عن "اللد" التي لنا، وستبقى لنا


  • الخميس 15 يوليو ,2021
عن "اللد" التي لنا، وستبقى لنا

تعتبر مجزرة مسجد "دهمش" الواقع وسط مدينة اللد المحتلة، واحدة من أبشع ما تعرض له الشعب الفلسطيني في نكبة عام 48. المجزرة وقعت ظهيرة 12 تموز 1948، وراح ضحيتها ما بين 120 – 176 فلسطيني مدني (من نساء واطفال وشيوخ)، حيث أطلق الرصاص عليهم أثناء احتمائهم من هجمات العصابات الصهيونية التي بدات احتلال المدينة في يومي 10-11 تموز 1948. فيما تشير التقديرات إلى أن 1500 فلسطيني استشهدوا خلال احتلال اللد، وتم تهجير الآلاف (ما يقرب من 19 ألفاً) من أهل اللد، وتهجير عدد مقارب من الذين نزحوا إليها ومن المدينة الملاصقة "الرملة" وذلك في نفس التوقيت، حيث بلغ عدد سكان المدينتين حينذاك ما بين 42-50 ألفا.

فيما تبقى ما يقرب من 500 فلسطيني في المدينة، معظمهم من النساء والاطفال والمسنين بالإضافة إلى الجرحى، سكنوا في منطقه الجامع الكبير والكنيسة وحي محطة سكة الحديد. بعد مرور 73 عاما على احتلالها وتهويدها، لم تنهزم "اللد" فعدد الفلسطينيين اليوم، 2021 فيها ما يقارب ال 30 ألفا، وهم يشكلون 30% من المدينة.

وبحسب موقع "ذاكرات" المهتم في شأن النكبة والتهجير والمستند على عدة مصادر أرشيفية ومقابلات شفوية ومكتوبة وثقت منذ عشرات السنوات تفاصيل النكبة واللجوء، فقد قامت العصابات الصهيونية بنصب اسلاك شائكة حول منطقة الجامع والكنيسة والمستشفى بلغ طولها نحو 150 متر وعرضها نحو 100 متر، ولها بوابة واحدة، يحرسها عدد من الجنود المسلحين الذين منعوا الناس من الخروج من المنطقة بتاتًا، وسُميَت "بالجيتو". وكان الجيش يأتي يوميا ويأخذ الشباب ليجمعوا الجثث المتناثرة في المدينة ودفنها بعد ان تعفنت من شدة الحر. عمِلت في هذا المهمة اربع فرق طوال شهر تقريبًا ولم تتمكن من اتمامها لكثرة الجثث، أصبح الذباب منتشرًا في المدينة بصورة يصعب وصفها، عندها قام الجنود بأحراق الجثث المتبقية. ومن تبقى من اهل اللد عانوا من قلة الغذاء والمياه، وانتشار الأمراض التي تسببت بالموت للكثيرين، عدا عن الإذلال والترحيل الذي ظل يلاحقهم حتى بعد ال13 من تموز. بدأ احتلال اللد صبيحة العاشر من تموز 1948 واستمر تهجير أهلها حتى ال13 عشر من الشهر ذاته، وذلك ضمن "عملية داني" والتي تعتبر من اكبر العمليات العسكرية التي قامت بها قوات البلماح الإرهابية - هاريئيل ويفتاح وغيرهم من وحدات الجيش الاسرائيلي المؤلفه من الاف الجنود المزودين بأحسن الاسلحة وأقدر الخبراء العسكريين الذين جاؤوا من اوروبا وأمريكا.

تقع اللد على بعد 13كم جنوب شرق مدينة يافا، وعلى بعد 3كم شمال شرقي مدينة الرملة، وترتفع 50 متراً عن سطح البحر. تميزت بوجود خط سكة حديد ومحطة قطارات كانت تُعتبر أهم محطة بعد محطة حيفا. وأخذت اللد تتوسع في عهد الانتداب البريطاني نتيجة مرور سكة حديد القنطرة/ حيفا، وإنشاء مطار اللد الدولي. وفي سنة 1945 كانت مساحة المدينة 3855 دونماً، وقدّر عدد سكانها سنة 1946 بنحو 18.250 نسمة، وكانت حينها خالية من اليهود. اشتهرت اللد بمعاصر زيت الزيتون وزيت السمسم، وكان سوقها التجاري الذي يُعقد كل يوم اثنين مبعث حركة تجارية لها وللقرى والبلدات الأُخرى. "الرحلات الفلسطينية.. المسرد الزمني".

وبحسب المؤرخ مصطفى كبها، فإنه في الساعة الحادية عشرة والنصف من ظهر الخامس من رمضان سنة 1368 للهجرة الموافق الثاني عشر من تموز 1948 للميلاد، الصيف القائظ فرض نفسه بقوة على أجواء محمومة، مدينتا اللد والرملة تتعرضان لموجة هجوم ثانية لقوات البالماح بقيادة اسحاق رابين ، نائب قائد قوات البالماح في حينه ، ضمن ما سمي خطة "داني " وفي إطار ما عرف باسم " حرب الأيام العشرة " . كانت المدينتان ( اللتان كانتا من المفروض أن تكونا ضمن حدود الدولة العربية ضمن قرار التقسيم ) قد تعرضتا لهجوم سابق جرى من خلاله تهجير معظم اهالي المدينيتن ( بلغ عدد سكان المدينتين معا في حينه نحو 42000 الف نسمة ) وقد أضيف لهم عشرات آلاف أخرى من سكان يافا وقر اها والذين كانوا قد لجأووا للد والرملة عند سقوط يافا ومحيطها في منتصف ايار 1948 قبل سقوط اللد والرملة بشهرين . مساء الحادي عشر من تموز قامت مدرعات تابعة للجيش العربي الأردني بهجوم معاكس استعادت فيه مواقع استراتيجية في المدينتين لبضع ساعات وقد قتل في هذا الهجوم العديد من افراد قوات البالماح الذين جاء رفاقهم غداة اليوم التالي وقد شحنوا بمشاعر الرغبة بالانتقام لرفاقهم ولم يجدوا هدفا أسهل من عشرات السكان المجتمعين في قاعة الصلاة لجامع دهمش والذي كان قد أنشأه الحاج خليل دهمش في البلدة القديمة في اللد . لم يشفع للصائمين صومهم ولم يشفع لهم أنهم عزل وان معظمهم كانوا من النساء والأطفال . إلى الجامع المغلق الذي بلغت درجة الحرارة داخله الأربعين درجة ونيّف، أدخل المهاجمون ( حسب شهادة بعضهم في مقابلات شفوية لاحقة ) قنابل فراغية زلزلت عند انفجارها أركان البناء وطوّحت بالجثث في كافة أرجائه وبعضها التصق بالجدران.

واضاف: بحسب ما رواه لي المرحوم واصف ابو منة عام 2006، جيئ به وبعض الباقين في المدينة لسحب الجثث التي كان معظمها في وضع تعفن نتيجة لثلاثة أيام حارة في مكان مغلق، وتحميلها على عربة تمهيدا لنقلها للمقبرة ودفنها في قبر جماعي . تتضارب الروايات حول عدد ضحايا مجزرة جامع دهمش ولكنها تتراوح بين 120 -136 ضحية ، كان معظمهم من سكان مدينة اللد وبعضهم من سكان بعض القرى المحيطة باللد وخاصة بيت نبالا ودير طريف وبعض سكان ريف يافا.

شهادات عن اللد ومجزرة دهمش نشرتها وفا عام 2005 يفيد الأرشيف الإسرائيلي أن قوة مدرعة يهودية دخلت المدينة بقيادة موشيه ديان في مساء 11 تموز- يوليو 1948 وروعت السكان بإطلاقها نيران المدافع الرشاشة بشكل عشوائي تجاه المدنيين بعد انتهاء المعركة مع حامية المدينة.. من جهته، كتب يتسحاق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، الذي شغل منصب قائد لواء في الجيش، وشارك في احتلال مدينة اللد في مذكراته "بنكاس شيروت" إنه كان قد التقى مع دافيد بن غوريون، وهو أول رئيس للحكومات الإسرائيلية للتباحث فيما يجب فعله بالأعداد الكبيرة من السكان المدنيين الذين ظلوا فيها.. وأضاف رابين في مذكراته أنه قال لبن غوريون إنه لن يستطيع ترك أعداد كبيرة من السكان المدنيين خلفهم، وعندما سأل يغئال يدين وهو قائد بارز آخر في العملية: ما الذي يجب أن نفعله بالسكان؟، حرك بن غوريون يده بإشارة كانت تعني بوضوح طردهم وهذا ما حدث فعلاً".. وقال الشيخ فايق أبو منة (76 عاماً) من أبناء اللد الذين شهدوا المجازر الإسرائيلية بحق السكان في حديث لـ "وفـا" إن العصابات اليهودية اقترفت مذابح مختلفة بحق الأهالي في المدينة، مؤكداً أن دوريات عسكرية كانت تجوب الشوارع وتدعو عبر مكبرات الصوت إلى مغادرة المكان لأن ذلك " أفضل" كي لا يلقوا مصير من ذبحوا في مسجد دهمش وهو أحد مساجد المدينة الذي شهد واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبت بحق الإنسانية والأخلاق وعدم احترام الأماكن المقدسة.. وأضاف أبو منة أن الجيش الإسرائيلي اقتاده من منزله مع عشرة شبان آخرين بعد أكثر من أسبوع من احتلال المدينة إلى مسجد دهمش حيث كانت 85 جثة مكدسة في غرفة بجانب ساحة المسجد، كانت تنبعث منها رائحة متعفنة.. وبين أبو منة أنه عندما أدخلهم الجنود إلى المكان ذهلوا لمشاهدتهم عدداً هائلاً من جثث المواطنين الذين حشروا في غرفة وتم إطلاق النار عليهم، مشيراً إلى أنهم كانوا من الرجال عدا سيدة كانت ترتدي لباساً تقليدياً يعرف من يرتديه أنه فلاّح بجوارها طفلتان توأم.. وأوضح أبو منة أنه ومن معه نقلوا الجثث بأوامر من الجيش إلى المقبرة الإسلامية الغربية، ونوه إلى الجنود الإسرائيليين منعوهم من دفن الجثامين وأجبروهم تحت تهديد السلاح ومشهد الجثث على حرقها عدا جثث السيدة والطفلتين.. وأضاف أبو منة "جمعنا الأخشاب والأعشاب اليابسة في المقبرة وأضرمنا النار بالجثث مكرهين بعد أن نظفنا ملابس الشهداء من الأدوات والأموال التي كانت بحوزتهم والتي سرقها الجنود طبعاً، وبعد جدال سمحوا لواحد منا بتلاوة الفاتحة على أرواحهم".. ولفت أبو منة إلى أنه سمع لاحقاً من بعض الجنود اليهود ممن أقاموا في المدينة بعد سقوطها كيف أُعدم المواطنون في المسجد، وأضاف" استذكر أولئك الجنود كيف عادوا إلى المسجد بعد دقائق معدودة من المذبحة ونادوا بالعربية وكأنهم جاءوا للنجدة: هل هناك جرحى وعندما نهض بعضهم حصدوهم بالنار ثانية قبل أن يغادروا المسجد".. وأضاف أبو منة، أمام مشاهد القتل والترويع نزح أغلب سكان اللد نحو الشرق تجاه منطقة رام الله في الضفة الغربية في " عز الظهر" بدون ماء أو خبز ومات في الطريق بحسب مصطفى مراد الدباغ وهو أحد من عاصروا النكبة نحو 350 شخصاً.. يشار إلى أن خليل بحر أبو محمود (75 عاماً) هو الوحيد الذي نجا من مجزرة المسجد حيث أصيب بجراح غير قاتلة وظل ممدداً بين الأموات متظاهراً بالموت بعد أن مرغ وجهه ورأسه بالدماء حتى شعر بالأمان وهرب كما أكدت ابنة شقيقته سوسن البراغيتي.. من جهته، قال الباحث الإسرائيلي بيني موريس في مؤلفه "ولادة مشكلة اللاجئين" إن الجنود الإسرائيليين حصدوا السكان الذين خرجوا من بيوتهم، وأضاف "أصيب وقتل المئات من المواطنين غير المسلحين الذين استوقفوا في معسكرات بحوار مسجد وكنيسة في 12 تموز- يوليو 1948".. ووصف يروحام كوهين، ضابط المخابرات في عملية احتلال الرملة حالة المدينة بعد سقوطها بالقول إن السكان أصيبوا بالهلع فما حدث تقشعر له الأبدان، وكانت الأصوات تصم الآذان، النساء يصرخن عالياً، وكان المسنون يقرؤون آيات قرآنية كأنهم يشاهدون موتهم بأعينهم".

يُشار إلى أن عدة مستوطنات أقيمت على أراضي اللد بعد 1948، منها: جينتون، موشاف بن شيمن، أحيسيمخ، زيتان.

. . .
رابط مختصر



اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة *

مشاركة الخبر