إسرائيل وفوبيا خسارة الأرض


  • الثلاثاء 5 أكتوبر ,2021
إسرائيل وفوبيا خسارة الأرض

شهدت حالات شراء المواطنين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر لأراضي زراعية من مواطنين يهود ارتفاعًا واضحًا في السنوات الأخيرة، وبات التعامل مع الخشية مما يشار إليه بين رؤساء المجالس الإقليمية الشمالية بـ"التهام الجليل"، على قائمة أولويات وزارتي الزراعة وتطوير النقب والجليل، اللتان شكّل وزيرهما، عوديد فورير، قبل أيام دائرةً "للحدّ من شراء العرب لأراضٍ في مرج بن عامر".

وأشار تقرير نشرته صحيفة "ماكور ريشون" العبرية إلى أن هذا القرار جاء في أعقاب اجتماع أوّلي جمع الوزير، الأسبوع الماضي، برئيس مجلس إقليم الجليل الأسفل الذي يتركز نفوذه بين الناصرة وطبرية والقرى المهجّرة في المنطقة كالشجرة، بالإضافة إلى قرية "كفار تابور" المقامة في أسفل جبل الطور بمرج بن عامر، لمناقشة سبل منع شراء العرب أراضي من "مزارعين يهود" في هاتين المنطقتين، بذريعة أنهم يقيمون عليها صالات أفراح تشوّه المنظر الريفي للمساحات المفتوحة.

وأشاد رئيس مجلس "كفار تابور"، عوديد هيلبرين، في لقاءه مع الصحيفة التي تروّج إلى أن الصهيونية تخسر الجليل، بالدور الذي يقوم به الوزير، مشيرًا إلى أن التعديلات القانونية والمسار الجديد، سيتيحان الحفاظ على الطبيعة الزراعية للجليل وإعادته إلى "سابق عهده" الذي يعني وفقًا للسياق حالهُ قبل أن "يعبث به العرب".

وتأتي هذه الخطوة استجابةً للمظاهرات التي نظّمها المستوطنون في كفار تاڤور قبل أربعة أشهر أمام منازل مستوطنين آخرين باعوا مجموعةً من الأراضي الزراعية والعقارات السكنية لمواطنين عرب من المناطق المجاورة، متّهمين إياهم بالخيانة العظمى، والتآمر على "النقاء اليهودي" للمستعمرة الصهيونية التي يزيد عمرها عن 120 عام، كما دعت هذه المجموعات إلى نفي "الخائين" إلى مدينة أم الفحم، باعتبارها واحدةً من أكبر تجمعات ال"غوييم" (البشر غير اليهود) في البلاد.

وتجدر الإشارة إلى أن عدد القوانين الإسرائيلية التي سُنّت منذ النكبة لشرعنة الاستيلاء على أراضي العرب الذين لم تنجح في تهجيرهم، تجاوز الـ12 قانونًا، أبرزها قانون "أملاك الغائبين" الذي مكَّن الصندوق القومي اليهودي بعد النكبة من التهام مليون وثلاثمائة دونم، شملوا أكثر من 350 قرية فلسطينية مهجّرة بغضون سنوات، وتقليص نسبة الأراضي التي يملكها المواطنون العرب من 48% إلى 3.5%، كما يوفّر الآن غطاءً قانونيًّا للجمعيات الاستيطانية التي تهدف بصريح العبارة إلى تهويد القدس وتطهيرها عرقيًا من العرب.

بالإضافة إلى قانون أساس "أراضي إسرائيل" الذي يقضي بأن الأراضي التي يملكها الصندوق القومي اليهودي لا يمكن نقل ملكيتها بالبيع أو بأي طريقة كانت، ولا يمكن تأجيرها إلا للمواطنين اليهود، إلى جانب التعديل الرابع على قانون "سلطة تطوير النقب"، والذي يشرعن المستوطنات الفردية كأداة لتمليك العائلات اليهودية المرموقة آلاف الدونمات للاستخدام الحصري الذي يحول دون تطوير وتوسعة البلدات الفلسطينية البدوية.

وأشار المركز القانوني لحقوق "الأقلية العربية في إسرائيل" (عدالة) إلى أن عدد المستوطنات الفردية في النقب، والتي أُقيم بعضها بلا تصريح وخلافًا لقوانين التخطيط، تجاوز الـ60 مستوطنة، وأنها تمتد على مساحة 81,000 دونم قابل للزيادة برعاية سلطة تطوير النقب التي تزوّد المستوطنات بكل الإمدادات اللازمة، ومديرية أراضي إسرائيل التي تعترف بها مباشرةً في حين يرزح أكثر من 80 ألف فلسطيني بدوي في قرى لم يُعترف بها منذ النكبة، محرومين من أبسط شروط العيش الكريم كخطوط الكهرباء ومياه الشرب.

ولم يكتفِ الاحتلال بسن هذه القوانين الكولونيالية وتعديلها بما يخدم توسعة الرقعة الاستيطانية داخل الخط الأخضر وخارجه فحسب، بل سنّ في عام 2017 قانون "كامينيتس" الذي يوسّع صلاحية الدولة التمييزية في هدم منازل المواطنين العرب تحت ذريعة عدم وجود ترخيص، أو أن الأرض المعنية مخصصة للزراعة فقط، علمًا أنه لم يسمح بتوسعة أي بلدة عربية منذ النكبة بالرغم من تضاعف التعداد العربي من 180,000 نسمة إلى 1,800,000 نسمة تقريبًا.

ونقل القانون صلاحية فرض الغرامات وإصدار أوامر الهدم من المحاكم إلى مفتّشي البناء، سالبًا المتضرر حقه في التوجه للقضاء، ومُوسِّعًا رُقعة العقاب لتشمل مالك الأرض، ومستخدميها، وكل من عملوا بها من مقاولين ومشرفين وصولًا إلى العمّال، كما زاد عدد السنوات القصوى لعقوبة السجن في تجاوزات البناء من سنتين إلى ثلاث.

ويترافق هذا الكابوس الملاحِق للشباب الفلسطيني في الداخل المحتل، مع تخييرهم بعد صدور قرار الهدم بين أن يهدموا منازل أحلامهم بأيديهم، أو أن تهدمها الدولة على مرآهم ومسمعهم وتجبرهم على دفع التكاليف، مما يودي ببعضهم تجنًّبًا للسجن إلى التعامل مع عصابات الإجرام المنظم مقابل المال السريع، أو لطلب قرض مالي سيستغرق تسديده سنوات شبابهم كلها حارمًا اياهم من فرصة بناء أُسرة.

دفع هذا الواقع المرير كثيرًا من الشباب إلى الهجرة، فيما دفع قلّةً ممن ضلّلتهم حملات كيّ الوعي الوطني، إلى التطوع بالجيش الإسرائيلي أو "الخدمة الوطنية" البديلة عنه، ظنًّا منهم أنه السبيل الوحيد للحصول على حقوق مدنية متساوية مع اليهود، وفرص عمل في منشآت وقطاعات لا توظّف العرب لأسباب تمييزية تستخدم تفاديًا لذكرها حقّها في "عدم توظيف مواطين لم يؤدّوا الخدمة العسكرية".

إلا أن نسبة هذه الأقلية من المجتمع الفلسطيني في الداخل لم تتجاوز يومًا الـ 5%، وهي في تراجعٍ ملحوظ ومستمر على عكس ما يروّجه الإعلام العسكري الموجّه للعرب، والذي ادّعى في أعقاب هبة الأقصى والانتفاضة أن "الشعور الوطني المتنامي" لدى العرب كجزء من إسرائيل، زاد تدفّقهم للجيش بنسبة 40%، فيما أكّدت المعطيات الحقيقية التي تلقّاها رئيس حكومة الاحتلال آن ذاك، أريئيل شارون، أن الذي حدث كان انخفاضًا بنسبة 17% في عام 2000 مقارنةً مع عام 1999.

وانخفض الإقبال في العام التّالي بنسبة 40%، وهو العام الذي تساءل فيه رئيس الاستخبارات الاسرائيلية ساخطًا، بعد مقتل أحد الجنود العرب في تفجير نفقٍ تحت موقع عسكري في رفح، "كيف يُعقل أن يكون هناك حوالي 400 إمام مسجد في إسرائيل، وأن لا نجد واحدًا منهم مستعدًا لإقامة الصلاة على جندي ميت".

نهايةً، تُثبت إسرائيل في كلّ مرّةٍ أن الصراع لم يكن يومًا على الحدود، بل كان وما زال وسيبقى حتى تحقيق العدالة التامة للشعب الفلسطيني صراعًا وجوديًا، يخوضه شعب أصلاني تمنعه آلة القمع من النمو والازدهار حضاريًا واقتصاديًا بشتّى أنواع العُنف لا لشيء سوى لأنه لم يُخلق يهوديًا، ولم يوافِ معايير "النقاء العرقي" التي تقرر مدى استحقاقه بعين هذه الآلة، أيًّا كانت درجة استعداده لتقديم التنازلات.

. . .
رابط مختصر



اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة *

مشاركة الخبر