بعد أن ألغاها شارون 2005 هل يعيد نتنياهو مخطط الأصابع الخمس" عام 2024

يحدث انزياح في أهداف الحكومة المعلنة من الحرب على غزة، وذلك بعد تحييد مسألة الصفقة من أولويات نتنياهو وشركائه من اقصى اليمين، وسواء تمّ ابرامها ام لا. يتسارع هذا الانزياح بتناسب مضطرد مع تعزز قوة نتنياهو السياسية وعلى الرغم من فشله في تحقيق أهداف الحرب المركزية. كما تتسع التقديرات الإسرائيلية بأن الغاية الرئيسية ليست محور فيلادلفي، بل يشكل المحور مساحة مناورة سياسية داخلية وخارجية يقوم بها نتنياهو. كما وتتضح معالمها جراء قرار رئيس الحكومة تعيين قائد عسكري مسؤول عن المساعدات "الانسانية" ضمن مخطط "البديل السلطوي المدني"، اضافة لاصدار تعليماته للجيش ببناء منظومة عسكرية لتوزيع المؤن على سكان غزة، والامران من مقومات الحكم العسكري الاحتلالي تحت مسمى "الادارة المدنية" مع استبعاد اي اطار كياني سلطوي فلسطيني. وهو يتساوق مع ما يقوم به سموتريتش في الضفة الغربية بعد ان حوّل جهاز "الادارة المدنية" الى اداته السياسية كما حوّل بن غفير شرطة اسرائيل الى شرطته الموالية له ولنهجه.
تُعتبر الوزيرة اوريت ستروك من الصهيونية الدينية أنها الرأس العقائدي الاول والاكثر منهاجية، مقارنة بسموتريتش وبن غفير. وقد اوضحت منذ بضعة أشهر بأنه "بدون البقاء على طريق فيلادلفي ونيتساريم والممر الشمالي، فلن تكون حكومة". يعيدنا هذا الى تصريحات عضو حزبها سيمحا روطمان في اواسط اكتوبر الماضي بأن الهدف النهائي هو "أن يتمكن كل طفل يهودي من المشي في الشارع الرئيسي في مدينة غزة". وهذا ما يتطابق مع خطة الجنرالات التي ظهرت مؤخرا والتي تلغي مدينة غزة وتلغي اي وجود فلسطيني شمال معبر نيتسريم وتحدد مواقعه جنوبه.
بالاضافة الى محور نيتسريم و"الممر الشمالي" يقوم الجيش وفقا لمصادر عدة باعادة ترسيم محور كيسوفيم، وهو المحور الرابط بين مستوطنات قطيف والممتد من جنوب دير البلح وحتى شمال رفح جنوبا وحتى خان يونس شرقا. حيث كانت المستوطنات ال16 فيه والتي لم يتعد عدد سكانها خمسة الاف تسيطر على نحو ربع مساحة القطاع. هذا المحور هو المحور الاستيطاني الاهم مقابل نيتسريم محور السيطرة الاهم على الفلسطينيين. ولو عدنا الى التاريخ الاستعماري لفلسطين فقد عرضت سلطات الانتداب البريطاني الاستعماري على الصندوق القومي امتلاك اراضيه وذلك في العام 1926، الا ان الصفقة لم تخرج الى حيز التنفيذ لاعتبار اراضيه غير صالحة للزراعة وفقا لمواصفات قبل قرن من الزمن.
فعليا تقوم ستروك بعد اتضاح قرار نتنياهو باستدامة احتلال غزة وعدم ايقاف الحرب، بما قام اريئيل شارون في العام 1971 حين طرح خطة الاصابع الخمسة التي تشكل خارطة الاستيطان في القطاع وحصاره وتقطيعه الى مناطق معزولة للفلسطينيين. وهو ما يبدو الخط المركزي الراهن في الحكومة. تستند الخطة في حال بقاء هذه الحكومة وتطبيقها الى خطط قديمة تقوم على ضم القطاع وتهجير سكانه واستيطانه.
من غير الصحيح عزو هذه المخططات الى اقصى اليمين حتى وان بدت كذلك في الاشهر الاولى من الحرب، بل ان نتنياهو هو من يقود السياسات وليس مقاداً من شركائه. يحظى هذا التوجه بتأييد أوسع من سعة الائتلاف الحاكم، ولغاية الان لم تظهر اية معارضة فعلية له، وإن كانت اية معارضة فهي من منطلقات أمنية وليس سياسية. بينما كرر الجيش بأنه جاهز لكل السيناريوهات ولديه الحلول الميدانية.
للتنويه فإن خطة الاصابع الخمسة" المنسوبة الى شارون قامت على إنشاء كتلة استيطانية في شمال قطاع غزة، وتوسيع المدى الاستيطاني اليهودي جنوب عسقلان وحتى ضواحي بيت حانون وغزة المدينة. الإصبع الثانية هو محور نيتسريم. كان الهدف منها بتر تواصل الفلسطينيين بين غزة ودير البلح. أما الإصبع الثالثة فكان عبارة عن كتلة من المستوطنات تهدف إلى فصل دير البلح عن خان يونس وهي جزء من محور كيسوفيم، أما الإصبع الرابعة فكان عبارة عن كتلة من المستوطنات تهدف إلى فصل خان يونس عن رفح. كانت الاصبع الخامسة تحاصر قطاع غزة من الجنوب وتفصله عن سيناء وعلى الارض المصرية وهي مدينة يميت ومستوطناتها الت اقتلعتها اسرائيل في اتفاقات كامب ديفيد مع مصر بينما اقتلعت مستوطنات قطاع غزة عام 2005 وأضيفت اليها مستوطنات شمال الضفة الغربية.
للخلاصة:
• من الجدير التعاطي بجدية مع مشاريع اعادة استيطان قطاع غزة وإنهائه كوحدة جغرافية سكانية واحدة، والاستعداد للتصدي لمخططات اسرائيل القاضية بأن غزة لن تعود الى ما كانت عليه وبأن نوايا التطهير العرقي الشامل والإبادي لم تنزل عن جدول الاعمال الاسرائيلي.
• مهما كان مصير الصفقة الا انها باتت ثانوية مقارنةً بالمخططات الاحتلالية الاسرائيلية، بل ان الحرب على الشعب الفلسطيني وحصريا على غزة مستدامة ومفتوحة، ولا توجد قوى اسرائيلية سياسية معارضة قادرة او معنية بإيقافها.