زيارة ترامب للرياض؛ قلق نتنياهو وفرصة للعرب اذا استغلت

يبدو أنه لا شيء يبعث على القلق لدى الحكومة الاسرائيلية أكثر من زيارة ترامب الى السعودية والامارات وقطر. احد المؤشرات لذلك هو حالة الهلع التي تحيط بنتنياهو وحكومته والتصعيد الخطابي المنفلت مقابل التخبط الشديد استراتيجيا. يخشى نتنياهو ان تتجاوزه الاحداث اقليميا ودوليا، والتباعد بينه وبين اولويات ادارة ترامب.
نقلا عن مسؤوليين اسرائيليين وامريكيين لوكالة اكسيوس فإن ترامب لن يزور اسرائيل خلال جولته في العربية السعودية ودول الخليج، وذلك باعتبار انه ليس له ما يجنيه من مردود بزيارته لتل ابيب، وقد تعززهذا التقدير نتيجة عدم التقدم نحو صفقة في غزة. بينما يكتفي ترامب بزيارة وزير الدفاع الامريكي لاسرائيل يوم 12 الجاري قبل ان ينضم الى ترامب في الرياض.
وفقا لصحيفة معريف 4/5/2025 فإن المملكة العربية السعودية ليست معنية بأن يشمل جدول اعمال زيارة ترامب للرياض مسألة التطبيع مع اسرائيل ولا بأية مفاجئات قد ترد في تصريحات ترامب في هذا الصدد. وينسب هذا الموقف الحازم الى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان خلال لقائه وزير الخارجية الامريكي ماركو روبيو الشهر الماضي. في هذا السياق تدرج صحيفة معريف العبرية أن نتنياهو يخضع لضغط من قبل ترامب بصدد المساعدات الانسانية لغزة، مستندة الى تصريح الاخير "نحن ملزمين بأن نكون لطيفين مع غزة... هؤلاء الناس يعانون". وإذ يأتي تصريح ترامب بعد ان منح نتنياهو الضوء الاخضر في عدم التقدم نحو المرحلة الثانية من الصفقة، ولتجديد الحرب على غزة بداية اذار/مارس، فيما تقول تقديرات اسرائيلية بأن النقاش الدائر حاليا في الكابنيت بصدد المساعدات الانسانية هو نتيجة توجه نتنياهو التماشي مع تصريح ترامب كلاميا، والالتفاف عليه فعليا.
فيما تشير صحيفة يسرائيل هيوم الى ان نتنياهو في اجتماعات فريقه المغلقة يهاجم ترامب ويتهمه بأنه لا غبار على كلامه فيما يتعلق بالملفين الايراني والسوري بينما افعاله بعيدة كل البعد. بل ان نتنياهو قد اعرب مؤخراعن احباطه من تحركات الرئيس الامريكي بشأن الشرق الاوسط. كما أعرب نتنياهو عن قلقه بشكل خاص إزاء الدعم الذي قدمه ترامب للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتشديد قبضته على سوريا. فيما تنتقد الصحيفة رئيس الحكومة الاسرائيلي متهمة اياه بنكران الجميل اذ ان ترامب أعطى لإسرائيل في المقابل "الضوء الأخضر، بل وأكثر من ذلك، لاتخاذ أي إجراء تراه مناسباً فيما يتصل بسوريا."
ما يقلق نتنياهو ايضا هو تنحية مستشار الامن القومي الامريكي واعتماده سفيرا في الامم المتحدة. وفقا للصحيفة فان نتنياهو معني بفالتس وبوزير الخارجية روبيو، اذ يعتبرهما متشديين بصدد الملف النووي الايراني ويتماشيان مع موقفه، وكذلك مع السياسة الاسرائيلية في الشأن الفلسطيني سواء في غزة ام الضفة، كما هو الحال بتوافقان مع موقف حكومة نتنياهو في الشأن السوري والتشدد مع تركيا، وفي الشأن الايراني والملفين النووي والصاروخي. كما تساور نتنياهو الخشية من تعيين ستيف ويتكوف لمنصب مستشار الامن القومي الامريكي وتعاظم نفوذه الذي يرى به نتنياهو مقلقا لسياساته واولوياته.
في الملف النووي الايراني فقد صرح نتنياهو بأن "اتفاق نووي سيء هو اسوأ من الوضع الحالي"، وذلك في مسعى لثني ترامب عن اي اتفاق يتيح لايران الابقاء على اية قدرات نووية سلمية او قدرا صاروخية، اذ تشير التوقعات الاسرائيلية الى انه وفي حال نجحت المفاوضات الامريكية الايرانية فإن الاتفاق الذي سيبرم لن يتجاوز جوهريا اتفاق 2015 بين ادارة اوباما وايران. كما تشير التقديرات الاسرائيلية الى ان ترامب لن يذعن لنتنياهو بل سيتجاوزه اذا ما اقتضت المصلحة الامريكية وفقا لرؤية ترامب، وهي مصلحة مرتبطة ايضا بجولة ترامب الخليجية اذ ان معظم دول الخليج كما معظم دول المنطقة لا تريد حربا امريكية ايرانية او اسرائيلية ايرانية.
يرى موقع واينت بأن جولة ترامب الخليجية مكتوب لها النجاح. كما انها تدلل على نزعة امريكية لتجاوز الموقف الحكومي الاسرائيلي وعدد من الاسس الثابية منذ عقود، بما في ذلك صفقة الاسلحة والتعاون الامني بين الولايات المتحدة والسعودية، ولاول مرة تشكل تحديا حقيقيا لمبدأ الادارات الامريكية بالابقاء على التفوق النوعي الاسرائيلي. كما ان التوافق السعودي الامريكي في تطوير قدرات سعودية في مجال الطاقة النووية وتخصيب اليورانيوم ذاتيا ولاغراض سلمية هو مبعث قلق لاسرائيل التي لا تريد لاية دولة اقليميا ان تملك هذه القدرات باعتباره ايضا سيدفع مستقبلا لسباق تسلح نووي اقليمي. يبدو ان هذا التحول في الموقف الامريكي فيه اعتراف بالامر الواقع بأن دول المنطقة تحصل على اسلحة من مصادر اخرى كانت ترفض الولايات المتحدة تزويدها، او ما يسمى تعدد مصادر السلاح والترسانات العسكرية، وتعتبر مصر من اولى الدول العربية التي اعتمدت هذا المبدأ. كما ان هذا الموقف الامريكي فيه مؤشر الى تراجع الاثر الاسرائيلي في المنطقة ودوليا، نتيجة الحرب على غزة.
هناك احتمالية بأن يكون نتنياهو معنيا بعدم تداول لقاء السعودية لمسألة التطبيع. وهو بذلك يتخلص من ضغوطات كبيرة كانت محتملة، وهو يدرك ان استحقاقت التطبيع اي قيام دولة فلسطينية او اتخاذ خطوات غير قابلة للتراجع عنها، سيسقط حكومته وينهي حكمه.
بعد ان اقر الكابنيت الاسرائيلي يوم 4 ايار/مايو عن تجنيد قوات الاحتياط لتكثيف الحرب على غزة لغاية محو المدن الفلسطينية بالكامل، فقد اعلن في 5 ايار عن ارجاء العملية العسكرية الكبرى الى ما بعد جولة ترامب الخليجية وزيارة وزير دفاعه لتل ابيب. فيما تعتبر هذه الجولة مفصلية بصدد السياسة الامريكية وهل ستتيح لنتنياهو وحكومته القيام بعملية "عربات جدعون" التي يعد لها الجيش، وهي تسمية تعود الى الرواية التوراتية والانتصار اليهودي على مدين، وتعتمد على تطويق المنطقة من طرفين والتقدم بجيش الى الجهة الموازية واستهداف عمق العدو وإفنائه. في المقابل فإن اطلاق نتنياهو العنان لوزرائه للتصريحات الاكثر دموية وإبادية لغزة، قد تكون مؤشرا لمدى حالة القلق من ان تتجاوزه الاتجاهات الاقليمية والدولية.
للخلاصة:
فإن زيارة ترامب للسعودية والامارات وقطر واجتماعه المرتقب مع قادة دول الخليج هو الحدث الاقليمي السياسي الاكبر حاليا والذي تخشاه حكومة نتنياهو. اذ انه وازاء مساعي التأثير الاسرائيلية على اولويات ترامب، فإن مخرجات الجولة منوطة بالموقف العربي والخليجي وبمدى الارادة لفرض امر واقع اخر على ترامب بما فيه انجاز الصفقة وانهاء الحرب على غزة، التقدم في الجهود العربية الدولية لاقامة دولة فلسطينية، وحل سلمي للملفين الايراني والسوري.
التوترات بين ادارة ترامب وحكومة نتنياهو هي حقيقية، الا انه لا مكان للرهان عليها فلسطينيا وعربيا الا بقدر الضغط على ادارة ترامب لإلزام الحكومة الاسرائيلية بانهاء الحرب دونما اية مراوغة. فيما أن التصعيد الخطابي الاسرائيلي الحاد جدا، قد يكون نتيجة القلق الكبير من زيارة ترامب الخليجية ومظاهر تباعد بين الادارتين في مسعى للتأثير على الموقف الامريكي. بينما وفي حال لم يصدر موقف امريكي حازم تجاه اسرائيل لوقف الحرب فإنه سيكون من شبه المؤكد حصول تصعيد قد يقوض الوجود السكاني للفلسطينيين في غزة.