خيبة الفعل السياسيّ: لننظر بدقّة أين الخطأ في منصور عبّاس!


  • الثلاثاء 28 ديسمبر ,2021
خيبة الفعل السياسيّ: لننظر بدقّة أين الخطأ في منصور عبّاس!
"في تجربة سياسيّة، صرلنا سبعين سنة نخوضها، منذُ بدأ الحزب الشيوعيّ في 1948، ومن ثمّ الجبهة، وأجت الأحزاب العربيّة كلّها، صح ولا لعّ؟ هاي تجربة سياسيّة... لا يكفي أن تقول أنا ضدّ، بدّك تقول شو بدّك إنتي، هذا هو منهج القائمة العربيّة الموحدة"، هذا ما قالهُ النائب منصور عبّاس، 18 كانون الأول/ ديسمبر في مقابلة على برنامج "بعد الفاصل مع بلال شلاعطة".
هل هو محقّ؟ نعم، وأطرحُ في ذلك سؤالين للتوضيح، لماذا هو محقّ؟ وأين يكمن الخطأ أو الغلط أو الجُرم أو القُبح؟
لنبدأ أينما بدأ هو في اقتباسهِ، إحدى الأقفاص التي أحكمت قبضتها على الفلسطينيين بالداخل المحتلّ في عام 1948، منذُ البداية؛ قفص مسار الموطنة الإسرائيليّة، أنّ نضالك كفلسطينيّ باقٍ في أرضهِ أثناء اشتداد موجات التطهير العرقيّ، أن تحصل على بطاقة تثبيت البقاء، عبر أجهزة استعماريّة مجّهزة في أحدثِ الماكينات العسكريّة لقتلك وإبادتك، هذا هو الحلّ الذي ابتكرهُ نوابغ الحزب الشيوعيّ، من إميل حبيبي حتى المحاميّ حنّا نقارة، نتصوّره كانجاز، ولكنهُ ليسَ كذلك، أنتَ عرضتَ استسلامك، وضعت الجزّار في مرحلةٍ حرجة، ماذا سيفعل؟ غالبًا يقبل استسلامك، وفي حالاتٍ أخرى قد يقتلك.
أتذكّر، في هذا الصدد مشهدًا من مسلسل كوميديّ إسرائيليّ "اليهود قادمون"، حينما أُحضر يهوديّ إلى مقصلةٍ في مملكةِ قشتالة والأرغون (إسبانيا راهنًا)، وسألهُ الجزّار، هل تقبلُ يسوع المخلّص إلهًا، هل تسلّم وتخضع لسلطتهِ وما إلى ذلك... وهو يتوقّع إجابة "لا"، لكي يتلذّذ في قتلهِ، ثمّ إذ بهِ يجيب "نعم، نعم، أقبل وأسلّم وأخضع له" ثمّ وتفاجأ الجزّار، وغادرَ اليهوديّ سالمًا، ومسيحيًا.
ما أقصدهُ، أنّكم لستم بعباقرة، وما نتصوّره انجاز، ليسَ كذلك... ولكن سؤالنا في الوقت ذاته، هل كانوا يملكون خيارًا، بدون تأتأة، أجيب بـ"نعم"، كنّا نستطيع أن نجتهد ونمارس النضال نفسهُ وذاته، وبدون أيّة جهد إضافيّ، ولا أريد أن أطلب منهم [ولا يحقّ لي أن أطلب] اقتناء بنادق وتوزيعها واستمرار عمليّات المسلّحة مثلًا... إنمّا ذات النضال، ذات المرافعات القانونيّة والمظاهرات هُنا وهُناك، ولكن لمآلاتٍ مختلفة ومسار مغاير، عن المواطنة الاستعماريّة، والنضال من أجل ما نادت بهِ "عصبة التحرّر الوطنيّ" تاريخيًا دولة واحدة فلسطينيّة للجميع وهذا لم يكن مستحيلًا.
الخطوة السياسيّة الأولى، اكترثت فقط لسؤال "ماذا نُعارض؟" طرد من بقي تحت خطّ الـ48... لم تسعى إلى طرح سؤال آخر ماذا نُريد نحنُ كشعبٍ تحت تهديد وجوديّ؟
القفص الثاني، المُلازم للأوّل، مسألة التمثيل السياسيّ، التي طُرحت بعد أشهر، وهي هل ندخل الكنيست، هذا السؤال لأكن دقيقًا، صادرتهُ القوى "الشيوعيّة" الصهيونيّة داخل الحزب الشيوعيّ الاسرائيليّ، آنذاك، إذ أنّها لا ترى مُشكلةً في تمثيل سياسيّ لأقليّة مسلوبة الحقوق تحت البسطار العسكريّ، وهي بالتالي صاغت خطابًا متواءم مع الواقع كما تقرأهُ هي. أمّا عن الشيوعيّ الفلسطينيّ المنخرط في الحزب، فهو قد رأى الحلّ في المواطنة الاسرائيليّة، لماذا يتخلّى إذًا عن تمثيل سياسيّ داخل أروقة الكنيست؟
ضمن هذا المسار الطويل، لم نخطّط لما نُريدهُ سياسيًا، مثلًا في لحظاتٍ تاريخيّة، يوم الأرض، هل كنّا نملك قيادةً تملكُ مشروعًا استراتيجيًا؟ في برافر؟ هل طالبنا بشيء إضافيّ عن منعِ القرار الاسرائيليّ، كنّا ضدّ المصادرة، جيّد. ولكن ماذا نُريد؟
ما هي الدولة التي يريدونها، كلّ من الحزب الشيوعيّ، والتجمّع الوطنيّ الديمقراطيّ، والعربيّة للتغيير على فلسطين التاريخيّة... إسرائيل فيها حقوق ومساواة (بجانب دولة فلسطينيّة). كيف تحققون ذلك؟ إسرائيل كما هي دولة اليهود، دولة يهوديّة، دولة الشعب اليهوديّ، وأنتم تريدونها ولكن مع حقوق ومساواة. أينَ أخطأ منصور عبّاس بالنسبةِ إليكم، هو يقول أنا أريدها كما هي أيضًا، ولكن أريد أن أتفحّص مكانة العرب داخلها، وأجعلهم في مكانةٍ أفضل. إذًا فعليًا أين الخطأ في منصور عبّاس، لننظر بدقّة إلى ملامح مشروعهِ... بدون ترهّات المشتركة.
أولًا؛ منصور عبّاس في مقابلةٍ على "جلوبس" في تاريخ 21 كانون الثاني/ ديسمبر، موضحًا، أنه إنسان يؤمن في المستقبل، ولا يهمّه الماضي، إذ أنّ المستقبل يحملُ في جعبتهِ الأفضل، أو على الأقل شيئًا جديدًا، ولهذا علينا دائمًا أن نهمل أحداث الماضي، ولا نجعلها عائقًا أمامنا، كم أنت جهبذ يا منصور... هذا الجانب المعرفيّ عند عبّاس، فهو لا يتخيّل سرديّة ثمّ يرفض أصل التفكير التاريخيّ مما يجعلهُ يهمل الإرث الاستعماريّ كجُزء من استراتيجيّة كاملة ومشروع، وهذا انعكس دائمًا في خطابهِ إزاء الجريمة المنظمّة فهو يرفض فهم أسباب وجذور تشكّل الجريمة وارتباطها بشكلٍ لا لبس في الأجهزة الاستعماريّة، إنما لننظر إلى المشكلة ومستقبلها ونعمل على حلّها معًا. لن أطيل هُنا أعتقد أننّي وضحت الفكرة.
ثانيًا؛ منصور عبّاس، على عكسِ الأحزاب العربيّة تاريخيًا، يريدوننا فعلًا أن نكون إسرائيليين، بأي معنى؟ لأقرّب الصورة بمثالٍ حول المشروع السياسيّ للتجمّع وعزمي بشارة منظرًا:
-ماذا كنت تُريد، دكتور عزمي بشارة، أثناء عملك كـ نائب؟
-أريد دولة لجميع مواطنيها.
-جميل، هل تقصد بذلك أن يأخذ العرب جميع حقوقهم الكاملة فقط، مع الحفاظ على الدولة وما تمثّله من قيمٍ وطموحاتٍ للشعبِ اليهوديّ؟
-نعم ولا...
-أخبرني هل تُريد دولة إسرائيل ديمقراطيّة أكثر وحقوق أكثر فقط، أم أيضًا تُريد تغيير هويّة الدولة؟
-ولكن هذهِ الأمور ليست منفصلة!
-أنا أعلم أنّها ليست منفصلة ولكن لا أفهم ماذا تقصد وما هو مشروع دولة لجميع مواطنيها، دعني أصيغ السؤال بصورةٍ أدقّ "هل تُريد مثلًا إسرائيل، لجميع مواطنيها"....
-لا ولكن نعم.
منصور عبّاس مثلًا لم يكن لـ يتأتأ هو يريد إسرائيل لكلّ مواطنيها ويسعى لذلك، وبدون خجل أو أيّة تخبّط، على عكس مثلًا التجمّع والجبهة، الذي تراهم دائمًا يريدون أن يقفوا على وسط الميزان، وكما قال مرةً أيمن عودة واصفًا معادلته الذهبيّة، في صيغتها الأخيرة، نحنُ نُريد أن نكون فلسطينيّون كاملون وإسرائيليّون كاملون، كيف ذلك؟ لا أحد يعلم!
ثالثًا؛ السياسة كما يفهمها منصور عبّاس، هي تحقيق المكاسب، ولا علاقة لها بالخطاب والأيديولوجيا والفكر. مثلًا هل يستطيع أحدكم أن يُخبرني، كيف نستطيع أن نُلاحظ ملمح إسلاميّ واحد للقائمة العربيّة الموحدة (التي نستطيع أن نفصلها نظريًا على الأقل عن الحركة الاسلاميّة الجنوبيّة)، دونَ أن نذكر اللحية والحجاب؟
إذ أنّ مشروعه يعتمد على علمنةٍ شاملة (بمصطلحِ عبد الوهّاب المسيري) للفعل السياسيّ، فهو لا يُريد أن يتحدّث عن المسجد الأقصى أثناء عملهِ كسياسيّ هذهِ من وظائف الحركة الاسلاميّة الجنوبيّة، التي تقدّم التبرعّات أو تقوم بنشاطاتٍ وعمل خيريّ وما إلى ذلك، نستطيع أن نقول إنهُ الأول على مستوى الداخل المحتلّ الـ48، الذي قام بعلمنةٍ فائقة للفعل السياسيّ، وحقًا عجيب، إسلاميّ بلحيةٍ يقوم بذلك؟!
. . .
رابط مختصر



اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة *

مشاركة الخبر