هل تفشل تل أبيب المفاوضات الأمريكية – الإيرانية؟


  • الخميس 24 أبريل ,2025
هل تفشل تل أبيب المفاوضات الأمريكية – الإيرانية؟
توضيحية

بعد جولتين من المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران حول الملف النووي، خرج الطرفان بتصريحات متفائلة، وترددت عبارات مثل «مفاوضات جدّية ومثمرة»، وكذلك «جرى إحراز تقدّم ملموس»، وتبعها تصريح ترامب «مفاوضات جيّدة». وزاد من الشعور بالتفاؤل اتفاق الطرفين على إجراء مفاوضات على مستوى الخبراء، ما اعتبره الكثيرون مؤشّرا قويا على وجود تفاهم عام يمكن البدء بترجمته إلى إجراءات وخطوات عملية تفصيلية. وفي مقابل نبرة التفاؤل الإيرانية والأمريكية، عمدت مصادر إسرائيلية عليا إلى تسريب تقديراتها، بأن المفاوضات ستفشل وأنّه يجب الاستعداد للقيام بعملية عسكرية واسعة. ولا يأتي كلام هذه المصادر من باب التحليل والتقدير، وإنّما هو تعبير عن مساعٍ حثيثة تقوم بها إسرائيل في الكواليس لإفشال المفاوضات.
من الصعب التكهّن بما ستؤول إليه هذه المفاوضات، إلّا أنها ستكون مفصلية ومؤثّرة، إن هي نجحت، وقد تشكّل نقلة نوعية في حالة الشرق الأوسط الجيوسياسية. ومن المتوقّع في هذه الحال أن تشهد العلاقات العربية – الإيرانية تحسّنا وانفراجا وانخفاضا في التوتّر، الذي يعتبر المشروع النووي الإيراني أحد أسبابه المهمّة. وسيكون التوصّل إلى اتفاق نووي جديد رافعة ضخمة للنهوض بالاقتصاد الإيراني، الذي يعاني من أزمة خانقة تؤثّر على المواطنين كافّة، وعلى مؤسسات الدولة قاطبة.
من جهتها تطمع الولايات المتحدة لأن يفتح الاتفاق المحتمل أمامها أبوابا واسعة للتبادل التجاري، وللاستثمارات الضخمة بالأخص في مجال المعادن النادرة. هناك في المقابل احتمال كبير أن تفشل المفاوضات، وعندها يزداد خطر هجوم عسكري كبير تشنه إسرائيل وحدها، أو بالاشتراك مع الولايات المتحدة. وقد يتحوّل هذا الهجوم إلى حرب إقليمية تشارك فيها أطراف عدّة وتتسبب بمعاناة كبيرة ومصائب فظيعة. لقد صدرت تهديدات صريحة من الإدارة الأمريكية، ومن القيادة الإسرائيلية بأن «خيار الحرب على الطاولة»، وأرفقت الولايات المتحدة هذا التهديد بحشد قوات ضخمة في الشرق الأوسط ومحيطه، شملت حاملات طائرات وبوارج وطائرات قصف عملاقة. أمّا إسرائيل فقد أعلنت مرارا وتكرارا بأنها لن تقبل إيران نووية وستقوم بعملية عسكرية إذا اقتضت الضرورة، ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تقريرا مفصّلا جاء فيه أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، منع إسرائيل من شن هجوم عسكري على إيران. والسطر الأخير في هذا التقرير أن إسرائيل جاهزة للهجوم على إيران وتنتظر «المصادقة» الأمريكية، التي تعني عمليا المشاركة بهذا الشكل أو ذاك. لعل أكثر ما يهم إيران من المفاوضات مع الولايات المتحدة هو رفع العقوبات، وتحرير ملياراتها المجمّدة في بنوك أمريكية وغير أمريكية. ومن المؤكّد أن لا مصلحة لطهران في الدخول في صدام حربي مع الولايات المتحدة، لأن تكلفته باهظة وفائدته تكاد تكون معدومة. هي معنية بنجاح المفاوضات وبالتوصّل إلى اتفاق، وتبدو مستعدّة لإبداء المرونة شرط عدم المس بما تعتبره مصالحها الاستراتيجية، لكنّها حذرة جدّا لعدم ثقتها بالولايات المتحدة وبالأخص بإدارة ترامب. لقد برز في البيانات والتصريحات الإيرانية عدد من الشروط في المفاوضات: أولا، ضمان احترام الولايات المتحدة للاتفاق، بحيث لا يجري إلغاؤه لاحقا، كما فعل ترامب عام 2018، ويتساءل الإيرانيون «ما قيمة اتفاق يمكن التنصّل منه بجرّة قلم؟»، ثانيا، تسهيل الاستثمارات وإلغاء العقوبات، أو على الأقل تخفيفها، ثالثا، تحرير الأموال الإيرانية المجمّدة في البنوك العالمية، التي تصل إلى عشرات مليارات الدولارات، رابعا، الإبقاء على المشروع الذرّي للأغراض السلمية ورفض «الحل الليبي»، خامسا، وقف التهديدات الأمريكية ولجم الانفلات الإسرائيلي، سادسا حصر المفاوضات في قضية تخصيب اليورانيوم، وعدم التطرّق لمشروع الصواريخ ولتحالفات إيران الإقليمية.

هناك مصلحة أمريكية قوية بالتوصل إلى اتفاق، ومصلحة إيرانية أقوى، وعليه يمكن من حيث المبدأ تجاوز محاولات التخريب الإسرائيلية، التي لا تجري في الخفاء، بل على رؤوس الأشهاد

وقد لخّص الناطق بلسان الخارجية الإيرانية ماذا تريد طهران، وما الذي هي مستعدة أن تقدمه قائلا: «جهودنا ستتركز على تهيئة الظروف اللازمة لرفع العقوبات. وفي هذا السياق، أعلنا استعدادنا لحل أي شبهات بخصوص الأنشطة النووية السلمية الإيرانية، عبر إجراءات واضحة وعبر تعزيز الشفافية. في الاجتماع الفني المقبل، سنناقش تفاصيل إطار الحوار، كما فعلنا في الاجتماعين السابقين، وإذا لزم الأمر، سنتناول تفاصيل أخرى». ويبدو من التصريحات المتكررة أن هدف إيران هو رفع العقوبات بأشكالها وتجلياتها كافة، مع إبداء الاستعداد للتخلّي عمّا له علاقة بتطوير أسلحة نووية، والتمسّك بما عدا ذلك من مشروع نووي سلمي ومن قدرات عسكرية تقليدية. تهدف الولايات المتحدة من إجراء المفاوضات مع إيران إلى تجنّب التورّط في حرب، وإلى الاستفادة اقتصاديا من انفراج في العلاقة مع إيران. ويسعى ترامب فعلا إلى التوصل إلى اتفاق مع إيران، ويريد أن يكون «اتفاقه» أكثر شدّة وأطول مدة من اتفاق أوباما عام 2015، الذي ألغاه ترامب عام 2018. ويذهب معظم المحللين إلى أن المفاوضات الحالية، إن هي نجحت، فستفضي إلى صفقة لا تختلف كثيرا عن صفقة 2015. لكن، وفي كل الأحوال، سيدّعي ترامب أنه توصل إلى صفقة عظيمة أفضل بكثير من تلك التي ألغاها في ولايته الأولى، هو سيقول ذلك حتى لو كان الاتفاق الجديد نسخة عن السابق.
تحرص الإدارة الأمريكية إلى التكتم على سير المفاوضات، وعلى «الشروط» الأمريكية فيها، ويبدو أنها جادّة في التوصل إلى صفقة جديدة، ولا يظهر، إلى الآن، أنّها تضع شروطا تعجيزية، كالتي طرحها نتنياهو حين تحدث عن «النموذج الليبي»، الذي يعني تفكيك المشروع النووي الإيراني برمته، السلمي منه وذلك القابل للتحول إلى عسكري. هناك مصلحة أمريكية قوية بالتوصّل إلى اتفاق وهناك مصلحة إيرانية أقوى، وعليه يمكن من حيث المبدأ تجاوز محاولات التخريب الإسرائيلية، التي لا تجري في الخفاء، بل على رؤوس الأشهاد. لا تجوز الاستهانة بقدرة إسرائيل – نتنياهو التخريبية، وبما يمكن أن تفعله لإفشال المفاوضات. وكان رد فعل نتنياهو الفوري بعد أن أعلن ترامب (الجالس بجانبه في البيت الأبيض) عن بدء المفاوضات المباشرة مع إيران، أن الشرط هو «النموذج الليبي». ويعني هذا الشرط تفكيكا كاملا للمشروع النووي السلمي وغير السلمي، ووقف تخصيب اليورانيوم بتاتا. وتسعى إسرائيل إلى إقناع الولايات المتحدة بتبنّي هذا الشرط، وتحويله إلى المطلب الأمريكي في المفاوضات. ولا تكتفي إسرائيل بهذا الشرط، بل تطلب أيضا أن يشمل الاتفاق، الذي يجري التفاوض حوله تفكيك مشروع الصواريخ البالستية ومنع إيران من بناء تحالفات مع قوى محلية في العراق ولبنان واليمن وفلسطين. وتذهب إلى أكثر من ذلك في الادّعاء أنّ إيران تسعى لقلب نظام الحكم في الأردن.
مشكلة نتنياهو أنه لا يستطيع التعامل مع ترامب الجمهوري، كما تعامل مع الرئيسين الديمقراطيين أوباما وبايدن، فهو حين يصطدم برئيس ديمقراطي يضمن وقوف الجمهوريين في الكونغرس في صفّه، لكن من يقف معه إن توصل ترامب إلى اتفاق مع إيران؟ في هذه الحال سيدعم الجمهوريون والديمقراطيون الاتفاق، ولن يكون نتنياهو قادرا على التأثير. وعليه تنصب جهود نتنياهو على إفشال المفاوضات، وعدم انتظار نتائجها ومخرجاتها. ويساعده في ذلك أن هناك تيارا قويا في الإدارة الأمريكية وفي الحزب الجمهوري عموما، يدعو إلى اتخاذ موقف متشدد من إيران، وإلى تبنّي المطالب الإسرائيلية بشكل شبه كامل، وحتى إلى شن حرب على إيران.
تثير المفاوضات الأمريكية الإيرانية اهتماما دوليا واسعا، وتجري حوله اجتماعات ولقاءات في دول أوروبا الغربية وفي موسكو وبكين. ويهتم العرب كذلك بهذه المفاوضات. يهتمون لكنهم لا يفعلون ما هو مطلوب، وهو طرح الواقع النووي الإسرائيلي قبل الحديث عن «مشروع» إيران النووي. لقد آن الأوان لمبادرة عربية، ربما بالتنسيق مع تركيا، تطرح نزع السلاح النووي من الشرق الأوسط، بما في ذلك أسلحة إسرائيل النووية، التي تستعملها كأداة للهيمنة وفرض نفسها كأقوى طرف في المنطقة. مصلحة الأمن القومي العربي تقتضي فتح ملف النووي الإسرائيلي، لأن قنابل ذرية في حوزة الدولة الصهيونية هي خطر استراتيجي على شعوب المنطقة كافة.

 

 

. . .
رابط مختصر


جمال زحالقة

كاتب وأكاديمي فلسطيني


مشاركة الخبر