إخفاقات إسرائيلية متتالية و"العقد المشؤوم"


  • الجمعة 10 سبتمبر ,2021
إخفاقات إسرائيلية متتالية و"العقد المشؤوم"

شكّل فرار ستة أسرى فلسطينيين من سجن "جلبوع" الأكثر تحصينًا من الناحية العمرانية والتكنولوجية، فجر الإثنين الماضي، ضربة موجعة للكيان الإسرائيلي، وكشفت عملية الهروب فشلًا أمنيًا واستخباراتيًا ذريعًا وخسارة كبيرة للإسرائيليين أمام الفلسطيني الذي لا يعرف المستحيل ولا اليأس والذي بات يسجل الانتصار تلو الانتصار في معركة الوعي ويثبت قدراته الكبيرة من خلال استخدامه للأدوات البدائية والتكنولوجية لإدارة المعارك الميدانية على مختلف أنواعها.

لم يتوقف التخطيط الدقيق والمُحكم ببراعة لهذه العملية الحقيقية المصنوعة فلسطينيًا، والتي تشبه العديد من الأعمال السينمائية الخيالية المصنوعة في "هولويود"، عند النجاح في الفرار بواسطة نفق تم حفره خلال مدة لا تقل عن عام، حيث سار الأسرى الستة مسافة ثلاثة كيلومترات حتى وصولهم إلى سيارة كانت تنتظرهم لتنقلهم إلى مكان آخر، بحسب ما تكشّف من التحقيقات الإسرائيلية، بل وصلت الأمور إلى حالة من التخبط والإرباك بسبب عدم تيّقن وتضارب في المعلومات حول مكان وجود الأسرى منتزعي الحرية جراء عدة اتصالات مجهولة ضللت "الشاباك" الإسرائيلي عنهم، الأمر الذي أحدث حالة من البلبلة وعدم الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد على مختلف جبهاتها، ليتلقى الكيان الإسرائيلي ضربة أخرى بعد صدمة مقتل أحد قناصته على يد شاب فلسطيني عند حدود غزة قبل أسابيع قليلة، وما زال الكيان يعيش هول صدمتها وتداعيات أثارها على كافة الأصعدة والمستويات.

هذه الحوادث والضربات الموجعة والإخفاقات المتتالية للكيان الإسرائيلي التي أوجدت حالة من السخط والتذمر داخل المجتمع الإسرائيلي، باتت تُشكل رأيًا عامًا مناهضًا للسياسات الإسرائيلية وهجومًا لاذعًا على رئيس الوزراء بينيت، ووزير جيشه بيني غانتس على وجه الخصوص، واتهامهم بالعبث بأمن الدولة، فانتقادات الجمهور الإسرائيلي عامة والمعارضة خاصة لطريقة إدارة بينيت للبلاد لا تكاد تتوقف، خاصة في أعقاب هذين الحدثين ضمن سلسلة تحديات أمنية وسياسية تعترض طريق الائتلاف الحكومي الهش برئاسة نفتالي بينت والذي أفرزته حالة عدم الاستقرار السياسي التي عاشها الكيان الإسرائيلي خلال السنوات الماضية، حيث أصبح من المؤكد أن تضع هذه الحالة مسألة استمراره ونجاحه على المحك، خاصة وبينيت نفسه الذي حاول مرارًا وتكرارًا التغني بتغيير المعادلات مع الفلسطينيين بشكل عام، ومع غزة بشكل خاص، فشل في تحقيق أهدافه، ويخشى الدخول في مواجهة مع الفصائل الفلسطينية تنهي حياته السياسية.

بطبيعة الحال، لا ننسى أن هذه الضربات الموجعة والاخفاقات المتتالية للكيان الإسرائيلي، تأتي بعد أشهر قليلة من الانتصار الذي حققته المقاومة الفلسطينية على الطرف الإسرائيلي في معركة شرسة استمرت لـ 11 يومًا، تَمَثَل يومها بمشهدين متناقضين تمامًا على الأرض، مسيرات وتجمعات احتفالية في غزة ومدن الضفة الغربية المحتلة بانتصار المقاومة، يقابلها مشهد إسرائيلي داخلي يغلب عليه تبادل الاتهامات بشأن ما وصفوه بالفشل والهزيمة التي اتضحت ملامحها من خلال شنّ الصحافة الإسرائيلية هجومًا حادًا على أداء الحكومة والجيش الإسرائيلي في حرب غزة، معتبرين أن المبادرة الإسرائيلية بوقف إطلاق النار من جانب واحد هي إقرار بالهزيمة أمام حماس التي سجلت في هذه الحرب أداء سياسيًا وعسكريًا لافتًا، مقابل تراجع الحكومة الإسرائيلية.

الكيان الإسرائيلي، الذي أصبح الفشل حليفه والذي يروّج لنفسه بتفوقه العسكري في المنطقة ويحاول إغراء دول العالم بالتطبيع معه والاستعانة بأجهزته الأمنية، وقف حائرًا وعاجزًا أمام حدثيين أمنيين خلال أسابع قليلة، أشعلا الجبهة الداخلية الإسرائيلية في وجه القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، ووصلت المطالب بتنحيتهم وتحميلهم مسؤولية اخفاقاتهم في مواجهة هذه التحديات. فلا يكاد يتلاشى الاهتمام الإعلامي والشعبي بقضية ما، لينتقل الحديث والنقاشات لقضية أخرى، الأمر الذي أضرّ بالثقة داخل مؤسسات القيادة الإسرائيلية من جهة، وبين الجمهور الإسرائيلي والمستوى السياسي والأمني من جهة أخرى.

في حقيقة الأمر، الكيان الإسرائيلي لا يواجه فقط العديد من التحديات الداخلية والخارجية التي باتت تقابلها سلسلة من الإخفاقات التي أطاحت بأكبر رأس في الدولة، بنيامين نتنياهو أطول الزعماء الإسرائيليين حكمًا، والتي تهدد اليوم أيضًا بالإطاحة بحكومة الائتلاف التي يقودها بينيت فحسب، إنما التهديد الأكبر الذي يواجه الكيان الإسرائيلي أنه دخل في بداية "العقد المشؤوم" الذي يتشاءم الإسرائيليون منه، لأن الدولتين اليهوديتين السابقتين اللتين جرى تأسيسهما في البلاد، وفق الرواية اليهودية، "مملكة داوود" ومملكة الحشمونائيم، لم تستطيعا تجاوز العقد الثامن من عمرهما. وهذا العقد الذي قال عنه نفتالي بينيت بذاته المنتمي لتيار "الصهيونية الدينية" عندما كان وزيرًا للأمن: "إننا داخل العقد الثامن لدولة إسرائيل، وفي تاريخنا كله، كان لنا دولتين هنا في أرض إسرائيل، لكن لم ننجح أبدًا في عبور العقد الثامن كدولة موحدة وذات سيادة". وهو "العقد المشؤوم" الذي حذر منه نتنياهو، خلال ندوة دينية كان قد استضافها هو وزوجته في بيتهما عندما قال: إن مملكة الحشمونائيم نجحت فقط 80 عامًا، وأنه يعمل على ضمان نجاة دولة إسرائيل من المخاطر الوجودية لتصل إلى عمر 100 عام.

وأخيرًا، يبقى السؤال: هل الكيان الإسرائيلي الذي دخل "العقد المشؤوم" بسلسة من الضربات الموجعة والاخفاقات المتتالية والذي بات لا يمكنه خوض مواجهة جادة مع أحد في المنطقة دون الدعم الخارجي، وفرضية هزيمته أو زواله بشكل كامل، كما تتحدث قوى المقاومة في المنطقة، أصبحت فرضية قابلة للتحقق وما هي إلا مسألة وقت فقط؟؟

. . .
رابط مختصر



اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة *

مشاركة الخبر