احتجاجات داخلية متسارعة في "إسرائيل" لوقف الحرب..ما الذي ستسفر عنه هذه التحركات؟
احتجاج

توالت العرائض الرسمية الداعية لوقف الحرب على قطاع غزة وإعادة المحتجزين الإسرائيليين بالانتشار بشكل متسارع حيث بدأت بعدما وقع حوالي ألف طيار حربي في الاحتياط ومتقاعدين، بينهم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، دان حالوتس على عريضة تطالب بإعادة المحتجزين ووقف الحرب، وتلتها عريضة نشرها ضباط وجنود احتياط ومتقاعدون في سلاحي البحرية والمدرعات، ثم نُشرت عريضة وقع عليها مئات الضباط والجنود في الاحتياط في شعبة الاستخبارات العسكرية.
وتضمنت هذه العرائض رسائل متشابهة ضد نتنياهو وحكومته في أعقاب استئناف الحرب على غزة، وجاء فيها أن "الحرب في هذه الفترة تخدم بالأساس مصالح سياسية وشخصية وليس مصالح أمنية. واستمرار الحرب لا يسهم في تحقيقأي واحد من أهداف الحرب المعلنة وسيؤدي إلى موت مخطوفين من الجنود والمدنيين الإسرائيليين".
وأضافت أنه "ننظر بقلق إلى تآكل عناصر الاحتياط وإلى النسبة المتزايدة لعدم الامتثال في الخدمة، ونحن قلقون من تأثيرات مستقبلية بهذا الاتجاه".
وشددت على أنه "من خلال اتفاق فقط بالإمكان إعادة مخطوفين بسلام، بينما ضغط عسكري يؤدي بالأساس إلى مقتل مخطوفين وتشكيل خطر على جنودنا. وأي يوم يمر يشكل خطرا على حياتهم، وأي لحظة تردد أخرى هي عار".
فعل احتجاجي متراكم
ويقول المحلل السياسي والكاتب أمير مخول للجرمق، "هذه الاحتجاجات هي نتيجة احتجاج متراكم وحالة من التذمر واسعة في المجتمع الإسرائيلي في أوساط كبيرة وأيضا داخل الجيش وحصريا بين جنود الاحتياط الذين يُستدعون بشكل غير مألوف للخدمة وهؤلاء جميعا شاركوا في الحرب".
ويتابع، "التعريف الأساسي الذي يمكن إعطاؤه من هذا التحرك هو نوع من التحرك السياسي داخل الجيش وهو ليس رفض للخدمة العسكرية وإنما هو تمرد سياسي بمفهوم اتهام الحكومة أنها ترسل الجنود والضباط والجيش للحرب لمصالح شخصية وسياسية كما قالوا في رسالتهم، وأن الحرب يجب أن تنتهي، وأن الصفقة يجب أن تتم بعودة جميع الأسرى والمحتجزين بأي ثمن حتى لو إنهاء الحرب".
ويضيف، "هذه تعتبر النقيض لما يطرحه نتنياهو وكاتس، أن الحرب يجب أن تستمر بدون تحديد إطار زمني أو مراحل واضحة، والشيء الأساسي أن المحتجين يؤكدون أن الحكومة لديها أهداف غير معلنة للحرب، لأن الأهداف المعلنة لا يُمكن تحقيقها خلال الحرب، إلا من خلال صفقة وإعادة المحتجزين".
ويردف، "المضمون السياسي لرسائل المحتجين يشكل لائحة اتهام لحكومة نتنياهو، ولكن في المقابل، الاحتجاج يكسب أهمية مضاعفة بالقوة بسبب أمرين، أولا بسبب حراك عائلات المحتجزين الإسرائيليين القوي الذي يستحوذ على مشاركة واهتمام من أوساط واسعة في المجتمع الإسرائيلية".
ويقول، "ثانيا، أن الحراك للجنود يلتقي مع الموقف الأمريكي بشكل ملاحظ جدا وهو الداعي لإنهاء الحرب قريبا، كما قال ترامب إن الحرب يجب أن تنتهي قريبا، كما أن القمة الثلاثية التي كانت في القاهرة كانت حاضرة في البيت الأبيض من خلال محادثة بين ترامب والملك الأردني والرئيس المصري والفرنسي وذلك قبل وصول نتنياهو لواشنطن، التحرك العربي مؤثر حتى الآن كما لم يكن يوما منذ عام 1973".
ويوضح أنه، "الجانب الآخر هو أن حراك عائلات المحتجزين الإسرائيليين يخاطب الإدارة الأمريكية من فوق رأس نتنياهو والإدارة الأمريكية تخاطبهم، ترامب تحدث أمام نتنياهو أن المجتمع الإسرائيلي معني بصفقة وأنه بتواصل مع هذه العائلات وهذا ما لا يقوم به نتنياهو".
ويقول، "الحراك في الجيش ليس حاسما بحد ذاته لكن هو عامل يجتمع مع عوامل حاسمة أخرى كالموقف الأمريكي بالذات الذي يعبر عنه ويتكوف والذي يدعو للصفقة وحراك عائلات المحتجزين، وبالطبع لا حراك الجنود ولا حراك العائلات ولا الموقف الأمريكي تحتوي على نزعة سلام، وإنما هي تضارب الأولويات الأمريكي مع أولويات حكومة نتنياهو بعدما أزاح من طريقه كل من كان يُعوق طريقه، كغالانت وقيادة الأركان، والآن يريد أن يستفرد بالقرار، وهنا يبدأ الابتعاد بين الإدارة الأمريكية وحكومة نتنياهو وهذا ليس موقفا من إسرائيل وإنما من نتنياهو".
ومن جهته، يقول البروفيسور في العلوم السياسية إبراهيم أبو جابر، "الحراك الشعبي الاحتجاجي في إسرائيل بدأ منذ بداية الحرب ولكن هناك تسارع في الاحتجاجات التي وصلت للمستوى العسكري والأمني، هناك عرائض قُدمت من قبل الطيارين ووصل الأمر لسلاح المدرعات والبحرية ووحدة 8200، هذا يدل على أن وتيرة الاحتجاجات تتسارع وهؤلاء يطالبون بإعادة الأسرى والعدول عن بعض القرارات التي اتخذتها حكومة نتنياهو كإقالة رونين بار والمستشارة القضائية للحكومة".
ويتابع للجرمق، "هذه الاحتجاجات إن ارتفعت وتيرتها بشكل أكبر مما هو عليه اليوم، وإن وصلت لشل الحياة العامة وترافقت مع خروج الملايين للشوارع قد يؤدي هذا للتأثير على نهج نتنياهو، وربما يؤدي لحل الكنيست والإعلان عن الانتخابات الجديدة".
ويقول، "حتى الآن لم تشارك النقابات العمالية بالاحتجاج ولكن حتى الآن لم يخرج الجمهور الإسرائيلي للشارع، وإذا أعلنت الهستدروت الإضراب فهذا يعني تعطيل المطارات والمؤسسات وهذا سيؤدي لشل الحياة كليا، ونتنياهو لن يرضى بهذا الأمر يدل على أنه رئيس حكومة فاشل".
ما الذي ستسفر عنه هذه العرائض الاحتجاجية على المستوى الداخلي الإسرائيلي؟
وفي سياق آخر، يقول المحلل السياسي أمير مخول، "حاولت قيادة الجيش قبل ظهور هذه العرائض للإعلام، إسكاتها من خلال قائد الأركان وقائد سلاح الجو وذلك من خلال إقناع الجنود بعدم التوقيع، ولكن بتوقيع العدد الكبير جدا من جنود الاحتياط والضباط هو دليل أن هذه العريضة تتسع وهذا المطلب ليس فقط الجنود في سلاح الجنود وإنما اتسع ليشمل معظم الوحدات في الجيش بما فيهم الضباط من وحدة قيادة الأركان العام وبالمقابل كلما حاولت الحكومة من خلال وزير الأمن أو قائد الأركان اتخاذ إجراءات ضد الموقعين تتسع هذه الظاهرة، وهناك نوع من قوة دفع كبيرة داخلها ويبدو أنها مدعومة من عناصر في الولايات المتحدة يهودية إسرائيلية أمريكية ذات أثر على إدارة ترامب".
ويتابع للجرمق، "نرى صحيفة مثل يسرائيل هيوم اليمينية لديها تفهم كبير لهذه التواقيع والعرائض، حراك الجنود ليس الحدث الوحيد وإنما تصب في رافد جديد للموقف الأمريكي وعائلات المحتجزين وإضافة لما تقوم به المجموعة العربية من مبادرات كالمبادرات القطرية والمصرية، ومسعاها لمنع التنازل عن الصفقة ومسعى منع التهجير، وكل ذلك مواقف مهمة تدفع الإدارة الأمريكية لتغيير مواقفها، لأن كل من يريد أن يغير الموقف الإسرائيلي عليه أن يدفع الإدارة الأمريكية إلى أن تقوم بذلك لأن القرار الإسرائيلي يتم في واشنطن وليس في تل أبيب".
ماذا لو اجتمع عصيان مدني مع عرائض الجنود في الجيش؟
ويستبعد الكاتب أمير مخول، "أن يكون هناك عصيان مدني في إسرائيل، خاصة أن المعارضة المركزية سواء غانتس ولبيد في سبات وليس لها تأثير على الحراكات ونرى تراجع مقاعدهم في الاستطلاعات".
ويقول للجرمق، "هناك إمكانيات تأثير دون عصيان مدني، فمثلا عام 1982 دعت حركة السلام الآن في إسرائيل شارك بها 400 ألف إسرائيلي أدت لوقف الحرب وذلك نتيجة الضربات التي تلقتها إسرائيل في حينه وفشل الحرب في تحقيق أهدافها".
ويردف، "الآن المجتمع الإسرائيلي منقسم تماما، نتنياهو يخاطب اليمين، وهؤلاء في مكان آخر وليسوا في نفس الموقف مع من يعارض الحكومة، ولا يوجد إصغاء بين الطرفين وقد تصل لصدامات في الشارع، ومظاهرات عنيفة ولكن عصيان مدني ونوع من تفكيك المؤسسات، هذه حرب أهلية غير واردة، تلتصق بالإذن الإعلامية سريعا ولكنها غير واردة الآن".
ومن جهته، يقول البروفيسور في العلوم السياسية إبراهيم أبو جابر، "من الممكن أن يُحدث العصيان المدني فرقا ويوقف الحرب على غزة مؤقتا لأن هناك حديث الآن في القاهرة حول خطة جديدة مصرية لوقف إطلاق النار لمدة 70 يوم وإطلاق سراح عدد من الأسرى الإسرائيليين الأحياء والأموات، ولكن وقف الحرب بشكل كلي هذا بعيد جدا إلا إذا شُلت الحياة العامة بشكل كامل لأن نتنياهو لديه أغلبية برلمانية ولديه 68 عضو كنيست وأكثر، وبالتالي لديه أريحية باتخاذ القرارات وحل الكنيست مستبعد، لأن أي مشروع قانون لحل الكنيست لن ينجح".
ويتابع للجرمق، "حل الكنيست قد ينجح في حال استقال أحد مركبات الحكومة الأساسيين كحزب بن غفير أو سموتريتش، فسموتريتش لديه 7 أعضاء كنيست وفي حال قرر الاستقالة إذا لمح نتنياهو لوقف الحرب يمكن أن تسقط الحكومة ويتم الإعلان عن انتخابات مبكرة ولكن أستبعد ذلك".
ويقول، "ومن الممكن أن تسقط الحكومة في حال أعلنت المستشارة القضائية أن نتنياهو غير مؤهل لإدارة الحكومة عندها يمكن لهذا أن يؤدي لاستقالة نتنياهو لأن هذه من صلاحيات المستشارة القضائية ولا أستبعد أن تستخدم هذا السلاح لأنها مهددة من قبل الحكومة بالفصل وقد تستخدم هذه الورقة لعزل نتنياهو عن الحياة السياسية بحجة تضارب المصالح لأن عليه ملفات محاكمة".