مشاريع إعادة اعمار غزة في امتحان الواقع


  • الاثنين 27 يناير ,2025
مشاريع إعادة اعمار غزة في امتحان الواقع
قطاع غزة

تقديم: في خطاب تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة أفرد ترامب حيزا للحديث عن الحرب على غزة وجاء على لسانه؛ بأن المشهد هو “موقع دمار ضخم”، بينما اعتبر ان قطاع غزة منطقة استثنائية مثيرة للاهتمام اذ تقع على البحر مما يتطلب اعادة إعمار قطاع غزة بطريق مختلفة؛ عارض ترامب بقاء حركة حماس في الحكم ؛ بل أن حماس أصبحت ضعيفة ولا تستطيع حكم القطاع؛ وأضاف بأنه، على أية حال، فهذه الحرب “ليست حربنا”.
في المقابل وبخلاف مواقف ترامب العلنية صرح نائب الرئيس مايك ايفانز بأن ترامب سيعاقب اية دولة تساند حماس او تدعمها واشار الى ان ترامب يؤيد الضم في الضفة الغربية.
وفي خطوة سريعة، فإن مساعد ترامب لشؤون الشرق الاوسط سيزور المنطقة وكذلك قطاع غزة ومحور نيتسريم للوقوف عن كثب على مواصلة تطبيق مراحل الصفقة…
•​واذ تقوم الاعتبارات الاسرائيلية على ان تشغيل نحو 20 ألف عامل فلسطيني منذ العام 2021 يشكل اسهاما في اعادة بناء القدرات الشرائية للناس، كما وتعتبر الدراسات، ان فقدان غالبية العائلات الفلسطينية دخلها بالكامل او جزئيا منذ اكتوبر 2023 وتعطيل الحركة الاقتصادية في القطاع من شأنها ان تضاعف من اعباء اعادة الاعمار. كما من شأن منع العمال من الضفة من العمل منذ 7 اكتوبر والذين يصل عددهم نحو 200 ألفا، بالإضافة الى تعويق عمل السلطة الفلسطينية ومعاقبتها ماليا، تنعكس على الوضع في غزة اذ ان السلطة الفلسطينية تدفع 40 في المائة من ميزانيتها الرسمية لغزة، بما في ذلك رواتب ومعاشات موظفي الخدمات المدنية وخدمات المياه والكهرباء (التي تسيطر عليها إسرائيل). كما نسقت جهود البناء بعد العمليات السابقة في غزة.
•​يقترح معهد دراسات الامن القومي توسيع مساحة قطاع غزة من خلال تجفيف مساحات من البحر بواسطة الكميات الهائلة من الركام والردم. مقابل التلميح بالسيطرة الامنية الاسرائيلية اي ابقاء المنطقة العازلة على طول الحدود مع غزة وداخل القطاع، وبهذا فعليا تكون اسرائيل قد وسعت حدودها وليس حدود الفلسطينيين، وأبقت على المنطقة العازلة.
•​ يلتقي موقف معهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي مع رؤية ادارة ترامب القاضية بإعادة الاعمار بشكل جديد. وفقا لذلك يلتقي الموقفان الاسرائيلي والامريكي وحصريا مع ادارة ترامب في الغاء مسألة اللاجئين باعتبارها تؤدي الى “استدامة الصراع”، والى تحوّل الوعي الفلسطيني نحو تغيير مناهج التعليم وتحت شعار “محاربة التطرف” يندرج السعي للقضاء على ذهنية اللجوء ورواية اللجوء، وهي مسألة تحظى بإجماع قومي صهيوني تاريخي منذ 1948. كما يلتقي الاجماع الاسرائيلي مع ادارة ترامب في الموقف من الاونروا والتي يعتبرها الاخير منظمة غير ضرورية ومعوّقة لاي حل بكونها تديم قضية اللاجئين.
•​اعادة الاعمار بما أطلق عليه “الشكل الجديد” تعني بوضوح سياسي وبرؤية استراتيجية اعادة اعمار القطاع بشكل يكون من دون المخيمات البالغ عددها ثمانية وعدد سكانها نحو نصف مليون على امتداد القطاع من جباليا شمالا وحتى مخيم رفح جنوبا. كما يتضمن الشكل الجديد وفقا لإسرائيل، بناء الابراج السكنية وتعدد الطوابق وهو نمط بناء اسرائيلي قسري تم تطبيقه على فلسطينيي48 مواطني اسرائيل وذلك في مخطط طويل الامد من خلال التخطيط الحضري، كان له أثر جوهري على بنية الأسرة الفلسطينية وتراجع وتيرة الولادة والتكاثر الطبيعي بشكل كبير ليتماشى مع مخططات الهندسة الديمغرافية والتهويد.
•​ تقوم هذه الفرضيات على نظرية التمدّن او العصرنة وهي تندرج في الهندسة السكانية القائمة على خلق نمط اجتماعي قائم على إلغاء البنية الاجتماعية التقليدية والنسيج الاجتماعي القائم عليها، وعلى رفع مستوى المعيشة والتعليم وتقليص العائلة، والتفكيك التام لبنية “البيئة الحاضنة للمقاومة ولكراهية اسرائيل والتفكير بالقضاء عليها”. فيما تعتبر اسرائيل ان المخيمات هي البيئة الحاضنة الجوهرية في هذا الصدد، وهو ما حدث ولا يزال في قطاع غزة بالقضاء التام على المخيمات، وهو ما تشهده مخيمات الضفة الغربية وحصريا شمال الضفة المستهدفة منذ عدة سنوات وبتصعيد متواصل يهدف الى اجتثاثها وجعلها غير قابلة لحياة الفلسطينيين.
•​يقوم الموقف الاسرائيلي على اعتبار إلغاء المخيمات من الوجود “في قطاع غزة ومناطق اخرى” وبناء مدن حديثة مكانها”، بمثابة “الفرصة التاريخية المتاحة راهنا “لغرض “الإشفاء الضروري للمجتمع الفلسطيني في غزة وتقويض ذهنية المقاومة والكفاح المسلح واللجوء وحق العودة”، وباعتبار ان وجود الاونروا ومنظمات الامم المتحدة معوّقا لهذه المهمة وينبغي استبعادها من اي مشروع لإعادة الاعمار في حال حصوله. كما يتطلب الامر وفقا للمقترح تدمير مطلق لقدرات حماس العسكرية والحاكمية وهذا الدور منوط بإسرائيل حصريا، وباستبعاد الدول “التي تساند حماس والمعنية بسلطته” وحصريا قطر وتركيا. وهو ما لا يتماشى مع الموقف الامريكي الراهن ولا يتماشى بالضرورة مع موقف نتنياهو المعني باستدامة الانقسام الفلسطيني والذي يراهن ان يؤدي الوضع الفلسطيني الداخلي الى اقتتال فلسطيني في غزة والضفة.
•​وفقا لتقديرات معهد دراسات الامن القومي فإن اعادة الاعمار لا يمكن ان تتم بدفعة واحدة في كل القطاع، بل تقسيمه الى مربعات جغرافية وسكنية ومع الانتهاء من اعمار كل مربع يتم الانتقال الى المربع الذي يليه. ويقترح ان يتم البدء بالمخطط في شمال القطاع وفي جنوبه حيث المنطقتين خاليتين من السكان نتيجة الدمار الشامل والتطهير العرقي.
•​تكاد الوثيقة الاسرائيلية تكون خالية من اي تعويل على السلطة الفلسطينية بعد تمكينها وعلى قيادات محلية باعتبار ذلك مستبعدا فعليا الا في سياق عربي دولي وبرقابة اسرائيلية.

خلاصة واستنتاجات:

* ليس بالضرورة ان يكون لحكومة نتنياهو القول الفصل في قطاع غزة ما بعد الصفة ونهاية الحرب عليها.
* معظم مشاريع النقل السكاني للفلسطينيين خارج غزة والتي كان مصيرها الاخفاق منذ بداية الحرب وكان للموقف الفلسطيني والعربي وغالبية الموقف الدولي دور حاسم في منعها مما يتطلب ضمان استمراريته.
* إعادة الاعمار هي أبعد من حصرها في عمل خيري او في صيغة واحدة، بل من ورائها مشاريع سياسية دولية بعيدة المدى، مما يتطلب تصورا فلسطينيا متوافقا عليه في جعل الاعمار دعامة للنهوض بالإنسان الفلسطيني ولقيام الدولة الفلسطينية وفقا للقانون الدولي وعلى ان لا يتنافى مع حقوق الشعب الفلسطيني وحصريا حق العودة بما فيه تصور لمستقبل المخيمات ولوكالة الاونروا، ولا يتماشى مع مخططات تفكيك المجتمع الفلسطيني. على ان تعرض كموقف فلسطيني ايضا على ادارة ترامب.
* بعد تصريحات ترامب عن موقع غزة الاستثنائي، يتطلب الامر حرصا على الموارد الفلسطينية برا وبحرا بما فيه مخزون الغاز الطبيعي. كما يتطلب موقفا فلسطينيا عربيا موحدا في وجه المخططات الاسرائيلية الداعية الى الابقاء على المنطقة العازلة مقابل تجفيف مناطق في البحر باستخدام الركام الهائل.
* يجدر المطالبة بفتوى قانونية من محكمة العدل الدولية بصدد مسؤولية اسرائيل والولايات المتحدة عن الدمار الشامل والمطالبة بالتعويض.
* ليست دقيقة، الفرضية القائلة بأن اسرائيل لا تملك تصورا لما يسمى “اليوم التالي للحرب”، بل يتضح ان المخطط المعنية بتنفيذه حكومة نتنياهو، هو جوهريا ما يمنع كيانية فلسطينية واي دور للسلطة الفلسطينية في غزة ويمنع دولة فلسطينية، كما ان “اليوم التالي” يشمل “انهاء وجود المخيمات وحق العودة ورواية اللجوء وروح المقاومة”.
* المخطط ضد المخيمات في الضفة الغربية يتكامل مع تصور حكومة نتنياهو والاجماع القومي الاسرائيلي لمستقبل غزة وقضية فلسطين بالمجمل.

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر