تداعيات توتر ترامب نتنياهو: هل تلتقط أوروبا أنفاسها

أعطت تصريحات المستشار الالماني فردريش ميرس ووزير خارجيته الجديد يوهان فاديفول، مؤشرا على انزياح لافت للسياسة الألمانية التقليدية، وذلك بالتوقف عن الربط بين انتقاد اسرائيل واللاسامية وعن وجوب التزام اسرائيل بالقانون الدولي وايصال المساعدات الانسانية للفلسطينيين الغزيين. فيما تتعزز هذه المواقف بتصريحات الرئيس الالماني شتاينماير 12/5 الداعية لامتناع نتنياهو من زيارة المانيا نظرا لكونه مطلوبا من محكمة الجنايات الدولية والتي تدمغها اسرائيل باللا-ساميّة.
- جاءت هذه التصريحات بعد التأكيد على التزام المانيا بدولة اسرائيل باعتبارها شأنا المانياً، ومؤشرا الى تغيير ما في الخطاب الالماني السائد. وتشير التقارير الى انه ومنذ السابع من اكتوبر حدث تحوّل في الموقف الالماني وانعكس ايضا في السياسة الالمانية الداخلية وملاحقة كل صوت انتقادي لإسرائيل في انحاء المانيا وحصريا في الجامعات او مندد بجرائم الابادة والتطهير العرقي او مساند للحق الفلسطيني.
- تفسير هذا التحوّل ألمانياً قد يكون مرتبطا بالتزامن مع جولة ترامب العربية الخليجية. حيث تلحظ اوروبا منسوب التوتر بين ادارة ترامب وحكومة نتنياهو، وكذلك التحوّل في ادارة السياسة الامريكية الحالية، نحو ازدياد القناعة بضرورة الضغط المكثف على الحكومة الاسرائيلية، وفرض امر، واقع دولي واقليمي. يقوم هذا التحول على ما أعلنه رئيس خارجية المفوضية الاوروبية السابق يوسيب بوريل في شهر 11/2023 بأن على المجتمع الدولي فرض حل الدولتين لكونه لن يأتي الا بهذه الطريقة، ولكون غياب دولة فلسطينية وحل عادل وفقا للقانون الدولي، فلن يكون أمن ولا أمان حتى لإسرائيل ذاتها.
- في المقابل فإن التحول في الخطاب الالماني المعلن يمكن وصفه بأنه استمرار للموقف الاوروبي الثابت، بما فيه الالماني نحو حل الدولتين، بينما يحظى بزخم جديد، اذ يأتي في خضم التحضيرات في اوروبا للمؤتمر الدولي لتدعيم مقومات اقامة دولة فلسطينية، وبمبادرة السعودية وفرنسا والذي سيعقد في نيويورك شهر حزيران/يونيو القادم كما هو مخطط لحد الان.
- الملاحظ أيضا تزايد موجة القلق في إسرائيل من التحولات الاوروبية الشعبية والنقابية والطلابية، وأثرها على سياسات الحكومات التي قمعت كل صوت مناهض للحرب على غزة. يترافق ذلك مع تآكل في الخطاب الذي قاده نتنياهو حصريا منذ التسعينيات ومفاده ان اسرائيل هي دولة يهودية ودولة اليهود حصرا، وبناء عليه فـإن أي انتقاد لسياساتها او للاحتلال هو موقف عدائي من اليهود، بل ان كل مناصرة للحق الفلسطيني تندرج ضمن هذا التعريف.
- في هذا السياق كتب موقع واينت 12 ايار/مايو بأن الحركة الطلابية الايطالية القوية في اوساط اليسار وكذلك النقابات العمالية باتت كبيرة الاثر ، حيث ينظمون اسبوعيا مظاهرات كبرى في المدن المركزية ضد الحرب ولنصرة فلسطين وشعارات "على حدود اللاسامية".
- بداية ملامح لاحتمالية انكسار الخطاب الاوروبي الذي انصاع للتعريف الاسرائيلي المهيمن لمعاداة اليهود او اللاسامية، ولصالح التمسك بالقانون الدولي ومواثيق حقوق الانسان والقيم الكونية السامية، هو شأن يؤرق الحكومة الاسرائيلية الحاكمة باعتباره يتحدى فرضياتها فهو ليس موقف من اسرائيل وانما من السياسات والممارسات الاسرائيلية، وحصريا في غزة وبمسألة التهجير والتجويع والابادة.
- وفقا لتحليلات اسرائيلية اعلامية عديدة وبعض الاصوات السياسية، فإن المسؤولية عن هذا التحول السلبي تقع على عاتق حكومة نتنياهو اذ ان معظم الحكومات الاوروبية دعمت اسرائيل في حربها على غزة بعد اكتوبر 2023.
- ما يحدث اوروبيا مؤخرا هو تعبير عن التحولات في المنطقة وتراجع الاثر الإستراتيجي الاسرائيلي اقليميا ودوليا، وتعزز مكانة الموقف العربي. واذ يتحول النظام العالمي نظام متعدد الاقطاب والى اعتماده تكتلات اقليمية او مصلحية، فإن اسرائيل تحت قيادة نتنياهو ونتيجة للحرب على غزة تجد نفسها خارج هذه التكتلات، وملاحقة جنائيا وسياسيا في منطقة تسعى دولها الى اطفاء الحروب التي تهدد امنها القومي الوطني وسلمها الأهلي.
- تؤكد زيارة ترامب الى السعودية والخليج من بين امور عديدة، قراءة دقيقة منه لكون ادارته غير معنية برهن اولوياتها لأولويات الحكومة الاسرائيلية رغما عن التزامها المطلق بإسرائيل. ثم ان سياسة ترامب بتجاوز حكومة اسرائيل في كل الملفات الساخنة - الفلسطيني والايراني والسوري والسعودي واليمني-، أنما تشكل سياقا جيوسياسي استثنائيا لأوروبا لتغيير توجهاتها سواء ككتلة ام كدول منفردة نحو العودة الى فكرة ان حل الصراع في المنطقة وحصريا الاسرائيلي العر بي وفي صميمه الفلسطيني لن يتأتى من الاطراف المحلية، بل ينبغي ان يتم فرضه دوليا، على نمط مساعي ترامب لفرض وقف للحرب على غزة فيما لو أنجز ذلك.
- من المتعارف ان حكومات اسرائيل وحصريا حكومة نتنياهو الحالية لا تكترث لأية انتقادات اوروبية او تتظاهر بذلك، بينما تخشى كل انتقاد امريكي. حاليا حين يصل القلق ذروته لدى نتنياهو ووزرائه نتيجة لتحركات ادارة ترامب المغايرة لنوايا نتنياهو، فإن الموقف الاوروبي يضاعف قوته كونه يتعزز بالموقف الامريكي وقد يصبح أكثر فاعلية.
للخلاصة:
**. هناك ملامح لان تشكل مخرجات جولة الرئيس الامريكي نقطة تحول في الحرب على غزة، رغما انه لا شيء مضمون حاليا.
** قد تشكل الزيارة تحولا في السياسة الدولية تجاه فلسطين مدعومة بالموقف العربي.
** تؤكد التحولات الاوروبية وحصريا المركزية على اهمية مؤتمر نيويورك العربي الاوروبي الدولي للتقدم في اقامة دولة فلسطين، واحتمالية القناعة الدولية بضرورة فرض هذا الحل.
** تشكل تصريحات المسؤولين الالمان تحدياً للعقيدة التي يروج لها نتنياهو بتوسيع مفهوم اللا-سامية وإحالته على الموقف النقدي للممارسات الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين.