معادلة ردع جديدة فُرضت على "إسرائيل" منذ 7 من أكتوبر.. إلى أي مدى تغيّر الردع؟ وهل يمكن استعادته؟

يُشير محللون سيا


  • الاثنين 24 يونيو ,2024
معادلة ردع جديدة فُرضت على "إسرائيل" منذ 7 من أكتوبر.. إلى أي مدى تغيّر الردع؟ وهل يمكن استعادته؟
توضيحية

يُشير محللون سياسيون إلى أن معادلة ردع جديدة فُرضت على "إسرائيل" من قبل حركة حماس وحزب الله منذ 7 من أكتوبر، حيث تتوالى التصريحات من قبل قادة عسكريين إسرائيليين سابقين بأن الردع في "إسرائيل" الآن بأضعف حالاته، كما يتحدث محللون وخبراء سياسيون إسرائيليون عن سقوط الردع وتآكله منذ بدء الحرب.

معادلة ردع جديدة

ويقول المحلل والباحث أنطوان شلحت للجرمق، "لا شك أن معادلة ردع جديدة فُرضت على إسرائيل، وأعتقد أن كل أركان الردع في العقيدة الأمنية الإسرائيلية انهارت بسبب معركة طوفان الأقصى، حيث كانت إسرائيل تعتقد أن حركة حماس مردوعة وهذا ما روجت له طوال الوقت، ولكن تبين فيما بعد أنها غير مردوعة وتبين أنها حركة مقاومة وتمتلك قدرات عسكرية يمكنها أن تُلحق الضرر بالجيش الإسرائيلي وبالأراضي الإسرائيلية وكذلك الأمر بالنسبة للجبهة الشمالية، فهناك معادلة ردع جديدة أهم مظاهرها أن إسرائيل اضطرت لإخلاء نحو 60 ألف إسرائيلي من مستوطنات المنطقة الحدودية منذ 8 من أكتوبر".

ويوضح شلحت أن الإجابة عن تساؤل "إمكانية استعادة إسرائيل" للردع صعبة في الوقت الحالي وشائكة، لأن الحرب ما زالت مستمرة والمعارك متواصلة ولذلك يصعب القول إن إسرائيل ستستعيد الردع أم لا، مضيفًا، "الإجابة مرهونة بسير المعارك وباعتراف الإسرائيليين أنفسهم فإن الحرب في غزة لم تحقق أهدافها وهذا الشي إن دل فيدل على قوة المقاومة التي تحارب الجيش الإسرائيلي وهذا يعزز الشعور لديها أن الردع الاسرائيلي لا يؤتي ثماره وبالتالي هذا سؤال سيظل يرافقنا فترة طويلة دون أن يكون لدينا إجابة واضحة عليه، كما أن سؤال كيف ستفكر إسرائيل باستعادة الردع هذا سيظل مطروحا ولكن بالتأكيد سيطرح بعد انتهاء الحرب سواء في قطاع غزة أو عند ما يسمى جبهات الإسناد".

الجبهة الشمالية الأخطر على "إسرائيل"

ويتابع الباحث والمحلل أنطوات شلحت للجرمق، "من الواضح أن ما يحدث على الجبهة الشمالية أخطر أضعاف مضاعفة عمّا يحدث في غزة، وهذا باعتراف الإسرائيليين لأن ترسانة الأسلحة لدى حزب الله أكبر من تلك الموجودة لدى حركة حماس سواء من ناحية كيفية أو كمية والكثير من الخبراء الإسرائيليين لو أن عملية طوفان الأقصى التي وقعت في الجهة الجنوبية لإسرائيل حصلت في الشمال لكان الوضع كارثي أكثر بكثير وكذلك يقولون إنه في حالة اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله يمكن أن تقوم إسرائيل بشن حرب تدميرية ضد لبنان سواء في منطقة الجنوب أو منطقة بيروت وهذا احتمال وارد".

ويضيف شلحت للجرمق، "في حالة الحرب الشاملة الكثير من المواقع والمدن الإسرائيلية ستتضرر ليس أقل من الضرر الذي سيلحق بجنوب لبنان، وبالتالي أعتقد أن الجبهة الشمالية هي الجبهة الأخطر التي أثبتت في الحرب الحالية أنها تشكل التهديد الأكبر لإسرائيل، كما أن هذه الجبهة فرضت معادلة ردع جديدة على إسرائيل وأصابت في الصميم ركن أساسي من أركان العقيدة الأمنية الإسرائيلية التي كانت تتحدث عن ضرورة حسم الحرب عن طريق نقلها إلى جنوب لبنان حيث انتقلت الحرب ليس للجنوب فقط وإنما إلى المنطقة الحدودية الشمالية مع جنوب لبنان من ناحية إسرائيل، التي اضطرت لأول مرة إخلاء عشرات آلاف السكان من المستوطنات خوفًا من أن تلحق بهم أضرار جراء قصف حزب الله".

ويقول للجرمق، "بالمجمل، على المستوى العسكري هناك شبه إجماع بين الخبراء العسكريين العرب والإسرائيليين على أن ما كان يمكن الحديث عنه قبل 7 أكتوبر شيء وما ينبغي الحديث عنه بعد 7 أكتوبر شيء آخر تماما بما يتعلق بالشؤون العسكرية والأمنية".

ويضيف شلحت للجرمق، "الردع سقط بعد 7 من أكتوبر كما أن الردع لم يفلح بمنع حزب الله أن يبدًا بشن حرب، والمميز أن هذه المرة الأولى التي يبادر فيها حزب الله لشن حرب على إسرائيل، حيث قرر حزب الله في 8 من أكتوبر أن يفتح جبهة مساندة ومن ذلك الحين يقصف الحزب مواقع عسكرية ومستوطنات شمال إسرائيل، والجيش الإسرائيلي يرد بالقصف الجوي والمدفعي، وفي بعض الأحيان هناك تصعيد بالهجمات ومحاولات من قبل حزب الله لتصوير بعض المواقع العسكري الإسرائيلية لإيصالها للجمهور الإسرائيلي بأن الحزب يمتلك ترسانة أسلحة، ولذلك نحن الآن في لحظة تطور دراماتيكية سيكون لها ما بعدها بكل المقاييس".

الردع ليس فقط عسكري

ومن جهته، يقول المحلل والكاتب أمير مخول للجرمق، "دون شك إسرائيل تحاول الآن استعادة الردع ولكن ليس بالضرورة أنها ستحقق ذلك، وليس هذا بسبب الذخيرة أو الأسلحة أو الدعم الأمريكي أو الأسلحة أو الترسانة العسكرية، فالردع غير مبني فقط على حجم الترسانة العسكرية ولكن مبني أيضًا على الواقع الاستراتيجي، والواقع الاستراتيجي الإسرائيلي تغيّر بعد 7 أكتوبر بشكل هائل وتآكل أيضًا، فإسرائيل اليوم لم تعد قادرة على فرض معادلة ردع على الحدود اللبنانية، وإنما تحول الردع إلى معادلة رعب".

ويقول للجرمق، "الحرب الآن على الحدود الشمالية تدار بضبط الأمور وعدم الإنجرار لحرب واسعة وقد يتغير الوضع في أية لحظة ولكن بالمجمل إسرائيل لديها مشكلة أساسية بمفهومها حول الردع فإسرائيل لديها استراتيجية الحل العسكري دائمًا في كل القضايا مع أن الردع عالميًا وبمفهومه الحالي لا يعتمد فقط على القوة العسكرية وإنما مبني على علاقات دولية وعلاقات تضمن أن هناك جبهات إيجابية وجبهات مساندة وهذا لا ينطبق على إسرائيل فهي دولة تريد العدوان، كل حكوماتها منذ التأسيس حتى اليوم قائمة على العدوان وتوسع الاحتلال أما الوضع الحالي فهو قائم على الحرب الدائمة، كما أن النخب المتسيدة اليوم في إسرائيل هم سموتريتش وبن غفير والصهيونية الدينية والليكود بتركبيته الجديدة القائمة على أن الحرب يجب أن تكون مفتوحة ولا تنتهي إلا بإخضاع العدو، في حين بات ذلك غير ممكن عسكريا وحتى سياسيا".

ويقول للجرمق، "مشكلة إسرائيل أنها أقامت عقيدة خلال سنوات طويلة قائمة على المعركة بين الحربين التي تستخدمها منذ 10 إلى 15 عامًا، وظهرت في جولات العدوان على غزة وأحيانا في الهجمات على سوريا ومواقع اخرى إقليمية، وفي تصور إسرائيل أن هذه المعارك ستردع العدو وستمنع التحول لحرب مفتوحة". 

ويتابع للجرمق، "إسرائيل اكتشفت بعد 7 أكتوبر أن هذه العقيدة انهارت، فاليوم لا يوجد معركة بين الحرب وإنما حرب مفتوحة ولذلك الواقع تغيّر تمامًا، والصدام الآن يحصل بين المنظومة العسكرية والمنظومة السياسية ليس خلاف بالمفهوم السياسي وإنما خلاف استراتيجي، بأنه هل يمكن لإسرائيل أن تدير حربًا على عدة جبهات، فمن ناحية عسكرية هناك قدرة ولكن من ناحية استراتيجية إسرائيل ليس لديها قدرة، فعسكريا إسرائيل تسيطر على غزة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب وتحتلها وتقيم منطقة عازلة وقواعد مختلفة ولكن هل هذا انتصار استراتيجي؟ بالطبع لا، لأن إسرائيل لا تعلم ماذا ستفعل بهذا الإنجاز أو بهذا الانتصار كما يقول الجيش".

ويضيف للجرمق، "هناك خلاف على تعريف معنى الانتصار بين الجيش ونتنياهو وهذا الصراع مكشوف لذلك الأمور لم تعد محصورة بمفهوم الطرف الأقوى، الحرب بطبيعتها غير متكافئة حتى الحرب على الجبهة الشمالية من حيث القدرات العسكرية والترسانة وقوة الجيش ونظاميته، ولكن هذه لم تعد تحقق أهداف استراتيجية لاسرائيل وإنما خسرت سمعتها وموقعها وأثرها في المنطقة وأصبحت إلى جانب الولايات المتحدة في إشكالية كبيرة مع دول المنطقة ولذلك مفهوم الردع تراجع جدا وما أقامته إسرائيل وحاولت أن تستثمره بهندسة أمريكية من "اتفاقات أبراهام" والتطبيع وإقامة نوع من حلف ناتو عربي بمحور إسرائيلي كل ذلك تلاشى".

ويقول للجرمق، "الولايات المتحدة أيضًا أرادت أن تطبع السعودية علاقاتها مع إسرائيل، لتقيم معها علاقات أمنية مباشرة ولكن التطبيع لم يكن نافذا إسرائيليا لأن فيه اعتراف بدولة فلسطينية".

ويتابع، "الأثر لذلك ينعكس على الولايات المتحدة الأمريكية وإدارتها، والتحديات أمامها أكبر بكثير من أن تحصرها في أولويات السياسة الإسرائيلية وفي نهاية المطاف رغم التزامها بأمن إسرائيل إلا أن هذه المعركة فيها الولايات المتحدة ليست فيها طرفا ثانيا أو ثالثا وإنما طرفًا أولًا في تعزيز مكونات إسرائيل الاستراتيجية ولكنها تخفق في ذلك فقد أصبحت الخيارات إما أن تذهب إسرائيل لحرب مع لبنان، أو أن تتحول لحرب إقليمية أو تخسر الولايات المتحدة أوكرانيا، وهذه أولوية عظمى للولايات المتحدة عالميا أو أن تخسر التنافس مع الصين في العلاقة مع دول الخليج".

ويردف، "لذلك إسرائيل أصبحت بمفهوم معين معوقا للاستراتيجيات الأمريكية وهذا يضعفها أكثر في نهاية المطاف رغم عدم استغناء الولايات المتحدة عنها".

هل يمكن لإسرائيل استعادة الردع؟

ويقول أمير مخول للجرمق، "آخر حرب انتصرت فيها عام 1967 ومنذ ذلك الحين هي في تراجع بكل الحروب، كـ حرب 1973 وحرب لبنان الأولى والثانية والآن الحرب على غزة، فإاسرائيل ليست بوضع جيد في هذا المفهوم لأنه لا يحتاج طرف آخر تحديدًا بالحروب المتكافئة أو حرب العصابات التي تقوم على طرف لا يستطيع أن يهزم الجيش الإسرائيلي كقوة عسكرية ولكن بالحيلة يستطيع أن يمنع الجيش الاسرائيلي أن يستفيد من تفوقه العسكري وهذا ما يحدث".

ويقول للجرمق، "إسرائيل ليست الطرف الوحيد التي تتعلم من تجاربها فالآخرين يتعلمون أيضًا، لذلك الأمور لا تسير بالمنحى الأفضل لاسرائيل في هذا الصدد، وكم سيستغرق الوقت لاستعادة الردع لا أحد يعرف وهل يمكن استعادة الردع لا نعرف، وهل ستضطر إسرائيل للجوء إلى سياسة أخرى والانقلاب في سياستها والتخلي عن السياسة العدوانية والذهاب إلى حل القضية الفلسطينية قد يضمن لها وضع استراتيجي وأمنا وأمانا أكثر من أي عملية عسكرية تقوم بها، وقد يكون هناك صحوة وفي هذا الاتجاه وعندها لن يكون هناك حاجة للدخول في سباق الردع والتسلح".

ووفقًا لمخول فإن، "استعادة الردع ليست قضية زيادة سلاح وتدريب وقدرات عسكرية وإنما واقع جيوسياسي جديد، فهل تذهب إسرائيل إلى ذلك؟، هي غير معنية وغير قادرة أن تذهب لذلك وغير مؤهلة أن تذهب لذلك على الأقل حاليًا".

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر