي العملياتي لحد الان والمسنود امريكيا وبريطانيا مقابل إيران المعزولة دوليا، الا أنها بعيدة عن الحسم مما قد يطيل أجلها الأيام إن لم يكن لاسابيع طويلة، خاصة وأن المستهدف هو النظام الإيراني وبنية الدولة.

** اسقاطات الحرب على الحالة الفلسطينية وحصريا على الحرب على غزة، تشد الأنظار عالميا عن غزة التي تموت وحيدة. مما يتطلب عربيا تعزيز الجهود لعقد مؤتمر نيويورك الذي أرجئ حاليا نحو اقامة دولة فلسطينية، ووضع مسألة وقف الحرب على غزة في طليعة الأولويات العربية والدولية

** عربيا من الاهمية بمكان التوافق السريع على تحرك عربي وحصريا خليجي ومصري يحول دون استمرار الحرب، وذلك بالتنسيق مع الدول المعنية بوقفها وحصريا الصين وروسيا واوروبا. ضرورة هذا التحرك لمنع ويلات اتساع نطاق الحرب والتي قد تدفع البلدان العربية انظمة وشعوبا اثمانها الكارثية على المنطقة.

** تقديرنا سوف تنحو ادارة ترامب إلى تحويل الضربة العسكرية لايران إلى مكسب تفاوضي بدلا من حملة لإسقاط النظام. بناء عليه تظهر اهمية الضغوط العربية والاقليمية والدولية سعيا لوساطة تقود نحو اتفاق نووي جديد بدل الانجرار لحرب استنزاف.

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر